الحياة الجنسية لمريض الذهان
- مرض الذهان
- أسباب مرض الذهان وانتشاره
- أعراض الذهان الأكثر شيوعًا
- الحياة الجنسيَّة لمريض الذهان
مرض الذهان
الذهان أو نوبة الذهان هو وصف طبِّي لحالة فقدان الاتصال بالواقع، حيث تتزعزع أفكار الشخص وتصوّراته، وقد ينتج عن ذلك صعوبات في التفريق بين ما هو حقيقي وما هو وهم، وغالبًا ما تكون الفئة العمريَّة التي يبدأ بها هذا الاضطراب هي نهاية مرحلة المراهقة حتّى منتصف العشرينات.
تشمل الأعراض الرئيسة الأوهام والهلاوس والضلالات، إضافة إلى عدم توازن واضح في طريقة التحدُّث والكلام، والتصرُّفات غير اللائقة وغير المتماشية مع طبيعة الموقف، إضافة إلى العزلة الاجتماعيَّة واضطرابات في النوم ونقصان حادّ في الدوافع الشخصيَّة، ممَّا ينعكس سلبًا، على نحوٍ شديد، في القيام بالأنشطة اليوميَّة.
أسباب مرض الذهان وانتشاره
السبب المباشر للذهان غير معلوم، حاله حال الكثير من الاضطرابات العقليَّة، ولكن من المُفترَض لدى العلماء أنّه قد يكون مرافق لحالات من الفصام أو اضطراب ثنائي القطب، ويحتاج الذهان خبرة عالية من الطبيب النفسي في تشخيصه، فكثير من مرضى الذهان يُشخَّصون باضطرابات عقليَّة أخرى بسبب نقص الخبرة، ولكي يتمّ تشخيصه على نحوٍ سليم ينبغي على الأخصَّائي استبعاد الأسباب الشائعة الآتية على سبيل الحصر، وإعطاء التشخيص النهائي:
– اضطرابات النوم التي ينجم عنها حرمان شديد من القدرة على الشروع بعمليَّة النوم.
– مضاعفات بعض الأدوية النفسيَّة.
– تعاطي الكحول بكثرة بالإضافة إلى تعاطي المخدَّرات، وخصوصًا القنّب الهندي “الحشيش” والماريجوانا.
وبالمثل في التطرُّق لأسباب هذه الأنواع من الاضطرابات النفسيَّة، هنالك مجموعة من عوامل الخطورة التي تزيد من فرصة الإصابة بالذهان؛ وذلك مثل الاستعداد الجيني والوراثي أو وجود مرضى ذهان قرابة درجة أولى، تعاطي بعض الأنواع المخدِّرة كالماريجوانا والأمفيتامنيات “منشطات للجهاز العصبي”، بالإضافة إلى الصدمات النفسيَّة كحالات الوفاة، أو التعرُّض لاعتداء جنسي، أو اضطرابات ما بعد الصدمة لدى الجنود بعد عودتهم من الحروب ورؤية القتلى والدماء.
أعراض الذهان الأكثر شيوعًا
يجدر التنويه إلى أنَّ اضطرابٍ عقلي مثل الذهان لا تبدأ أعراضه على نحوٍ مفاجئ، حيث تظهر بداية بعض التغييرات التدريجيَّة في طريق التفكير ونمط الفهم للعالم المحيط بالمريض أو الذي سيُصبِح مريضًا بعد ذلك، بالإضافة إلى ملاحظة الأشخاص المقرَّبين والأصدقاء وأفراد العائلة، بانخفاضٍ واضح في القدرة على القيام بالمهمَّات اليوميَّة، وتدنِّي الأداء الوظيفي، وصعوبات شديدة في التفكير بطريقة سليمة، وصعوبات في التركيز على حلِّ أبسط المشكلات.
بعد ذلك تبدأ الأعراض بالظهور، حيث يظهر على المريض حالات من القلق والهلع ونقصان الاهتمام بالذات وخصوصًا النظافة الشخصيَّة، وقضاء غالبيَّة الأوقات بحالة عُزلة، وظهور انفعالات زائدة عن المتوقّع وردود عاطفيَّة شديدة لا تتناسب مع المواقف الحياتيَّة والمشكلات، حيث تُصبِح لدى المريض انفعالات مجانيَّة دائمة، حتى في حالة المواقف الطبيعيَّة التي لا تحتاج لأيِّ انفعال.
يبدأ المريض بعد ذلك بإظهار حالات شكّ بالآخرين، الهلاوس البصريَّة كأن يرى أشياء غير موجودة، بالإضافة إلى الضلالات والاعتقادات بأشياء غير منطقيَّة؛ كأن يعتقد نفسه بطلًا خارقًا أو يتمُّ تزويده بقوى من مصدر فوق طبيعي أو ماورائي أو أنَّهُ مُكلَّف بمَهمَّة من كوكبٍ آخر أو أنَّه إله، وذلك بالترافق مع إيمانه الشديد بذلك، رغم نفي الآخرين المحيطين به لهذه الأشياء ومحاولة إقناعه بذلك.
الحياة الجنسيَّة لمريض الذهان
نأتي الآن على الجزئيَّة الأساسيَّة في موضوع المقال وهي الحياة الجنسيَّة لمريض الذهان، حيث تشير غالبيَّة الدراسات المُحكَّمة علميًا إلى أنَّ النشاط الجنسي والعلاقة الحميميَّة عنوانهما النقص وعدم الرضى لدى مرضى هذا الاضطراب، بينما وتيرة الاحتياجات والرغبات العاطفيَّة والجنسيَّة طبيعيَّة لديهم مثلما أي شخص غير مصاب بهذا الاضطراب، بينما التخيُّلات الجنسيَّة والأفكار بهذا الصدد تكون طبيعيَّة في الغالب، باستثناء حالات نادرة تكون لديها بعض الهواجس والخيالات غير المألوفة وغير السويَّة أحيانًا.
