حقوق الطفل ومكافحة التحرُّش الجنسي؛ دور العائلة والمجتمع
يُعَدُّ التحرُّش الجنسي في الأسرة من المشكلات الخطيرة التي يمكن أن تواجه الأطفال. قد يحدث التحرُّش الجنسي بواسطة أقارب مثل الأخوة، الآباء، الأجداد أو الأخوات، وعليه يجب أن يتعلَّم الأطفال حدود الجميع تجاههم في هذا الصدد.
ويُعرَّف التحرُّش الجنسي بأنَّه أي مبادرة جنسيَّة غير مرغوب فيها أو طلب خدمة جنسيَّة، أو فعل لفظي أو جسدي أو إيماءة ذات طابع جنسي يتوقَّع أو يُتَصَوَّر أنه سيتسبِّب في شعور الشخص الآخر بالإهانة والإذلال.
من الضروري جدًا أن نفهم أنَّ التحرُّش الجنسي ليس غلطة يمكن تبريرها. إنه اختيار متعمَّد يتَّخذه المتحرِّش، بغض النظر عن ملابس الشخص المتعرِّض للتحرُّش أو سلوكيَّاته. ولذا، يجب أن نكون واضحين في أنَّ الشخص الذي يتعرَّض للتحرُّش أو الاعتداء ليس مسؤولًا عن هذا السلوك بأيِّ شكلٍ من الأشكال.
ما هي آثار التحرُّش الجنسي ؟
تُؤَثِّر جرائم التحرُّش الجنسي على الأشخاص بشكل كبير. ووفقًا لمنظَّمة الصحَّة العالميَّة، فإنها تسبِّب مشاكل جسديَّة ونفسيَّة وجنسيَّة وصحيَّة إنجابيَّة للضحايا وأطفالهم، وتترتَّب عليها آثار مدمِّرة قصيرة وطويلة الأمد. فقد تتضمَّن الآثار الصحيَّة الصداع وآلام الظهر وآلام البطن والألم الليفي العضلي والاضطرابات المعديَّة المعويَّة ونقص القدرة على التحرُّك وتدهور الحالة الصحيَّة بشكل عام، واضطرابات النوم، وفقدان الوزن أو زيادته، والتعب المزمن، وتغيُّرات المزاج، والقلق، والاكتئاب، وفقدان الثقة بالنفس، وإيذاء النفس وصولاً للانتحار، والشعور بعدم الراحة الجنسيَّة.
أين يحدث التحرُّش ؟
يمكن أن يحدث التحرُّش الجنسي أو أي شكل من أشكال العنف الجنسي والاستغلال الجنسي في مجموعة متنوِّعة من المواقع. فقد يحدث في الأماكن العامَّة والخاصَّة، ممَّا يشمل الشوارع، وأماكن العمل، ووسائل النقل العامَّة، والمدارس والجامعات، والمطاعم، والأسواق التجاريَّة، وحتى داخل المنازل. ولا يتوقَّف الأمر هنا، بل يمكن أن يحدث التحرُّش حتى في صحبة الآخرين، سواء كانوا من العائلة، أو الأقارب، أو الزملاء. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يحدث التحرُّش عبر الإنترنت وفي سياق الاتِّصالات الرقميَّة.
التحرُّش عبر الإنترنت
يمكن أن يحدث التحرُّش الجنسي عبر الإنترنت بشكل خاص، حيث يتمّ استغلال التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي لارتكاب أعمال مسيئة وإيذاء الآخرين. يعدُّ الانترنت بيئة محفِّزة للتحرُّش الجنسي، حيث يتعرَّض الأشخاص للابتزاز والتهديد بنشر صور أو فيديوهات خاصَّة بهم بطرق غير قانونيَّة وغير لائقة.
الأطفال يعتبرون أحد أكثر فئات المجتمع عرضة لهذا النوع من التحرُّش الجنسي عبر الإنترنت. فالمراهقون والأطفال الصغار قد يتعرَّضون لمشاهدات غير لائقة عبر الإنترنت، حيث يتمّ إرسال صور وفيديوهات جنسيَّة لهم دون موافقتهم أو تعريضهم للابتزاز لإجبارهم على تقديم صور خاصَّة لهم.
