بين المازوخيَّة والساديَّة في العلاقة الجنسيَّة
- ما معنى كل من الساديَّة والمازوخيَّة في العلاقة الجنسيَّة؟
- هل الساديَّة والمازوخيَّة في العلاقة الجنسيَّة سلوكٌ طبيعي أو اضطراب؟
- هل هناك أسباب واضحة للساديَّة والمازوخيَّة في العلاقة الجنسيَّة؟
- هل هناك علاج فعلي للساديَّة والمازوخيَّة؟
ما معنى كل من الساديَّة والمازوخيَّة في العلاقة الجنسيَّة؟
يمكن تعريف الساديَّة في العلاقة الجنسيَّة على أنّها ممارسات يُمكن أن تُسبِّب الضرر البدني أو النفسي أو الاثنين معًا للطرف الآخر، ولكن يترافق مع ذلك استثارة جنسيَّة والوصول للنشوة، وعلى النقيض من ذلك، فالمازوخيَّة في العلاقة الجنسيَّة هي ممارسات تتمثَّل بالإذلال والضرب والتقييد أو إساءة المعاملة ينتج عنها الشعور بالاستثارة الجنسيَّة والوصول للنشوة، والساديَّة والمازوخيَّة تأتيان بشكل مترافق في غالبيَّة الحالات، بمعنى أنَّ السادي يُمارس الساديَّة على (الزوج/ الزوجة) المازوخي، والعكس بالعكس أيضًا.
سنجيب في الفقرة المقبلة عمّا إذا كانت هذه الممارسات اضطرابًا نفسيًّا أم لا، لكن يجدر التنويه هنا، أنّ هنالك العديد من العلاقات الجنسيَّة تتمُّ فيها مثل هذه الممارسات بالاتِّفاق بين الطرفين دون الوصول لدرجة ضرر بدني أو نفسي، وذلك لأنَّ الطرفين متفقان وبينهما قاعدة فهم متوازنة، تكون هذه الممارسات على شكل استخدام مناديل من الحرير لمحاكاة الشعور بالعبوديَّة، والضرب على الأرداف خلال الممارسة الجنسيَّة، وهذه السلوكيَّات إذا مورست بالاتِّفاق فلا تُعتبَر اضطرابًا.
هل الساديَّة والمازوخيَّة في العلاقة الجنسيَّة سلوكٌ طبيعي أو اضطراب؟
متى يمكن أن نعتبر هذه السلوكياَّت اضطرابًا نفسيًّا وليست ممارسات عاديَّة ضمن العلاقة الحميمة؟ هذا السؤال هو الغرض الأساسي من كتابة هذا المقال، وللإجابة عن ذلك نقول إنّ الساديَّة الجنسيَّة كاضطراب نفسي يجب أن تنطوي على عدَّة عناصر وهي:
– القلق النفسي الشديد نتيجة هذه الممارسات بعد القيام وبها وعند الحرمان منها أيضًا، نتيجة عدم وجود (زوج/زوجة)مثلًا، أو أنّ (الزوج/الزوجة) غير متفهّم وغير متقبِّل لهذه السلوكيَّات، أو تقبّله لسلوكيات معيَّنة وعدم تقبّله للمتطرِّف منها.
– عدم القدرة على ردع الذات، ومحاولة اللحاق بالنشوة، حتى لو كانت على حساب ارتكاب ممارسات جنسيَّة متطرِّفة جدا من التي قد تُسبّب ضررًا جسديًّا ونفسيًّا (للزوج/ للزوجة)، كممارسات الخنق أثناء الجماع، والضرب بشكل مؤذٍ وغيرها.
– عدم انتظار موافقة (الزوج/ الزوجة) لممارسة هذه الأفعال الساديَّة، وإجباره عليها، فتأخذ العلاقة منحى الاغتصاب والجريمة، ولا تظلّ ضمن إطار العلاقة الجنسيَّة الصحيَّة، وهنا يتدخّل القانون.
– التفكير المستمرّ بالسلوكيَّات الساديَّة وتخيُّل ممارستها، وعدم القدرة على إيقاف هذه الخيالات، وتقاطعها مع الأنشطة اليوميَّة وتعطيلها.
