الحشيش أصابني بالذُّهان ما أدّى لانفصالي عن زوجي
- كيف ينشأ مرض الذُّهان؟ من نقطة الصفر حتى ظهور الأعراض.
- هل تدخين الحشيش هو السبب الوحيد للإصابة بالذُّهان؟
- ما هي الأعراض الأوَّليَّة لمرض الذُّهان؟
- ما هي الأعراض المتقدِّمة لمرض الذُّهان والتي تجعله يزور الطبيب؟
- كيف يتعامل الطبيب مع مريض الذُّهان وما هي العلاجات المتاحة؟
- ما هي نسب الشفاء من اضطراب الذُّهان الناتج عن تعاطي الحشيش؟
- كيف يؤثّر اضطراب الذُّهان على الحياة الزوجيَّة؟
- كيف يُمكن التعايش مع الزوج/ة المصاب/ة بالذُّهان، وتجنّب الآثار السلبيَّة على العلاقة الحميمة بينهما؟
قصَّة المريضة ع.س
قدمت المريضة المذكورة أعلاه إلى العيادة، وهي تُعاني مجموعة من الهلاوس السمعيَّة والبصريَّة (تسمع أشياء غير موجودة وترى أشياء غير موجودة)، منقطعة عن وظيفتها، وتسير في معاملة الطلاق من زوجها الذي عوَّدها على تدخين الحشيش مدَّة 3 سنوات، أي خلال فترة زواجهما. تمَّ تقديم العلاج اللازم لها بعد تحويلها إلى مصحَّة نفسيَّة، ومن بين العلاجات الرئيسة؛ مضادَّات الذُّهان غير النمطيَّة (نوع من الأدوية النفسيَّة القويَّة التي تُحارب الهلاوس والضلالات)، ويقيت فترة في هذه المصحَّة إلى أن تعافت تمامًا.
الآن توقَّفت المريضة عن تناول الدواء تدريجيًّا، خرج السُمّ (الحشيش من جسدها بالطبع)، عانت من أعراض انسحاب قويَّة لكنّ إرادتها كانت أقوى من ذلك، وبعد الطلاق عادت واندمجت بالحياة على نحو جيِّد، وكانت من الحالات الناجحة، حيث عادت لعملها ثمَّ انتقلت لعمل جديد وأفضل، والآن وهي ما زالت في مُقتبَل العمر والحياة أمامها لتعيشها بطريقة جيِّدة ومريحة لها على المستوى النفسي والوظيفي والأُسري والاجتماعي.
كانت هذه مقدمة مقال اليوم عن علاقة تدخين الحشيش باضطراب شائع مثل الذُّهان، وكيف يؤثّر على العلاقة مع الزوج/ة، وسيتم في هذا المقال تناول مجموعة من الأفكار التي تصب في عنوان المقال الرئيس؛ الحشيش أصابني بالذُّهان الذي أدّى لانفصالي عن زوجي.
كيف ينشأ مرض الذُّهان؟ من نقطة الصفر حتَّى ظهور الأعراض.
إنَّ حياة الإنسان تخضع للتقلُّبات ما يؤثِّر على استقراره النفسي؛ حيث يمرُّ كل شخص خلال حياته بمراحل مستقرَّة وأخرى أقلّ استقرارًا، مثل؛ مراحل التحوُّل في سنِّ البلوغ، أو الزواج، أو إنجاب طفل، أو فقدان وظيفة، أو فشل دراسي، أو وفاة أحد الأحباب.
الأشخاص الذين لديهم زيادة في سرعة التأثُّر بالتقلُّبات المذكورة آنفًا، هم أكثر عرضة للإصابة بالذُّهان، خصوصًا إذا تزامنت هذه الأحداث مع أعباء نفسيَّة أخرى خلال الفترة نفسها.
مصطلح “زيادة في سرعة التأثُّر” يعني فرط التأثُّر النفسي، حيث إنّ الأشخاص المجبولين فطريًّا على إظهار حساسيَّة شديدة عند التأثُّر بحدث مؤسف ينعكس سلبًا بشكل مباشر على الاستقرار النفسي لديهم، هم الأشخاص الأكثر إصابة بالذُّهان على نحوٍ عام، أي أنَّ ردّة فعلهم تجاه ما مرُّوا به تكون عبر الأعراض الذُّهانيَّة.
هنالك عوامل أخرى يُمكن أن تتقاطع مع سرعة التأثُّر، أو تزيد من قابليَّة الفرد للإصابة بالذُّهان، مثل:
– اضطرابات النموّ المبكِّرة.
– التاريخ الأُسري الغني بأمراض الذُّهان واضطرابات عقليَّة أخرى.
– إصابة في المخ أو التهابات حادَّة.
– استهلاك الحشيش أو ما يُعرف بالقنَّب الهندي، خصوصًا في سنٍّ مبكِّرة وبكميَّات كبيرة.
هل تدخين الحشيش هو السبب الوحيد للإصابة بالذُّهان؟
إنَّ تدخين الحشيش أو ما يُسمَّى بالقنَّب الهندي سبب رئيس للاضطرابات العقليَّة بالمجمل، كونه يحتوي على مادة نشطة تُعرف بالتيترا-هيدرو-كانابينول (THC)، حيث تتفاعل هذه المادة مع الجهاز العصبي الخاصّ بالجسم، وتزيد من احتماليَّة الآثار الجانبيَّة على المستويين النفسي والعقلي، إضافة إلى أنَّها تزيد من خطورة الإصابة بالأمراض الآتية:
- الذُّهان: الذي يشمل الهلاوس، والاعتقادات الخاطئة، والتشوُّش في الوعي والإدراك.
