هل متلازمة القلب المكسور وصف لحالة طبيَّة أم خرافة سينمائيَّة؟
- ما هي أسباب هذه المتلازمة وماذا يحدث على مستوى القلب؟
- كيف يتم تشخيص متلازمة القلب المكسور؟
- العلاجات ذات الأساس العلمي المتاحة لهذه المتلازمة
- التحسّن بعد العلاج
هل متلازمة القلب المكسور وصف لحالة طبيَّة أم خرافة سينمائيَّة؟
متلازمة القلب المكسور هو وصف لحالة طبيَّة حقيقيَّة، وليست مجرَّد دراما أو خرافة سينمائيَّة، وتحدث نتيجة تجربة عاطفيَّة قويَّة أو صدمة نفسيَّة تؤدِّي إلى ضعف في عضلة القلب وأعراض مشابهة للنوبة القلبيَّة. في ثمانينيَّات القرن الماضي، تمَّ وصف هذه الحالة في اليابان لأوَّل مرَّة، وتشمل أسبابها فقدان شخص عزيز، أو انفصال عاطفي، أو أي حدث مؤلم جدًّا على المستوى النفسي.
تتمثَّل أعراض هذه المتلازمة بألم في الصدر بالترافق مع ضيق تنفُّس ورفرفة بالقلب، وهي ذاتها أعراض النوبة القلبيَّة، لكن الفرق هنا أنَّ أعراض النوبة القلبيَّة، تحدث نتيجة انسداد في الشرايين التاجيَّة، أمَّا متلازمة القلب المكسور، فتكون الأعراض نتيجة استجابة عاطفيَّة للتجربة النفسيَّة القويَّة.
الأعراض الفيزيولوجيَّة على مستوى عضلة القلب تتحسَّن وحدها دون حاجة لتدخُّلٍ طبِّي في غالبيَّة الحالات، لكن الأعراض النفسيَّة المرافقة للحالة تتطلَّب تدخّلًا نفسيًّا للتعامل مع التجارب العاطفيَّة المسبِّبة للحالة.
ما هي أسباب هذه المتلازمة وماذا يحدث على مستوى القلب؟
تمَّت الإشارة إلى أنَّ فقدان شخص عزيز، أو انفصاله العاطفي، أو أي حدث مؤلم هي أسباب أعراض متلازمة القلب المكسور، والتي تؤثِّر على وظيفة القلب في ضخِّ الدم، لكن لا يزال السبب الرئيس لحدوث هذه الحالة غير معروف، ويُعتقَد أنَّ العوامل النفسيَّة والهرمونيَّة والوعائيَّة تلعب دورًا في ذلك.
تؤدِّي الصدمة النفسيَّة إلى اضطراب وضعف في عضلة القلب حيث تفقد العضلة شيئًا من قوّتها وقدرتها على ضخِّ الدمّ بشكل فعَّال، ويتبع ذلك تغييرًا مؤقّتًا في شكل القلب، وكون أوَّل حالة اكتشفت في اليابان فإنَّ وصف القلب في هذه الحالة سُمِّي “التاكوتسوبو” وهي كلمة يابانيَّة تعني الوعاء، أي أنَّ القلب يأخذ شكل وعاء، وهذا يظهر عند تصوير القلب بالأشعة السينيَّة، أو بالموجات فوق الصوتيَّة.
الصدمة النفسيَّة أيضًا تحفِّز الجسم على إفراز مواد كيميائيَّة مثل الأدرينالين والكورتيزول نتيجة للصدمة النفسيَّة، وينجم عن ذلك تغيُّرات في وظيفة الأوعية الدمويَّة مثل التضيُّق والانقباض وهذا بدوره يُقلِّل من معدَّلات تدفُّق الدم لجميع أعضاء الجسم وللقلب نفسه، فكما أنَّ القلب يُغذِّي أعضاء الجسم بالدم، فهو أيضًا مسؤول عن تغذية نفسه.
تكون نتيجة هذه التغيُّرات هي الأعراض التي ذكرناها سابقًا مثل؛ ألمٍ في الصدر، وضيق تنفُّس، والشعور بالوهن العامّ.
كيف يتم تشخيص متلازمة القلب المكسور؟
تشخيص متلازمة القلب المكسور يتطلَّب عدَّة خطوات تساعد الطبيب كي يميّز بينها وبين أي اعتلال قلبي آخر، فيبدأ الطبيب بتقييم الحالة وأخذ السيرة المرضيَّة التي تشمل ذكر الأعراض، ومتى بدأت، وكم استمرَّت، وهل حدثت قبل ذلك، وما هي التجارب النفسيَّة السيئة التي مرّ بها المريض عند حدوث الأعراض.
يقوم الطبيب بعد ذلك بإجراء فحص بدني يستخدم فيه السمَّاعة للكشف عن أيَّة أصوات غير طبيعيَّة في النبض، ثم يطلب تخطيطًا لكهربائيَّة القلب، وهنالك مجموعة من التغييرات يستطيع الطبيب قراءتها وتمييزها في المخطَّط للوصول للتشخيص السليم.