من خلال هذه العناصر نجد أنّ الساديَّة تُصبِح اضطرابًا جنسيًّا إذا خرجت عن دائرة الاتِّفاق بين الشريكين، أو سبَّبت ضررًا جسديًّا ونفسيًّا ولم تَعد تُعطي لذة للشريك (بافتراض أنّه مازوخي أو يستمتع على الأقل بإرضاء الشريك السادي)، أي انحصار اللذة بالسادي فقط، أو التفكير المستمرّ بالممارسات الساديَّة وتقاطع ذلك وتأثيره مع الأنشطة اليوميَّة في العمل أو في الجامعة، أو جميع هذه العناصر، حيث إنَّ النتيجة النهائيَّة تصبّ في أنَّ الممارسات الساديَّة لم تعد تحت السيطرة العقليَّة أي “متى تبدأ ومتى تتوقّف وما هي حدودها؟”، وهنا يتحوَّل الموضوع لاضطراب نفسي خطير، ويجب أن يتمَّ التدخّل القانوني؛ أوَّلًا لحمايَّة الشريك من أيَّة اعتداءات أو مضاعفات، ومن ثمّ التدخُّل الطبِّي للسيطرة على سلوكيّات الطرف السادي.
لذلك ينبغي معرفة أنَّهُ ليس كل شخص لديه ميول ساديَّة في العلاقة الجنسيَّة هو مريض باضطراب الساديَّة الجنسيَّة بالضرورة، فهذا الحقل معقَّد جدًّا، ويصعب التفريق فيه بين الدوافع والغرائز وحدَّة الساديَّة بين الشخص الطبيعي الذي لديه ميول ساديَّة، وبين المريض باضطراب الساديَّة، لكن العناصر المذكورة سابقًا مناسبة جدًّا لمعرفة الفرق بطريقة مُبسَّطة للقارئ غير المتخصِّص، خصوصًا الذي لديه ميول معيَّنة أو رغبة بذلك ويخشى الإفصاح عنها خشية أن يُتَّهم بالمرض، ولكن لا ينبغي فهم ذلك على أنّه دعوة أو ترخيص لهذه الممارسات في العلاقة الحميمة، إذ تظلَّ العلاقة الحميميَّة الصحيَّة لها قداستها، وأيَّة سلوكيَّات تُقلّل من ذلك، تظلُّ منبوذة مجتمعيًّا حتى لو لم تكن مرضًا أو اضطرابًا.
وبالمثل، فإنَّه لكي نقول إنّ المازوخيَّة الجنسيَّة هي اضطراب نفسي يجب أن تنطوي على عدَّة عناصر هي:
– مشاعر القلق الشديد نتيجة القيام بهذه السلوكيَّات أو عند التفكير وتخيُّل القيام بها.
– عدم القدرة على إيقاف الرغبة بالخضوع لهذه الممارسات، حتى لو ألحقت أذى جسديًّا أو نفسيًّا وذلك على حساب الوصول للنشوة الجنسيَّة.
– تقاطع هذه الأفكار التي تُصبِح أشبه بالوساوس والأفكار الاستحواذيَّة مع الأنشطة اليوميَّة في بيئة العمل أو الجامعة أو المنزل.
– طلب هذه الممارسات من (الزوج/ الزوجة) واللجوء إلى علاقات خارج إطار العلاقة الزوجيَّة في حالة عدم موافقته، أو اللجوء لممارسات مازوخيَّة ذاتيَّة كأن يقوم بخنق نفسه بقطعة ملابس أثناء ممارسة الاستمناء، وهذه الممارسة شائعة عند أصحاب هذه الميول حيث إنَّ الاختناق المؤقَّت بهذه الحالة يزيد من التفريغ الجنسي من خلال تقليل كميَّة الأكسجين الواصلة للدماغ بشكلٍ مؤقَّت، لكن قد ينتج عن هذه الممارسة ضررًا كبيرًا بالدماغ أو حتَّى الموت.