هذه الأعمال الشنيعة تسبِّب آثارًا نفسيَّة وعاطفيَّة سلبيَّة على الأطفال، وتنتهك خصوصيتهم وكرامتهم. لذا، من الضروري تعزيز وعي الأطفال وتثقيفهم حول أخطار التحرُّش الجنسي عبر الإنترنت وتعليمهم كيفيَّة الحماية منها. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على الأهل والمربين أن يكونوا على دراية بسلوكيَّات الأطفال عبر الإنترنت والتواصل معهم لمساعدتهم ودعمهم في التعامل مع هذه المواقف الصعبة.
للتصدِّي لهذه المشكلة وحماية الأطفال من الاستغلال الجنسي عبر الإنترنت، يمكن اتِّخاذ الخطوات التالية:
التثقيف والوعي:
ينبغي تعليم الأطفال عن خطر التحرُّش الجنسي الإلكتروني وتوعيتهم حول السلوكيات التي يجب تجنّبها على الإنترنت. يمكن تعزيز الوعي من خلال المحادثات الدوريَّة مع الأطفال حول الأخطار والاحتياطات الأمنيَّة عبر الإنترنت.
تعزيز الحماية الشخصيَّة:
يجب تعليم الأطفال كيفيَّة حماية أنفسهم عبر الإنترنت. يمكن تعزيز الحماية الشخصيَّة من خلال عدَّة إجراءات، مثل استخدام كلمات مرور قويَّة وعدم مشاركة معلومات شخصيَّة حسَّاسة مع الغرباء.
التحكُّم في الخصوصيَّة:
ينبغي تعليم الأطفال كيفيَّة ضبط إعدادات الخصوصيَّة على منصَّات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الدردشة، للحدّ من انتشار المعلومات الشخصيَّة، وتجنُّب التحرُّش الجنسي.
الإبلاغ عن الحالات المشبوهة:
يجب تشجيع الأطفال على الإبلاغ عن أي رسائل أو محادثات مشبوهة أو مواقع إلكترونيَّة غير لائقة. يجب تعليمهم كيفيَّة التعامل مع هذه الحالات والإبلاغ إلى الشخص المسؤول أو الجهات الأمنيَّة.
التعاون مع الأهل والمدرسة:
ينبغي تعزيز التعاون بين الأهل والمدرسة لحماية الأطفال من الاستغلال الجنسي. يمكن توفير برامج تثقيفيَّة في المدارس، وتشجيع المشاركة النشطة لأولياء الأمور في رصد أي تغييرات في سلوك الأطفال وتقديم الدعم اللازم.
الاستخدام السليم للتكنولوجيا:
يجب تعليم الأطفال عن الاستخدام السليم للتكنولوجيا وضرورة القيام بأنشطة إيجابيَّة ومناسبة على الإنترنت. يمكن توفير بيئة آمنة ومراقبة للاستخدام الإلكتروني الصحيح.
تلك هي بعض الإجراءات التي يمكن اتخاذها للحماية من التحرُّش الجنسي الإلكتروني وحماية الأطفال من الاستغلال الجنسي. ينبغي أن يكون للجميع الدور في توعية الآخرين حول هذه القضيَّة والعمل سويًّا للحدّ منها.
لذا، ينبغي أن نكون مدركين لحقيقة أنَّ التحرُّش الجنسي يمكن أن يحدث في أي مكان وفي أي زمان.
كيف يمكنني التعرُّف على تعرُّض ابني/ابنتي للتحرُّش الجنسي؟
هناك عدَّة علامات يمكن أن تشير إلى تعرُّض الطفل للتحرُّش الجنسي، ومنها:
الخوف من شخص أو مكان معيَّن: قد يظهر عند الطفل الخوف المفاجئ أو القلق الشديد تجاه شخص محدَّد أو موقف معيَّن، وقد يكون ذلك نتيجة تعرّضه لتحرُّش جنسي في تلك الحالات.