يمكن أن يقوم الطبيب بطلب تصوير بالأشعة المقطعيَّة أو بالرنين المغناطيسي من أجل الحصول على صور مفصَّلة للقلب والأوعية الدمويَّة المحيطة به (الشرايين التاجيَّة خصوصا)، ويمكن أيضًا طلب مجموعة من اختبارات الدم وإنزيمات القلب والبروتينات المرتبطة بالقلب، بحيث إنَّ هذه الصور والاختبارات تساعده في استبعاد أيَّة أمراض أخرى مثل النوبة القلبيَّة.
الآثار السلبيَّة لمتلازمة القلب المكسور على الحياة الجنسيَّة
قد تؤثِّر هذه المتلازمة على الحياة الجنسيَّة؛ وذلك نتيجة تأثير الحدث العاطفي المؤلم، والتوتُّر النفسي المرافق لذلك، وقد تظهر الأعراض على شكل انخفاض في الرغبة الجنسيَّة، وعدم الاستجابة للمحفِّزات الجنسيَّة أثناء العلاقة الحميمة كما الحال سابقًا، بالإضافة إلى حالات من ضعف الأداء الجنسي نتيجة التوتُّر والقلق الناجمين عن هذه المتلازمة، بالإضافة إلى تشتُّت الانتباه نتيجة التفكير المستمرّ في الحدث العاطفي وتأثيره على تركيز الشخص واندماجه في العمليَّة الجنسيَّة، وهذه كلّها قد تكون من ممهِّدات تدهور العلاقة الزوجيَّة في النهاية.
لكن هل يمكن تدارك الأمر قبل كلّ ذلك؟
بالطبع يمكن أن تكون الاستشارة النفسيَّة من مقدِّم الرعاية النفسيَّة لمثل هذه الحالات شرارة تجنِّبنا كل ما سبق. حيث إنَّ فهم الآثار النفسيَّة من قِبل (الزوج/الزوجة) مثل الاكتئاب، والقلق، والتوتُّر النفسي. وتأثير ذلك على الرغبة الجنسيَّة والأداء الجنسي عمومًا يفتح بابًا للحوار. وهذا يساهم في تحسين التواصل بين الزوجين، وتعزيز التفاهم والدعم المتبادل.
من الممكن أن نأخذ مثالًا عن امرأة تعاني من فقدان الزوج نتيجة وفاة مفاجئة. أو انفصال عاطفي مؤلم. ومدى انعكاس ذلك سلبًا على حياتها العاطفيَّة والجنسيَّة مستقبلًا. فالأعراض سابقة الذكر مثل؛ انخفاض الرغبة الجنسيَّة، وانعدام التركيز مع الزوج المستقبلي. ومشاعر القلق والتوتر الدائمين. وقلَّة الثقة بالذات. كلّها قد تكون أسبابًا لفشل الارتباط الجديد، ووظيفة مقدِّم الرعاية النفسيَّة هنا هو توجيه هذه المرأة إلى العلاقة الوطيدة بين الأعراض الحاليَّة وتجربتها السابقة، فيمكن أن تكون المريضة ذاتها غير مدركة لهذه العلاقة نتيجة مرور فترة طويلة. والادِّعاء أنَّ شخصيّتها قد تغيَّرت وما إلى ذلك. لكن السيرة المرضيَّة الاجتماعيَّة وتفاصيل العلاقة السابقة أمور ذات أولويَّة في فهم حالة هذه المرأة وإفهامها ذلك.
العلاجات ذات الأساس العلمي المتاحة لهذه المتلازمة
علاجات هذا النوع من الحالات النفسيَّة التي يُشار إليها في الغالب على أنَّها مبالغة في الانفعال العاطفي أو دراما زائدة، خصوصًا من الوسط المحيط بالمريض كالأقرباء والأصدقاء. إلّا أنّ المقياس الحقيقي لكونها حالة مرضيَّة حقيقيَّة من عدمه هو ما يعانيه المريض. وما ينعكس سلبًا على حالته النفسيَّة الجسديَّة والاجتماعيَّة.
الدعم النفسي
إنَّ الدعم النفسي من خلال التحدّث مع مختصي الرعاية النفسيَّة حول جذور القصَّة العاطفيَّة التي خلّفت هذا الدمار أمر مفيد جدا ولا يُمكن الاستهانة به. فهو ليس مجرَّد قضاء وقت وإهدار مال كما يُسوّق له. وهذا يشترط أن يكون الطبيب النفسي أو مقدّم الرعاية النفسيَّة لديه اعتقاد قوي بمدى شدَّة الآثار السلبيَّة لأعراض المريض وذلك حتى يستطيع أن يساعده. فكثير من الأطبَّاء النفسيِّين يتعاملون مع هذه الحالات على أنّها مراهقة متأخِّرة مقارنة بالحالات الشديدة التي يعالجونها مثل الفصام، والانفصام، وحالات الذهان.
