الحياة الجنسيَّة الزوجيَّة لدى مريض اضطراب الشخصيَّة الاعتماديَّة
- ما هو اضطراب الشخصيَّة الاعتماديَّة؟
- هل هناك أسباب واضحة لاضطراب الشخصيَّة الاعتماديَّة؟
- الأعراض التي تظهر على مرضى اضطراب الشخصيَّة الاعتماديَّة
- الحياة الجنسيَّة لمريض اضطراب الشخصيَّة الاعتماديَّة
- على ماذا يعتمد الطبيب النفسي في تشخيص هذا الاضطراب؟
- على ماذا يعتمد الطبيب النفسي في تشخيص هذا الاضطراب؟
- مثال على سيرة مرضيَّة افتراضيَّة لهذا النوع من الاضطراب.
ما هو اضطراب الشخصيَّة الاعتماديَّة؟
حالة من الخضوع والاتكّاليَّة المفرطة على الآخر/ الآخرين هي السمة الرئيسة التي تُميّز اضطراب الشخصيَّة الاعتماديَّة، حيث إنَّ مرضى هذا الاضطراب يعتقدون أنّهم لا يستطيعون الاعتناء بأنفسهم دون الآخرين، ويحاولون استجداء معونة الآخرين بالخضوع والاستسلام لهم.
حاجة المريض إلى الرعاية المستمرَّة رغم قدرته على رعاية نفسه بالإضافة للخوف الدائم من أن يتركه الآخرون لذاته ليعتني بها دون أي نوع من المساعدة هي الأعراض الرئيسة التي يعتمد عليها الأخصائي في تشخيص الحالة من الجلسات الأوليَّة، حيث يُظهِر المريض استعدادًا للتخلِّي عن استقلاليته تمامًا فداءً لعدم هجران الآخر له والحصول على رعاية مستمرَّة.
كحال العديد من اضطرابات الشخصيَّة، فإنَّ طريقة تفكير المريض بحاجته المستمرة للعناية من الآخر، وارتباطه معه، وخوفه من الهجران، تجعله في حالة توتّر واضطراب وشكوك دائمة حول قدراته وإمكانيَّة تفاعله مع المجتمع ككيان مستقل بذاته.
هل هناك أسباب واضحة لاضطراب الشخصيَّة الاعتماديَّة؟
ذكرنا سابقًا في مقالات شبيهة، أنّ هذا النوع من الاضطرابات لا توجد له أسباب مباشرة على نحو دقيق، ممَّا يزيد من صعوبة التشخيص، فهو بحاجة لخبرة كبيرة من الأخصائي، ويجدر التنويه إلى أنَّ الاعتقاد السائد أنّه ناتج عن استعداد جيني بالإضافة إلى تأثُّر هذا الاستعداد الجيني بالبيئة وتجارب الحياة، ممَّا يجعله يظهر على الساحة في فترة معيَّنة هو آخر ما توصّل له الطبّ النفسي في هذا الصدد، وفيما يأتي تلخيص لجُملة من العوامل التي تزيد من خطورة حدوث هذا الاضطراب:
- التاريخ العائلي الوراثي: وجود فرد في الأسرة مصاب بأحد الاضطرابات النفسيَّة الحادَّة يزيد من خطر الإصابة.
- العلاقات الاجتماعيَّة السامَّة والمؤذية: الأفراد الذين مرُّوا بعلاقات اجتماعيَّة أو عاطفيَّة ذات ضرر كبير تزداد لديهم خطورة الإصابة.
- التجارب السيِّئة في مرحلة الطفولة: وذلك يشمل سوء المعاملة والتربية وتعرُّض الطفل للإساءات اللفظيَّة والشتائم.
- سلوكيات ثقافيَّة أو دينيَّة خاصَّة بالمجتمع المحيط بالفرد: بعض السلوكيات الثقافيَّة أو الدينيَّة التي تجعل الفرد منزوع الإرادة لصالح السلطة الدينيَّة أو الثقافيَّة أو القبليَّة في المجتمع، قد تزيد من خطورة حدوث هذه الاضطرابات، وذلك نتيجة ممارستها على المدى البعيد.
