الحالات المستعصية من ثنائي القطب وأثرها على الحياة الجنسيَّة

نبذة عن اضطراب ثنائي القطب

تتمثَّل معايير ثنائي القطب بتقلُّبٍ حادّ في المزاج بين درجات من الاكتئاب الشديد مدَّة زمنيَّة معيَّنة تختلف حسب نوع ثنائي القطب، وبين درجات من الهَوَس والانفعالات الزائدة.

هناك ثلاثة أنواع رئيسة لهذا الاضطراب وهي على النحو الآتي:

– اضطراب ثنائي القطب النوع الأوَّل: تستمرّ نوبات الهوس الشديدة جدًّا مدَّة لا تقلّ عن أسبوع، متبوعة بنوبات اكتئاب حادَّة تستمرُّ مدَّة أسبوعين على الأقل.  

– اضطراب ثنائي القطب النوع الثاني: تكون نوبات الهوس هنا أقلّ حدَّة من النوع الأوَّل، أمَّا نوبات الاكتئاب فتكون بنفس مستوى حدَّة النوع الأوَّل.

– اضطراب ثنائي القطب غير المحدَّد: يتميَّز هذا النوع بحدَّة أقل في التقلُّب المزاجي بين الهوس والاكتئاب من النوعين السابقين، حيث تكون الأعراض أقلّ شراسة، ولكن يجب أن تستمرَّ الأعراض مدَّة عامين كاملين حتَّى يُشَخَّص بهذا النوع.

العلاجات المتاحة لاضطراب ثنائي القطب

يضع الطبيب المتخصِّص في الطبِّ النفسي خطَّة علاجيَّة تتناسب وتقييم الحالة والتشخيص النهائي كاضطراب ثنائي القطب، بعد استبعاد أيّ تشخيص آخر مُحتمل.

إنَّ الحالات المستعصية من ثنائي القطب تتطلّب أكثر من مجرَّد طبيب نفسي، فيمكن أن تتطلّب عدَّة أطبَّاء، بالإضافة إلى أخصَّائيِّين اجتماعيِّين، وأخصَّائيِّي علم نفس تحليلي، وممرِّضة نفسيَّة.

عادةً ما يُبدَأ باستخدام الأدوية لتحقيق توازن مبدئي للحالة المزاجيَّة، وبعد ذلك، تُقيَّم الحالة بشكل أكبر ويُقاس مدى تأثير الدواء عليها للتغيير إلى جرعات دوائيَّة دائمة، حيث إنَّ المريض وخاصَّة في الحالات المستعصية من اضطراب ثنائي القطب، يسير على العلاج الدوائي مدى الحياة، حتَّى خلال فترات تحسّنه.

يجب إبلاغ الطبيب بكلِّ مصداقيَّة حول كميَّة الكحول التي تُستَهلَك أسبوعيًّا في حال كان المريض يتعاطى الكحول، بالإضافة لأيَّة مخدَّرات وجرعاتها والوقت الذي بدأ بتعاطيها، هذه النقطة مهمَّة جدًّا؛ لاختيار الدواء المناسب، ولتجنُّب أيَّة تفاعلات دوائيَّة مع هذه المواد.

قد تشمل الأدوية مثبِّتات المزاج للتحكُّم في نوبات الهوس أو الهوس الخفيف، تتضمَّن أمثلة مثبِّتات المزاج؛ الليثيوم (ليثوبيد)، وحمض فالبرويك (ديباكين)، وثنائي فالبروكس الصوديوم (ديباكوت)، وكاربامازيبين (تيجريتول) ولاموتريجين (لاميكتال).

يمكن إضافة دواء مضادّ للذهان مثل؛ أولانزابين (زيبركسا)، وريسبيريدون (ريسبردال)، وكيتيابين (سيروكويل)، وأريبيبرازول (أبيليفاي)، وزيبراسيدون (جيودون)، ولوراسيدون (لاتودا) أو الأسينابين (سافريس). 

يستخدم الطبيب أيضًا مضادَّات القلق التي تحمل اسم البنزوديازيبينات؛ للسيطرة على حالات القلق المصاحبة للحالات المستعصية والمعتدلة من ثنائي القطب، ولكن يجدر استخدامها على المدى القصير فقط.