اضطرابات النوم والأكل والتغيُّرات في التعامل والسلوك: يمكن أن يلاحظ الآباء والمربّون تغيُّرات في نمط نوم الطفل، مثل الأرق المستمر أو الكوابيس المتكرِّرة. كما يمكن أن تظهر تغيُّرات في الشهيَّة ونمط التغذية، إضافة إلى تغيُّرات في سلوك الطفل وتعامله مع الآخرين.
الإصابة بالتهابات أو حكَّة في المناطق التناسليَّة: قد يشتكي الطفل من التهابات متكرِّرة في المناطق التناسليَّة، أو يلاحظ وجود حكَّة أو احمرار غير مبرَّر في تلك المناطق. قد تكون هذه علامات على تعرّضه لاعتداءات جنسيَّة.
ظهور طفح جلدي على جسم الطفل: قد يلاحظ الآباء ظهور طفح جلدي غير مفسَّر على جسم الطفل، وقد يكون ذلك نتيجة لتعرّضه للتحرُّش الجنسي والاعتداءات المستمرَّة.
تعلُّق الطفل ببعض الأمور الجنسيَّة: قد يلاحظ الآباء أنَّ الطفل يبدأ في رسم بعض الرسومات ذات طابع جنسي غير مناسب لعمره، أو يقوم ببعض الحركات غير المعتادة والتي تشير إلى تعرّضه لمحتوى جنسي غير لائق.
عدم رغبة الطفل في الكشف عن جسده: قد يظهر عدم رغبة الطفل في الكشف عن جسده أمام الآخرين أو القلق من مشاركة أي تفاصيل جسديَّة خاصَّة به، وقد يكون ذلك نتيجة تعرّضه للتحرُّش الجنسي.
ظهور بعض الأعراض الغريبة على الطفل: قد يلاحظ الآباء ظهور أعراض غير مبرَّرة على الطفل، مثل آلام بطنيَّة متكرِّرة، أو تغيُّرات في الحالة النفسيَّة والعاطفيَّة، مثل التوتُّر المستمرّ أو الاكتئاب.
الشعور بالخوف وعدم القدرة على النوم براحة: قد يشعر الطفل بالخوف الشديد وعدم القدرة على النوم براحة، وقد يعاني من كوابيس متكرِّرة تشير إلى تجربة مزعجة.
من المهم أن يكون للأهل والمربين الوعي بتلك العلامات والاستماع الجيِّد إلى الأطفال، وفي حالة وجود أي شكوك أو ملاحظات تدلُّ على تعرُّض الطفل للتحرُّش الجنسي، ينبغي التحدُّث معه بشكل مفتوح وداعم، والتواصل مع الجهات المختصَّة للحصول على المساعدة والدعم المناسب.
عند وقوع حالات التحرُّش الجنسي على الأطفال، هناك خطوات يجب على الآباء اتّباعها بعناية وتدقيق. فلنلقِ نظرة على هذه الخطوات:
الفحص الطبي:
يجب فحص الضحيَّة طبيًّا للتأكُّد من سلامته البدنيَّة ومن عدم وجود التهابات أو إصابات أخرى، ومعالجتها إن وجدت في أقرب وقت ممكن.
الدعم النفسي:
ينبغي توفير الدعم النفسي للضحيَّة من خلال توجيهه للتحدُّث مع أخصائي نفسي أو معالج نفسي. يمكن لهذا المساندة النفسيَّة أن تساعد الضحيَّة على تجاوز الأزمة والتأقلم مع التحرُّش الذي تعرَّض له.
الفحص والدعم للفتاة المتعرِّضة للاعتداء:
يجب فحص الفتاة التي تعرَّضت للاعتداء للتأكُّد من سلامتها الجنسيَّة ومساعدتها على تجاوز الأزمة الاجتماعيَّة التي تتعلَّق في التحضير للزواج بالمستقبل بشكل طبيعي. يجب أن يكون هذا الدعم مبنيًّا على احترام خصوصيَّة وإرادة الفتاة.