تتطلَّب الحياة الجنسيَّة السليمة القدرة على التفاعل مع (الزوج/الزوجة)، وفهم الرغبات الجنسيَّة والاحتياجات العاطفيَّة، بالإضافة إلى مستويات عالية من الثقة والحدّ الأدنى من المعرفة الطبيَّة بالأعضاء الجنسيَّة ووظيفتها، وحيث أنّه تمّ التنويه إلى أنَّ النشاط الجنسي هو الذي يتأثَّر عند مرضى هذا الاضطراب، بينما الرغبات والاحتياجات تكون طبيعيَّة لديهم في غالب الأحيان، لكن ينبغي أيضًا الإشارة، إلى أنّ هنالك حالات متقدّمة الأعراض من مرضى هذا الاضطراب يعانون من اضطرابات في الوظائف الإدراكيَّة والمعرفيَّة والعاطفيَّة على صعيد الدماغ، وذلك يجعلهم يعانون من نوبات من الأوهام والهلاوس والكلام غير المفهوم والسلوك غير المنتظم، وتكون لديهم صعوبة في التعرُّف على أجسادهم بما فيها الأعضاء الجنسيَّة أيضًا، لذلك حتى لو كانت الرغبات والاحتياجات طبيعيَّة لديهم، لكنّ الأعراض السابقة ستترافق حتمًا مع صعوبات في الأداء الجنسي بالإضافة إلى التفاعل النفسي مع (الزوج/الزوجة)، وهذا ما يُسبِّب النقصان وعدم الرضى في العلاقة بين الطرفين.
غالبًا ما تظهر مشكلات مثل العجز الجنسي أو فرط النشاط الجنسي عند هؤلاء المرضى، وذلك ما يجعل المريض في حالة هيجان وقلق على علاقته مع (الزوج/الزوجة)، ويسعى بشكلٍ كبير لطلب المشورة الطبيَّة والتدخُّل النفسي السليم، وهذا يتجلَّى على نحوٍ أكبر في المجتمعات التي لديها حملات توعية نفسيَّة وجنسيَّة وإنجابيَّة دائمة، وهذا ما نحاول أن نقوم به في منصِّتنا هنا في مجتمعنا العربي، حيث إنَّ مستويات التوعية السابقة هنا تجعل (زوج/زوجة) المريض أو عائلته يضعون باعتباراتهم أهمِّيَّة التدخّل الفوري في حياة المريض، حتّى لو كانت الأعراض الشائعة كامنة والذي يتسيّد المشهد هو القلق المرضي على استدامة العلاقة الحميميَّة مع(الزوج/الزوجة).
في ثمانينات القرن الماضي، لُوحظ من الدارسين، أنَّ الأشخاص الذين يتمُّ تشخيصهم بأمراض عقليَّة كانوا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المنقولة بالجنس، بما في ذلك فيروس نقص المناعة المُكتسب، وهذا يُسقَط على الذهان أيضًا، حيث إنَّ نسبة من مرضى الذهان قد يُظهِرون حالات تهوّر وسلوكيَّات غير منضبطة جنسيًا خارج منظومة العلاقة الزوجيَّة، وهذا ما يجعلهم عرضة أكثر من غيرهم للأمراض التي تُصاحب هذه السلوكيات الجنسيَّة غير السويَّة.
العديد من الدراسات أظهرت أيضًا، أنَّ أكثر من ربع مرضى الذهان قد يواجهون تحيُّزًا سلبيًّا من المجتمع عند محاولة بناء علاقة عاطفيَّة سليمة، حيث إنَّ العزلة الاجتماعيَّة لديهم ومشاعر عدم الثقة بالنفس، تُقلِّل من اندماجهم مع الآخرين، وبالتالي تُقلِّل من فرص بناء علاقة عاطفيَّة صحيَّة لديهم، وبالنسبة لهم فهم يعانون من خوفٍ دائم من احتماليَّة الرفض العاطفي من (الزوج/الزوجة)، لذلك يتجنَّبون الإفصاح عن مشاعرهم وينسحبون لعزلةٍ طويلة مع الذات، وهنا يأتي الدور الفاعل للتوعية بالصحَّة الجنسيَّة والنفسيَّة لأصحاب هذه الأنواع من الاضطرابات، فمثلما يكون هدف الطبيب النفسي والمعالج السلوكي تحسين نظرة هؤلاء المرضى لذواتهم، يأتي دور التوعية المجتمعيَّة في استيعابهم واحتوائهم وعدم وصمهم والابتعاد عن التعامل السلبي معهم، كي يستطيعوا الاندماج في المجتمع، وبناء علاقات سويَّة، وبالتالي إدارة الاضطراب بطريقةٍ سليمة إلى جانب الدواء.
__________
*المراجع التي تمَّ الاعتماد عليها في إثراء المقال مُستمدَّة بشكل رئيس من المواقع الطبيَّة والعلميَّة الآتية:
www.healthline.com “Psychosis”
www.nimh.nih.gov “Understanding Psychosis”
www.ncbi.nlm.nih.gov “Psychosis as a Barrier to the Expression of Sexuality and Intimacy: An Environmental Risk?”
www.cambridge.org “Sexuality in psychosis: dysfunction, risk and mental capacity”
www.webmd.com “Psychosis and Psychotic Episodes”
www.rethink.org “Psychosis