لكن الفيصل هنا والسديد في الرأي. أنَّ مثل هذه الأمراض قد تكون أخطر من الحالات الشديدة آنفة الذكر. كونها تخلق إنسانًا ظاهريًّا بحالة جيِّدة، وفيه كل الإمكانيات التي تجعله قادرًا على العمل والتفاعل الاجتماعي مع الآخرين. ولكن من الداخل هو لا يستطيع أن يقوم بأي من هذه الأمور. كونه معطّلًا على نحو تامّ، أو شبه تامّ كحدٍّ أدنى.
العلاج الإدراكي والسلوكي وجلسات التأمُّل والاسترخاء مفيدة أيضًا حينما تكون ضمن خطَّة علاجيَّة كاملة ومستمرَّة مع أخصَّائي لديه دراية جيِّدة بالتعامل مع هذه الحالات؛ حالات السهل الممتنع في الطبِّ النفسي.
الدعم الاجتماعي
الدعم الاجتماعي من الأصدقاء والعائلة عامل مهمّ أيضًا في تسريع وتيرة تحسين الأعراض. فينبغي على المريض أن يُحاط ببيئة حاضنة، وألا يُشعره من حوله أنّه يُبالِغ في حزنه على الفقد العاطفي.
نمط صحي
الشروع بنمط حياة صحّي أمر مساعد. فالنيَّة في طي الماضي والبدء بحياة عمادها الاستيقاظ باكرًا والابتعاد عن المنبّهات والكحوليّات واستبدالها بتمارين رياضيَّة. يُساعد المريض على تغيير زاوية رؤيته لوضعه الراهن. ويجعله أكثر قدرة على التجاوز. فهذه جميعها سلوكيَّات تُسرِّع من وتيرة التجاوز والقفز للضفَّة الأخرى. لأنَّ الوقت سيمضي والزمن كفيل بالتئام أنواع كثيرة من الجروح وتجبير كسور عديدة في جسد العاطفة. لكن الهدف من العلاج هو تسريع الأمر أولًا، وتقليل الخسائر التي يُمكن أن يتكبّدها المريض. نتيجة فقدان اتصاله الاجتماعي والوظيفي والأكاديمي مع المجتمع حوله وهو غارق في بئر مظلمة لا قرار لها. لذلك يكون كسر الحلقة بأيّ سلوك إيجابي كالرياضة، وزرع العادات الإيجابيَّة عامل مساعد مهمّ.
الأدوية النفسيَّة
استخدام الأدوية النفسيَّة في هذه الحالة يعتمد على الحالة عمومًا. وهذا لا يُمكن الإحاطة به في هذا المقال، فمراجعة الطبيب النفسي هو الخيار الأفضل. لكن من باب المعرفة فإنَّ استخدام مضادَّات الاكتئاب والقلق مثل السيتالوبرام والسيرترالين مفيد في التعامل مع حالات العزلة المستمرَّة والنظرة السوداويَّة التي تترافق مع هذه المتلازمة. كما يُمكن استخدام أدوية أخرى تُسمَّى حاصرات بيتا. وذلك لعلاج بعض الأعراض الفيزيولوجيَّة التي تنعكس على القلب كعضو وليس كمجاز عاطفي. ففي النهاية، القلب عضلة، والدماغ هو مكان العواطف وكل شيء آخر.
بعض الأبحاث التي ما زالت في مرحلة التجارب الأوَّليَّة تتحدَّث عن علاج هرموني. ليس هنالك الكثير من التفاصيل حول ذلك حتَّى لحظة كتابة هذا المقال. لكن يُقال إنَّ استخدام هرمونات الأوكسيتوسين والكورتيزول قد تكون مفيدة في علاج متلازمة القلب المكسور.
التحسّن بعد العلاج
أمَّا فيما يتعلَّق بنسب تحسّن الأعراض بعد العلاج. فإنّها تختلف من شخص إلى آخر، بناءً على عوامل عديدة مثل؛ شدَّة الحالة، ونوع العلاج المتَّبع، والتزام المريض بهذا العلاج. والتوجيهات الطبيَّة المرافقة.
لكن على نحوٍ عام، فإنَّ العديد من الحالات تُظهر تحسنًّا ملحوظًا، خصوصًا على مستوى الأعراض النفسيَّة المؤلمة. وأعراض الضيق النفسي والقلق والاكتئاب ولزوم العزلة. وانعدام التفاعل الاجتماعي، فالمريض يُصبح أكثر قدرة على التعامل مع التحدّيات النفسيَّة والعاطفيَّة، والتأقلم مع المواقف العاطفيَّة الصعبة بشكلٍ أفضل.
وعلى المريض متابعة العلاج مع نفس الطبيب الموثوق الذي وضع خطَّة العلاج حتى النهاية. للتأكُّد من النتائج الطيبة وتحسُّن الحالة، وذلك قد يستمرّ عدَّة أشهر، وقد يصل إلى سنة أو أكثر في بعض الحالات.