الأعراض التي تظهر على مرضى اضطراب الشخصيَّة الاعتماديَّة
سيتمّ فيما يأتي ذكر أبرز الأعراض المرتبطة ارتباطًا وثيقًا باضطراب الشخصيَّة الاعتماديَّة وما يميِّزها عن غيرها من اضطرابات الشخصيَّة:
حالة من الخضوع والاستسلام المفرط للآخر
تأتي هذه الحالة نتيجة الخوف المستمرّ من فقدان الدعم والعون من الآخرين، لذلك يُظهرون توافقًا مع آراء الآخر ويخفون أي اعتراض أو نقد، ويتجنَّبون الغضب ويحافظون على هدوئهم لدرجة تظهر عليهم علامات النفاق، لكن الدافع وراء طمس شخصيتهم هو خوفهم من فقدان الآخر كما أسلفنا، وبالتالي فقدان رعايته ودعمه.
يحدث أحيانًا أن يتمَّ استغلال المريض من قِبل الآخر نتيجة عدم اتزان الشخصيَّة الذي يُظهره، وغالبًا ما يأتي هذا الاستغلال من الغرباء الذين لا يدرون بحالته، فمن الممكن أن يتمّ استغلالهم في اتِّخاذ آراء تضرّ بسمعتهم أو إجبارهم على الظهور بوضعيات جنسيَّة وما يتأتّى عن ذلك من أضرار جسديَّة ونفسيَّة جسيمة، لكن المشكلة الأكبر تكمن في أنّه رغم هذا الاستغلال والأذى النفسي والجسدي، فإنّ المريض يُظهِر طاعة لمن يفعلون به ذلك في حالة لم يجد أحدًا غيرهم حولَه، فيكون مطواعًا لهم خشية البقاء بمفرده، وتجنّبًا لنوبات الهياج والتوتّر التي تنتج عن العزلة.
حالة من فقدان الاستقلاليَّة
يتمثّل ذلك بالاعتماد التامّ على الآخر والإيمان بالعجز التام عن أداء أيَّة مهمَّة دون مساعدة الآخرين، إضافةً إلى أنّهم يُظهرِون رفضًا تامًا لأيَّة مهمَّة جديدة، حتى لو كانوا يعتقدون من الداخل أنّهم قادرون على القيام بها، وبدلًا من ذلك، فهم يُشجعّون الآخر على القيام بهذه المهمَّة والاكتفاء بالمشاهدة فقط.
حالة من فقدان الثقة بالذات
تتمثّل هذه الحالة في مستويات متدنِّية جدا من الثقة بالذات وإظهار الحساسيَّة المفرطة تجاه أي نقد من الآخر، فهم يلومون أنفسهم دائمًا ويُقلّلون من قدراتهم ويمارسون جلدَ الذات طيلة الوقت.
الحاجة المفرطة لرعاية الآخر والاتكّاليَّة الدائمة
كما تمّت الإشارة سابقًا في أنّ الاتّكاليَّة التي يُظهرها المصابون بهذا الاضطراب لا يمكن تجاهلها أبدًا، فهم مستعدّون لاستجداء الآخرين والخضوع لهم بشكلٍ تامّ مقابل الاعتناء بهم وعدم هجرانهم، ويجدر التنويه إلى أنّ المرضى في هذه الحالة يؤمنون من الداخل أنّهم غير قادرين على الاعتناء بأنفسهم مهما حاولوا، فهي قناعة داخليَّة مترسِّخة لديهم.
يُلاحَظ عليهم أيضًا قلَّة التفاعل الاجتماعي واقتصاره على عدد قليل من الأفراد، وهم الذين يعتمدون عليهم فقط.
للمزيد أقرأ: أنماط التعلُّق وتأثيرها على العلاقة الزوجيَّة.
الحياة الجنسيَّة لمريض اضطراب الشخصيَّة الاعتماديَّة
هنالك سؤالان يجب الإجابة عليهما عند الحديث عن الحياة الجنسيَّة لمرضى هذا الاضطراب:
- السؤال الأوَّل: كيف تكون علاقتهم الجنسيَّة مع أزواجهم إن وُجدوا؟
- السؤال الثاني: هل هنالك حالات من إدمان الجنس يُمكن أن تظهر على المريض بهذا الاضطراب؟
بالنسبة لإجابة السؤال الأوَّل، فإنّه قد تظهر بعض الأنماط السلوكيَّة التي تميل إلى عدم المبادرة في طلب العلاقة الحميمة وانتظار الآخر دائمًا كي يبادر، فهم غير قادرين على اتِّخاذ قرار بشأن القيام بالعلاقة مع (الزوج/الزوجة)، وهذا يُسبّب إشكالًا كبيرًا خصوصًا في مجتمعاتنا، في حالة كان المريض رجلًا مثلًا، بالإضافة إلى تضاعف الأثر السلبي إذا كان (الزوج/الزوجة) غير واعٍ لمثل هذا النوع من الاضطرابات النفسيَّة.