أمَّا بالنسبة للعلاج النفسي، فهو الجزء الحيوي والديناميكي في علاج اضطراب ثنائي القطب، ويمكن أن يكون على شكل جلسات فرديَّة مع الطبيب أو بالتشارك مع عائلة المريض، أو على شكل جلسات جماعيَّة والتي يقلُّ استخدامها في مجتمعنا مقارنة بممارسة الطبّ النفسي في الدول المتقدِّمة.

العلاج النفسي له العديد من الأشكال، منها العلاج الإيقاعي الشخصي والاجتماعي IPSRT الذي يركِّز على استقرار الإيقاعات اليوميَّة الرئيسة مثل؛ النوم والاستيقاظ ومواعيد تناول الطعام، حيث إنَّ خلق روتين ثابت يُساعد في إدارة الحالة المزاجيَّة، خصوصًا إذا تضمَّن ممارسة الرياضة بشكل منتظم.

الشكل الآخر يتمثَّل في العلاج السلوكي المعرفي CBT الذي يُركِّز على تحديد المعتقدات والأفكار والسلوكيَّات الخاطئة أو غير الصحّيَّة (السلبيَّة) واستبدالها بأفكار وسلوكيَّات أكثر إيجابيَّة، وهذا فعّال جدًّا في الكشف عمَّا يثير نوبات الاضطراب، ومع الوقت يستطيع الطبيب إنشاء استراتيجيَّات دائمة، لإدارة التوتُّر والتعامل مع المواقف المزعجة المسبِّبة للنوبات.

هنالك أيضًا العلاج بالصدمات الكهربائيَّة ECT وخصوصًا في الحالات المستعصية من ثنائي القطب، حيث يُمرَّر تيار كهربائي عبر الدماغ بهدف إحداث نوبة قصيرة، بمعنى أنَّ هذا التيار والنوبة الناتجة عنه تُحدِث تغيُّرات في كيمياء الدماغ، ممَّا يعكس الأعراض ويُحسِّن الوضع، يُستخدم هذا العلاج في الحالات المستعصية من ثنائي القطب، أو للمرضى الذين لديهم ظروف تمنعهم من استخدام العلاج الدوائي مثل؛ وجود أمراض معيَّنة، أو أن يكون المريض امرأة حامل.

التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة TMS هو خيار متاح للحالات المستعصية من ثنائي القطب، خصوصًا في طور الاكتئاب.

كيفيَّة التعامل مع الحالات المستعصية من اضطراب ثنائي القُطُب

إنَّ التعامل مع مريض ثنائي القطب ليس بالأمر السهل، لكن الدعم المعنوي لا مفرّ منه، ويجب تعلّم طريقة التعامل معه من قِبل المحيطين به كجزء من خطَّة العلاج كاملة، لأنَّ ذلك يُحدِث فرقًا إيجابيًّا كبيرًا، وفيما يأتي مجموعة من النقاط التي يُمكن اتِّخاذها في التعامل مع الحالات البسيطة والحالات المستعصية من اضطراب ثنائي القطب:

تثقيف الذات

يجب الاطِّلاع بشكل جيِّد وثقيف الذات عن هذا المرض لتزيد فرصة مساعدتك للمريض، حيث إنَّ فهم أعراض نوبات الهوس وأعراض نوبات الاكتئاب يساعدك على تقديم الدعم المناسب للمريض، خصوصًا أثناء النوبات المزاجيَّة الشديدة.

الاستماع

يجب تعلُّم الاستماع لمريض ثنائي القطب، لأنَّهُ عامل مهمّ جدًّا في تفريغ هوس الأفكار التي تعتريه، وهو أفضل من توجيه النصائح المعلَّبة له والتكلُّم؛ فقط اجلس واستمع له، ممّا يشعره بالرّاحة، خصوصًا عندما يرغب بالتحدُّث حول التحدِّيات التي يواجهها. 

المشاركة في علاجهم

يشتمل علاج مرضى الاضطراب ثنائي القطب، عادةً، على العديد من الجلسات العلاجيَّة بالإضافة إلى علاجات أخرى، يمكنك مساعدة المريض الذي يخصّك عبر حضور الجلسات معه، أو مرافقته وانتظاره خارجًا إذا كانت الجلسة مُخصَّصة للمريض وحده.