هل هناك أسباب واضحة للساديَّة والمازوخيَّة في العلاقة الجنسيَّة؟
لا توجد أسباب علميَّة أو نظريَّات تفسِّر السلوكيات الساديَّة والمازوخيَّة إن كانت على شكل ميول مُسيطَر عليها ضمن العلاقة الحميمة أو على شكل اضطراب نفسي، لكن الدراسات تُشير إلى أنَّ بعض العوامل قد تُنتِج مثل هذه السلوكيات، فالعوامل النفسيَّة مثل التعرُّض لصدمة ما قد تلعب دورًا كبيرًا، فطبقًا للتحليل النفسي فإنَّ المازوخيَّة هي ردَّة فعل لصدمة حدثت سواء في مرحلة الطفولة أو المراهقة، بينما تكون الساديَّة هي الفعل الأساس، ومثال على ذلك أنَّ الطفل الذي تربَّى على يد أمٍّ لا تلبِّي احتياجاته ولا ترعاه على نحوٍ مناسب، فإنَّهُ قد يسعى للانتقام من جنس النساء عندما يكبر من خلال العلاقات الحميمة، وسيجد زوجة تعرّضت لصدمات مختلفة في حياتهم وكان من أشكال ردَّة فعلها تغيّر الميول الجنسيَّة إلى المازوخيَّة، والتلذُّذ بالخضوع كنوع من التفريغ النفسي.
هنالك عوامل ثقافيَّة أيضًا تتبنَّى فكرة أنَّ ثقافة الشخص قد تغيِّر من ميوله الجنسيَّة وممارساته، إضافة إلى أنَّ رأي الطبِّ النفسي في ذلك أنَّ غالبيَّة هذه السلوكيَّات تبدأ في الدماغ على شكل خيالات متكرِّرة ومُحفِّزة للقيام بها على أرض الواقع، أي أنَّها لا تبدأ على نحوٍ مفاجئ أو تتكوَّن رغبة مفاجئة بالسيطرة أو الخضوع.
هل هناك علاج فعلي للساديَّة والمازوخيَّة؟
العناصر المذكورة سابقًا في فقرة ” هل الساديَّة والمازوخيَّة في العلاقة الجنسيَّة سلوك طبيعي أو اضطراب؟ ” هي مفتاح التفريق بين الميول الساديَّة والمازوخيَّة المقبولة في العلاقة وبين اضطرابات الساديَّة والمازوخيَّة التي تحتاج لتدخّلٍ قانوني وطبي، بالطبع هنالك معايير أخرى يجب تطبيقها بالإضافة إلى خبرات الطبيب النفسي المُمارِس لوضع التشخيص المناسب.
ويجدر التنويه إلى أنَّهُ من النادر أن يأتي مرضى بهذا النوع من الاضطرابات إلى العيادة طلبًا للعلاج والمساعدة، وخصوصًا في حالة اضطراب الساديَّة الجنسي، فإنَّهُ في الغالبيَّة يُحوَّل المرضى من جهةٍ قضائيَّة أو تكون عليهم أحكام مسبقة نتيجة وصولهم للتطرُّف في مثل هذه السلوكيَّات، وارتكاب جرائم مثل الاغتصاب وغيرها ويكون مصيرهم السجن في النهاية، وللأسف الشديد تتفاقم خطورة سلوكيَّاتهم على المجتمع عند خروجهم من السجن.
طرق العلاج لهذه الاضطرابات ترتكز على العلاج النفسي والسلوكي الذي يهدف إلى تطوير مهارات ضبط الذات لمحاولة ردع الخيالات الجنسيَّة والأفكار غير المرغوب فيها، إن كانت أفكارًا ساديَّة أو مازوخيَّة، وفيما يأتي نقاط أخرى يشتغل عليها هذا النوع من العلاج:
– التدريب على مهارات التواصل الاجتماعي وتكوين علاقات صحيَّة، لأنّ المرضى بهذه الاضطرابات يكون لديهم عجز في تكوين علاقات اجتماعيَّة سليمة.
– التدخّل الدوائي باب كبير في ضبط التفكير الجنسي القهري، فقد تكون بعض مضادَّات الاكتئاب خيارًا جيِّدًا لتقليل الرغبة الجنسيَّة والتفكير بالجنس، لكن يجدر التأكيد إلى أنّ العلاج الدوائي وحدَه غير مُجدٍ.
– تعقيدات العلاج قد تكون نتيجة المضاعفات الجسديَّة المصاحبة للمضاعفات النفسيَّة لهذه الاضطرابات، فمثلًا بعض الممارسات الساديَّة المازوخيَّة قد تؤدِّي إلى الإصابة بالأمراض المنقولة بالجنس، بالإضافة إلى آلام شديدة، حالات من النزيف، لذلك فإنّ ضبط الأمر قضائيًّا والتفريق بين الممارسة كونها مُسيطَرًا عليها وبالاتِّفاق، أو أن تكاد تصل إلى مرتبة جريمة يأتي بالمقام الأول قبل بدء العلاج النفسي.