العنوان الرئيس هو أنّهم لا يبادرون في طلب العلاقة الحميمة خشية الرفض، حتى لو كان هذا وهمًا في خيالهم فقط.
كما لُوحِظ أنَّ لدى هذا النوع من المرضى استسلامًا تامًّا لرغبات (الزوج/الزوجة) الجنسيَّة، حتى لو كانت تُخالف رغباتهم، فخشية العزلة والانفصال تجعلهم يفعلون ما يريده الطرف الآخر، وهذه نقطة خطيرة جدا ويُمكن أن تكون بوابة للاستغلال الجنسي والدخول في السلوكيَّات المازوخيَّة أو الخضوع، إن كان (الزوج/الزوجة) يحمل نوايا سيَّئة، أو يُحاول استغلال حالة المريض لاستكشاف جرعات جديدة من النشوة الجنسيَّة عن طريق سلوكيَّات غير سويَّة.
أمَّا فيما يتعلّق بإجابة السؤال الثاني، فهنا نتحدَّث عن إدمان الحبّ وليس الجنس تحديدًا، فإن كل ما يسيطر على المريض هو الخوف القهري من فقدان الحبيب والانفصال، وبالتالي فهو مستعد لتنفيذ رغباته سواء على الصعيد العاطفي أو الجسدي فقط خشية الفقدان والانفصال، لذلك لا يُمكن أن نعمّم أن هنالك علاقة وثيقة بين إدمان الجنس ومريض هذا الاضطراب، لأنّه في حالة كان المريض غير مرتبط وغير متزوج، فإنَّ ساحة المعركة للمرض تنتقل إلى منطقة أخرى، فيمكن أن تظهر الأعراض في علاقة صداقة، علاقة مع الأهل، علاقة افتراضيَّة مع شخص على وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى علاقة مع زميل أو زميلة في العمل.
على ماذا يعتمد الطبيب النفسي في تشخيص هذا الاضطراب؟
المعايير التي يعتمد عليها الطبيب النفسي في التشخيص، تستند بالطبع إلى الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسيَّة بنسخته الخامسة، وذلك طبقًا للرابطة الأمريكيَّة للطبّ النفسي، ويُمكن تلخيص المعايير على النحو الآتي:
- الصعوبة الشديدة لدى المريض في اتِّخاذ أي قرار مهما كان بسيطًا.
- الإفراط الشديد في تقليل المريض لأهميَّة رأيه الشخصي والحاجة لرأي الآخر والمشورة بطريقة تُظهرِه بمظهر الشخص المغفّل.
- دائمًا ما يحاول المريض اتَّباع الآخر والموافقة على أي رأي يقوله، حتى لو كان غير صائب، فهو يخاف من فقدان الآخر إذا عارضه بأي رأي.
- دائمًا ما تكون شخصيَّاتهم مهزوزة بصورة لا يمكن وصفها، فهم لا يثقون أبدًا في قدراتهم ويُقدِّمون الآخرين على القيام بأيَّة مهمَّة أو مشروع، حتى لو كانوا أقل كفاءة وقدرة.
- الشعور الشديد بالإنزعاج والعجز التامّ في حالات العزلة.
- الخوف الشديد وزيادة مستويات القلق وحدوث نوبات هياج فجائيَّة عند التفكير برحيل الآخرين.
على ماذا يعتمد الطبيب النفسي في تشخيص هذا الاضطراب؟
إنَّ علاج هذا النوع من الاضطرابات يتمثّل في خلق منظومة كاملة تعاونيَّة بين المريض ومقدِّمي الرعاية النفسيَّة، بالإضافة للأقارب والأصدقاء المحيطين بالمريض، فالعلاج ليس حبَّة دواء أو بضع جلسات نفسيَّة وانتهى الأمر، الحالة تتطلّب رعاية طويلة الأمد وتوافقًا بين الخدمة العلاجيَّة المقدَّمة من الطبيب المختصّ، بالإضافة إلى إنشاء بيئة غير سامَّة على الصعيد النفسي، كي يعيش فيها المريض وتبدأ أعراضه بالتحسّن.
نتطرّق إلى العلاج السلوكي المعرفي، والذي يتمثّل باستخدام منهجيَّة نفسيَّة تعتمد على تعريض المريض لمخاوفه ومحاولة تفكيك هذه المخاوف ومحاربة الأفكار السلبيَّة التي تسيطر عليه، بالإضافة إلى تعديل السلوكيَّات الضارَّة في حياته.