الحالات المستعصية من ثنائي القطب وأثر ذلك على الحياة الجنسيَّة

إنَّ اضطراب ثنائي القطب هو اضطراب مزاجي بالمقام الأول، حيث يُعاني المريض من مستويات عالية من الانتشاء، ثمَّ مستويات معاكسة من الاكتئاب الشديد، وبالتأكيد هذا الانتقال من مستوى إلى آخر، يؤثّر على العلاقة مع (زوجه/ زوجته) بدرجة كبيرة.

إنَّ التأثير على العلاقة الزوجيَّة يشمل العلاقة العاطفيَّة والحميميَّة أيضًا، حيث إنَّ المريض يواجه فرط في الرغبة الجنسيَّة أو زيادة نشاطه الجنسي خلال نوبة الهوس، ممّا قد يدفعه لإجبار الطرف الآخر على العلاقة الجنسيَّة أو البحث عن العلاقة الجنسيَّة في مكان آخر، وهذا بدوره يزيد من خطورة تفكُّك العلاقة، وزيادة خطورة الإصابة بالأمراض المنقولة بالجنس، نتيجة البحث عن الجنس خارج منظومة العلاقة السليمة الآمنة. 

أمَّا خلال نوبة الاكتئاب، فالمريض يفقد الاهتمام بالجنس، ممّا يُمهّد الطريق لخلافات مع الطرف الآخر، جرّاء التقصير أو انعدام التفاهم، أو عدم تلبية حاجاته الجنسيَّة بشكلٍ مناسب.

ومن الأمثلة على فرط الرغبة الجنسيَّة خلال نوبة الهَوَس:

-زيادة معدَّلات النشاط الجنسي بشكل كبير دون الشعور بالاكتفاء أو الرضا.

-ممارسة الجنس خارج منظومة العلاقة الزوجيَّة (العلاقة النظيفة صحيًّا ونفسيًا) وتعدُّد العلاقات.

-الاستمناء المفرط.

-الانشغال بالأفكار الجنسيَّة.

-زيادة استخدام المواد الإباحيَّة.

في عام 2016 تمّ نشر دراسة في مجلة الطب النفسي للسلوك الجنسي لمجموعتين من الأشخاص:

الفئة الأول: الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ثنائي القطب والذين تم علاجهم كمرضى في عيادة خاصة
الفئة الثانيَّة: الأشخاص الذين لم يكن أي اضطراب عاطفي أو حالات فصام، أو لديهم اضطرابات أخرى باستثناء ثنائي القطب

لقد خَلصت الدراسة إلى أن 25 إلى 80 % من الأشخاص الذين يعانون من نوبات الهوس (ضمن قطبي ثنائي القطب) يعانون أيضًا من فرط في الرغبة الجنسيَّة، بالإضافة إلى كون هذه الرغبة تظهر عند المرضى النساء أكثر من الرجال

الرغبة الجنسيَّة أثناء نوبة الاكتئاب (كأحد قطبي ثنائي القطب)

أثناء طور الاكتئاب، يواجه المريض انخفاضًا في رغبته الجنسيَّة، وهذا يشمل انخفاض الدافع الجنسي مهما حاول (الزوج/الزوجة) استثارته، ما يُسبّب إشكالات عديدة في العلاقة الزوجيَّة، لأنَّ الطرف الآخر قد لا يفهم بشكل كامل أسباب هذا الانخفاض في الدافع الجنسي.

عند المرضى الذكور، يترافق انخفاض الدافع الجنسي مع ضعفٍ في الانتصاب وتأخُّرٍ في القذف، حتى لو تناول المريض المقوّيات، أو أجبرَ نفسه على إقامة العلاقة الحميمة إرضاءً للطرف الآخر.

والمعُقّد في هذه الحال، أنَّ الضائقة الجنسيَّة الناتجة عن الاكتئاب القطبي، ستؤدّي إلى إصابة المريض باكتئابٍ آخر نتيجة عدم قدرته على تجاوز ضعفه في العلاقة الحميمة وتلبية مطالب العلاقة الزوجيَّة .