تجنُّب الاستهزاء والانتقاص:
يجب تجنُّب الاستهزاء وإطلاق الألقاب والصفات السلبيَّة على الشخص المتعرِّض للتحرُّش، حيث يمكن أن تؤثِّر تلك الألفاظ السلبيَّة على تدهور حالته النفسيَّة.
الاستماع والتواصل:
ينبغي مساعدة الضحيَّة على التعبير عن ما حدث لها والاستماع لها بصبر وتفهُّم. وتوفير بيئة آمنة تشجِّعها على التحدُّث بحريَّة وتوفير الدعم العاطفي لها.
عدم التشهير:
يجب تجنُّب التشهير بالشخص المتعرِّض للتحرُّش والابتعاد عن نشر الأحداث بشكل عام. حيث يمكن أن يزيد ذلك من الأذى النفسي والاجتماعي الذي يتعرَّض له الضحيَّة.
العلاج العقلي والمنطقي:
ينبغي التعامل مع الموقف بحكمة ورويَّة. وتجنُّب التفاعلات العاطفيَّة السريعة. ويفضَّل التعامل مع الأبناء الذين تعرَّضوا للتحرش بشكل منطقي وبمساعدة مختصّين في المجال.
توفير الأنشطة المنوّعة:
يجب توفير نشاطات مختلفة للطفل المتعرِّض للتحرُّش بهدف تشغيل وتشتيت انتباهه وتجنيبه التفكير المستمرّ في الحادث.
الوقاية من الأمراض النفسيَّة:
ينبغي حماية الطفل من الاكتئاب والخوف والوسواس والكراهية للحياة وغيرها من الأمراض النفسيَّة. وذلك من خلال تخفيف الصدمة وتقديم الدعم النفسي والعاطفي اللازم له.
تقييم صحَّة الادِّعاءات:
يجب التحقُّق من صحَّة الادِّعاءات التي يقدِّمها الطفل. حيث قد يتسبِّب خياله الواسع في تضخيم الأحداث، ويجب أخذ ذلك في الاعتبار أثناء التعامل مع الموقف.
تغيير مكان السكن:
في حالة الإمكان. يمكن دراسة تغيير مكان سكن العائلة بهدف تجنُّب الأقاويل وحماية الطفل من الصراعات النفسيَّة الناتجة عن تلك الأقاويل.
تدريب التقنيات التأمُّليَّة:
ينبغي تدريب الطفل على ممارسة تقنيات الاسترخاء وتمارين التنفُّس للتخلُّص من التوتُّر الذي يمكن أن يعاني منه بسبب التحرُّش.
العقاب القانوني:
يجب معاقبة المعتدي بشكل قانوني لمنع تكرار مثل هذا السلوك المشين وحماية الأطفال الآخرين من التعرُّض للتحرُّش الجنسي.
يجب أن تعمل العائلات والمجتمعات معًا للوقاية من التحرُّش الجنسي والحدّ من انتشاره. يمكن للآباء والمربين أن يلعبوا دورًا حاسمًا في توعية الأطفال وتعليمهم حقوقهم وحدودهم الشخصيَّة. يمكن أن تشمل الإجراءات الوقائيَّة تعزيز الثقة بين الآباء والأطفال وتعزيز الاتِّصال العاطفي. وفهم التعبيرات الجسديَّة والكلاميَّة التي يمكن أن تشير إلى التحرُّش.
وفي النهاية، يجب أن يقدِّم المجتمع دعمًا للضحايا وتوفير المساعدة اللازمة لهم للتعافي من التحرُّش الجنسي. ينبغي أن تكون هناك منافذ آمنة للإبلاغ عن الحوادث والاعتداءات، وتوفير الدعم العاطفي والنفسي والقانوني للضحايا.
تذكَّر دائمًا أنَّ الأطفال يجب أن يشعروا بالأمان والحماية داخل الأسرة. ويجب على الجميع العمل معًا لمنع ومكافحة التحرُّش الجنسي وضمان سلامتهم.