الحياة الزوجيَّة الجنسيَّة لدى مريض اضطراب الشخصيَّة النرجسي
أعراض مثل الشعور بالتعالي والعظمة التي تتغذَّى على الإعجاب الدائم من الآخرين والمديح هي الأعراض الرئيسة لهذا الاضطراب، تتجاوز هذه الأعراض الحدود الطبيعيَّة للثقة بالنفس، بل وتتعدّاها لتجعل من الآخرين مادّة للسخريَّة والتقليل من قدراتهم وإنجازاتهم، ولكن ما يجعل المريض يبادر إلى استشارة طبيب نفسي ليست الأعراض السابقة، بل أعراض القلق المستمرَّة والشعور بالضيق نتيجة التفكير الزائد في المحافظة على صورته أمام الآخرين لتكون مناط إعجاب مستمر، وتزداد حدَّة التفكير المستمرّ بالذات لتتقاطع مع أنشطة الحياة اليوميَّة والواجبات، ممَّا يجعلها بالطبع مُعطِّلة للحياة وتحتاج إلى تدخّلٍ طبّي مناسب.
الجدير بالذكر، أنَّ الطبيب لا يبذل مجهودًا كبيرًا لملاحظة هذه الأعراض من الجلسة الأولى مع المريض، فجميع إجابات المريض تكون بنكهة الشعور الدائم بالاستحقاق والكبرياء المرضيّ والثناء على نفسه واستجداء المديح.
هل هناك أسباب واضحة لاضطراب الشخصيَّة النرجسي؟
اضطراب الشخصيَّة النرجسي يتقاطع مع غيره من الاضطرابات النفسيَّة في الأسباب والتي تتمثَّل في الجينات أو الأسباب الوراثيَّة، بالإضافة إلى العوامل البيئيَّة، فمثلًا تؤثِّر علاقة الوالدين مع الطفل على تشكُّل حالته النفسيَّة مستقبلًا، فتعويده على الثناء المبالغ به وغير المتناسب مع إنجازه الفعلي أو على العكس تمامًا، تعريضه لكميَّة عالية من النقد، هذه كُلّها قد تؤثِّر على الجانب النفسي في شخصيته عندما يكبر وينخرط بالمجتمع والذي تختلف فيه معايير الثناء والنقد التي كانت عند الوالدين.
أمّا فيما يتعلَّق بالجينات والعوامل الوراثيَّة التي تؤثِّر على تكوّن الدماغ وتأثير ذلك على أنماط التفكير السائدة والنظرة للذات وللآخرين، فهي ليست واضحة حتى الآن حسب علماء الأعصاب والدماغ والأمراض العقليَّة.
الأعراض التي تظهر على المرضى بهذا الاضطراب
بالإضافة إلى الأعراض التي تمّ ذكرها آنفًا، هنالك أعراض أخرى تظهر على مرضى هذا الاضطراب، وسيتمّ الاستفاضة في الحديث عن الأعراض على النحو الآتي:
– الحاجة للإعجاب.
الحاجة المفرطة للثناء والإعجاب من قبل الآخرين تظهر بشكلٍ واضح في الجلسة الأولى مع مريض اضطراب الشخصيَّة النرجسي، فمنظوره وتقديره لذاته يتغذَّى على إعجاب الآخرين به ولا ينبع من داخله، وفي حالة غياب إعجاب الآخرين بالمريض فإنَّ نظرته لذاته تهتز، لذلك يكون نظره دائمًا على الطبيب أو المعالج النفسي أثناء الحديث ليراقب ما يفكِّر به اتجاهه وكيف يقيّمه.
هوس العظمة: هوس العظمة هو التقدير المبالغ به من قبل مريض هذا الاضطراب لأي إنجاز ينجزه، حتى لو كان صغيرًا أو غير ذات قيمة، ويترافق ذلك مع تقليله لإنجازات الآخرين والسخرية منها مهما كانت مهمَّة وكبيرة ولها أثر.
– وهم التفرُّد.