العلاج الدوائي غير مستخدم بكثرة، إلّا في حالات الأعراض المصاحبة لهذا الاضطراب مثل اضطرابات القلق وحالات الاكتئاب السريري، فيمكن استخدام مضادَّات الاكتئاب من عائلات مختلفة، ويمكن استخدام المهدِّئات أو مضادَّات القلق.
إنَّ جزئيَّة تواجد الأقارب والأصدقاء كجزء من المنظومة العلاجيَّة وظيفتها تكمن في تقديم أكبر قدر ممكن من الدعم الاجتماعي للمريض، وتوفير بيئة حاضنة غير سامَّة، لا تستغل حالته المرضيَّة واحتياجه المرضيّ للآخر، مقابل سلوكيات تؤذيه على الصعيد النفسي والجسدي.
يقوم الطبيب النفسي أو المعالج النفسي أيضًا خلال الجلسات مع المريض في مساعدته على تطوير مهارات التواصل مع الآخر، وتعزيز قدرته على الاستقلاليَّة، وتقليل اعتماده المرضيّ على الآخر تدريجيًّا.
مثال على سيرة مرضيَّة افتراضيَّة لهذا النوع من الاضطراب.
سليم رجل في أواخر العشرينيَّات من عمره، يعاني من أزمة على مستوى الثقة بالنفس، ويشعر دائمًا أنّه بحاجة للآخر ولا يمكنه فعل شيء دون وجود أي أحد، تمّ استغلاله والتنمُّر عليه في مرحلة المراهقة من زملائه وأساتذته الذين يجهلون بالطبع هذا النوع من الاضطراب، ويعتقدون أنّه ضعف شخصيَّة، وذلك بسبب عدم وجود برامج تثقيفيَّة عن هذا النوع من الأمراض لمعلِّمي المدارس بمختلف المراحل العمريَّة !
هو غير مستقرّ من الناحية العاطفيَّة، غير قادر على إقامة علاقة عاطفيَّة مستقرَّة، دائمًا ما يظهر بمظهر الرجل المهزوم لدرجة أنَّ واحدة من الفتيات والتي كان معجب بها اعتقدت أنَّ له ميولًا مازوخيَّة غير سويَّة.
منذ زمن طويل وهو يظهر بصورة الشخص المنعزل، من حياته المدرسيَّة في المرحلة الإعداديَّة حتى الآن، انطوائي جدا ولا يُفضِّل التفاعل مع الآخرين، تُصيبه نوبات هياج لا يُمكن السيطرة عليها إذا شعر أنَّ أمه أو أخاه الكبير يمكن أن يموت أو يُصاب بمرض عضال أو يتململ منه ويصبح غير قادر على مساندته، جميعها في الغالب أوهام لكن هذا ما يحدث معه.
كان الأهل يعتقدون أنّه مصاب بالتوحّد، وذلك دون استشارة طبيب، قدراته العقليَّة طبيعيَّة، ويحبّ لعب كرة السلَّة، لكن يخاف جدا أن يمارسها دون وجود أخيه.
هذه السيرة المرضيَّة الافتراضيَّة للمدعو سليم هي مثال مبسَّط على كيف تكون الحالة، وكيف تُبنى الشخصيَّة، وكيف تُؤثّر مراحل الطفولة على تطوّر الأعراض عند البلوغ، وكيف يُمكن أن يتمَّ تشخيص الشخص من خلال رأي الشارع غير المبني على أيَّة معرفة علميَّة، وبالتالي زيادة الحالة سوءًا، لذلك في هذه الحالة والحالات المشابهة ينبغي مراجعة الطبيب النفسي كخيار أوّلي لاستثناء جميع الاضطرابات التي من الممكن أن تكون هي التشخيص السليم، وفي حال أجاز الطبيب النفسي أنّ المريض لا يُعاني من أي اضطراب نفسي، فتكون الخطوة الثانية مراجعة طبيب أعصاب أو طبيب أسرة لتوجيه المريض إلى الاختصاص المناسب، وعدم التأخّر في الوصول للتشخيص السليم وبدء العلاج.
الكلام ليس مجرَّد عناوين عريضة، دراسة الطبّ والاختصاص وجميع الجهود المبذولة تخدم هدفًا ساميًا واحدًا، وهو تحسين حياة الآخر، وحتى لو طغت الماديَّة والاستغلال على هذه الحقبة التي نعيشها، لكن الطبيب الجيِّد هو الذي يُحافظ على سرّ المهنة داخله مهما قست الظروف وازدادت المغريات، سرّ المهنة الذي يقول: أنت تعمل وتجتهد كطبيب، لتجعل الآخر في حال أفضل.