يراود المريض الشعور الدائم بالتفرُّد والتميّز من حيث المنجزات أو القدرات التي لا توجد عند الأقران، كالشعور بالذكاء اللامتناهي أو جمال المظهر العام، ويشعر بأنَّهُ يستحقّ تكوين علاقات مع أشخاص يمتلكون نفس هذه المقومات الاستثنائيَّة، وليس مع الأشخاص العاديِّين بنظره.
– الحساسيَّة تجاه نقد الآخرين.
تظهر على المريض الحساسيَّة المفرطة تجاه النقد، حتى لو كان نقدًا بنّاءًا هادفًا، حيث يستشعر الإهانة في كلمات الآخرين التي تحمل أي نقد، حتى لو كانت كلمات إيجابيَّة لا تحمل أيَّة نيَّة سيئة، وتكون ردَّة الفعل على شكل مشاعر غضب أو سخرية وازدراء أو حتى محاولة تقبُّل الوضع على نحوٍ ظاهر كي يحافظ على الصورة العامَّة له أمام الآخر.
الحياة الجنسيَّة لمريض اضطراب الشخصيَّة النرجسي
إنَّ تأثير اضطراب الشخصيَّة النرجسي على العلاقة الجنسيَّة مع (الزوج/ الزوجة)كبير إلى حدٍّ ما، حيث إنّ التأثير يكون بسبب تعظيم الذات أمام (الزوج/الزوجة) وتضخيم القدرة الجنسيَّة أو الاستحقاق الدائم لممارسة العلاقة في أي وقت، وهذا يؤثِّر على نحوٍ سلبي في العلاقة الجنسيَّة، حيث يُظهِر المريض نقصًا في التعاطف وتعامل شبه آلي مع زوجه/ زوجته.
يرى الأطبَّاء النفسيُّون أنّ مرضى هذا الاضطراب يحاولون التأثير على (الزوج/الزوجة) بالمال أو السلطة للحصول على العلاقة في أي وقت، بالإضافة إلى شعورهم باستحقاق الجنس من آخرين خارج منظومة الزواج، بالإضافة إلى أنّهم لا يُظهرون الإحساس بالمسؤوليَّة تجاه (الزوج/الزوجة) ولا يستطيعون بناء علاقة عاطفيَّة مستقرَّة لأمدٍ طويل، وغالبًا ما يحتاجون إلى الثناء والمديح لقدراتهم الجنسيَّة وبراعتهم في السرير ولا يهتمُّون أبدًا فيما إذا كانت طريقتهم في التعامل مع (الزوج/الزوجة) في العلاقة الحميمة مؤذية أو مؤلمة أو ليست ذات جانب إنساني.
كيف يمكن أن تعرف أن (الزوج/الزوجة) يعاني من النرجسيَّة؟
غالبًا ما تظهر سمات عديدة على الطرف الذي يعاني من بوادر نرجسيَّة. يُمكن أن تستكشف ذلك إذا لاحظت عليه مجموعة من السمات الآتية:
– الشعور أنَّ دورك الأساسي في العلاقة هو إشباع رغباته الجنسيَّة، وأنَّ رغباتك ليست في قائمة أولوياته.
– الإحساس أنَّهُ متميِّز ومهتمّ بك في السرير فقط في الجزئيّات التي يشبع بها رغباته دون الاهتمام بما يتعلَّق برغباتك.
– الشعور أنّهُ مهتمّ بمتعتك الجنسيَّة وما يثيرك فقط من أجل أن يحصل على المديح والثناء منك. وتشعره أنّهُ بطل في هذا المضمار.
– يمارس عليك الانتقادات الجنسيَّة الدائمة ويصف سلوكك الجنسي بالضعف وعدم القدرة على المجاراة، حتى لو كان هذا غير حقيقي.
– الميل الدائم إلى البحث عن علاقة جنسيَّة أُخرى وتكرار الخيانة وعدم شعوره بالندم على ذلك. فهو بنظره يستحقّ دائمًا الأفضل دون التفكير بضرر ذلك وأذيّته عليك.
على ماذا يعتمد الطبيب النفسي في تشخيص هذا الاضطراب؟
يستند الطبيب النفسي على المعايير الموضوعة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسيَّة بنسخته الخامسة والمعمول بها حاليًّا. ويشترط الطبيب الملاحظة على المريض خمسة أعراض من الأعراض الآتية كحدٍّ أدنى ليتمّ تشخيصه بهذا الاضطراب. ولكن هنالك شرطان رئيسان وهو أن تكون الأعراض قد بدأت بعد البلوغ. وأن تصحب الأعراض مشاعر القلق وانعدام الراحة التي تؤثّر سلبًا على نشاطاته اليوميَّة:
– الشعور المبالغ بمركزيته وأهمّيته دون الآخرين.
– الرغبة الدائمة في التقليل من قيمة الآخرين.
– الحاجة الدائمة إلى إعجاب الآخرين والثناء عليه.
– الشعور بأنَّهُ متميّز أو متفوِّق على الأقران أو أنّ لديه سمات غير موجودة لدى الآخرين كالذكاء الفائق. وجمال المظهر، والقوّة البدنيَّة.
– الحديث الدائم عن إنجازاته وتضخيمها، حتى لو كانت غير ذات قيمة أو ذات قيمة محدودة.
– الافتقار للتعاطف مع الآخرين.
– العجرفة والغطرسة وتجاوز المستويات الطبيعيَّة من الثقة بالنفس.
– التفكير الدائم بما يملكه الآخرين والشعور بالحسد تجاههم، وأنَّهُ أكثر استحقاقًا منهم لما يملكونه.
هل هناك علاج لاضطراب الشخصيَّة النرجسي؟
إنَّ طرق العلاج لهذا الاضطراب تتشابه مع العديد من الاضطرابات النفسيَّة الأخرى والتي تمَّ تناولها في المقالات السابقة. وفيما يأتي مجموعة من النقاط التي تُسلّط الضوء بشكل كافٍ على طرق العلاج المختلفة:
– المعالجة النفسيَّة (العلاج بالكلام) والتي تُركِّز على الصراعات ودواخل المريض. وذلك لفهم تفكيره وحالته الذهنيَّة والأسباب الكامنة وراء أعراض الاضطراب التي تظهر عليه.
– تعليم المريض كيفيَّة التواصل مع الآخرين على نحو أكثر إيجابيَّة ومحاولة إفهامه مدى أهميَّة العلاقات الحسنة مع الأقارب والأصدقاء في خطَّة العلاج.
– تعريف المريض بقدراته ومهاراته على نحوٍ واقعي وتعليمه تقبّلها مهما كانت متوسِّطة أو ضعيفة. وأنَّ الفشل والنقد أشياء قد يتعرَّض لها وهي أمور طبيعيَّة تحدث مع الجميع.
– تعريف المريض على أهميَّة الجانب الشعوري والإنساني في العلاقة مع الآخرين، وخصوصًا في حالة وجود (زوج/زوجة).
– تعليم المريض التركيز على أهداف واقعيَّة تتناسب والقدرات الفعليَّة للمريض وتقبُّل ذلك.
– المعالجات السلوكيَّة قد تكون ذات أثرٍ سلبي على المريض. وذلك لأنّها تعتمد على أنشطة معيَّنة بين المريض والمعالج تهدف لتعديل سلوك سلبي مثلًا. وإذا نفّذ المريض النشاط فهنا يكون دور المعالج في الثناء عليه، لكن في مثل هذا الاضطراب الثناء والمديح هي من محفّزات ظهور الأنا على الساحة والاستمرار بتفاخر الذات. لذلك فإنّ المعالجات السلوكيَّة ليست مستخدمة على نحوٍ دائم.
– المعالجة الدوائيَّة لا تفيد في علاج مثل هذا النوع من الاضطرابات، إلّا الأدويَّة المهدِّئة ومضادَّات الاكتئاب في حالة ترافق الاضطراب مع حالات قلق واكتئاب لا يتم السيطرة عليها بالمعالجة النفسيَّة “الكلاميَّة”.