- الاضطرابات العاطفيَّة والمزاجيَّة.
- اضطرابات القلق والاكتئاب السريري.
- انخفاض الأداء الوظيفي والعقلي: يظهر أثناء العمل، أو القيام بأنشطة يوميَّة تتطلّب مهارات عقليَّة.
- فقدان الذاكرة المؤقَّت والجزئي، وضعف الانتباه.
تشير الدراسات المُحكّمة إلى وجود علاقة بين تدخين الحشيش وارتفاع خطورة الإصابة بالاضطرابات الذُّهانيَّة، ويعتمد ذلك على الاستعداد الجيني لدى الشخص المتعاطي للحشيش، والكميَّة المستهلكة، وتركيز مادة التيترا-هيدرو-كانابينول فيها، والمدة الزمنيَّة لتدخين الحشيش.
لنأخذ مثلًا عامل الوراثة أو الاستعداد الجيني، فالمدخِّن الذي يملك تاريخًا عائليًّا من اضطرابات الذُّهان أو أيَّة اضطرابات عقليَّة أخرى، يكون أكثر عرضة للإصابة بالذُّهان نتيجة تدخين الحشيش.
وبالنسبة للكميَّة المُستهلكة، فمن البديهي أنّه كلَّما زادت الكميَّة المستخدمة خلال مدَّة معيَّنة تزداد خطورة الإصابة باضطراب الذُّهان، لكن تجدر الإشارة هنا إلى عامل العمر، حيث إنّ الأدمغة خلال المراهقة أو الشباب تكون في مرحلة نموّ وتطوّر مستمرّين، ممَّا يشكِّل خطورة أعلى في الإصابة بأمراض الذُّهان والاضطرابات العقليَّة الأخرى.
ما هي الأعراض الأوَّليَّة لمرض الذُّهان؟
سواء أكان اضطراب الذُّهان ناتجًا عن تدخين الحشيش كما هو الحال في قصَّة المريض أعلاه، أو عن أيَّة أسباب أخرى، فهو يتشارك نفس الأعراض الأوَّليَّة التي تظهر على المريض، وفيما يأتي نبذة عنها:
تغيُّرات المشاعر
تشمل نوبات الاكتئاب، وخمود المشاعر، والتقلُّبات المزاجيَّة، والمخاوف غير المبرَّرة.
تغيُّرات في الاهتمامات
اهتمامات مفاجئة غير عاديَّة مثل الاهتمام بالدين على نحو غير مُسبوق، أو بالأشياء الخارِقة للطبيعة.
تَغيُّر في القدرات الإدراكيَّة
إدراكات غير عاديَّة (مثل تكثيف أو تغيير على مُستَوى الأصوات والأَلوان؛ الشعور بأنَّ الفرد نَفسه أو البيئة المُحيطة به تَغَيَّرت، رؤية أو سَماع أو تَذَوّق أو شَمّ أشياء لا يُدرِكُها الآخرون).
فقدان القدرة على التفكير بوضوح
قد يجد المُصاب صعوبة في التركيز والتفكير بوضوح، وقد تتأثَّر قدرته على أداء المهام اليوميَّة.
التقلُّبات المزاجيَّة.
وتشمل تقلُّبات مفاجئة في المزاج، تتراوح بين نوبات من الغضب الشديد، ومن ثمَّ نوبات من الاكتئاب والعزلة.
ما هي الأعراض المتقدِّمة التي توجب على مريض الذُّهان مراجعة الطبيب؟
تُعرَف حالة اضطراب الذُّهان الناتجة عن تدخين الحشيش أحيانًا باسم “اضطراب الهلوسة القنبيَّة”، وهو نوع تظهر الأعراض المتقدِّمة فيه بوتيرةٍ أسرع من أنواع الذُّهان الناتجة عن أسباب أخرى، وفيما يأتي نبذة عن هذه الأعراض المتقدِّمة:
الهلوسات
المصابون باضطراب الذُّهان الناتج عن تعاطي الحشيش، يمكن أن يسمعوا أصواتًا أو يروا أشياءً غير حقيقيَّة، ومن الأمثلة على ذلك:
“أرى أشخاصًا أو أشياءً تَتَغيّر ألوانها أو أشكالها”.
“بَعض الغُرَف لها رائحة كريهة مُشابِهة لرَائِحة الغازات السامَّة”.
الأوهام والاعتقادات الخاطئة
يعتقد مُصاب الذُّهان بحدوث أشياء في حياته مثل المؤامرات أو خوارق الطبيعة، والتي تفتقر لأيِّ أساسٍ واقعي أو منطقي، ومن الأمثلة على أقوالهم في هذه الحالة:
“لدي قدرات استثنائيَّة تُمَيِّزُني عن الأشخاص الآخرين”.
“أنا على علاقة وطيدة مع قوى أو أشخاص ذوات نفوذ”.
الانعزال الاجتماعي التامّ
قد يصبح الشخص المصاب بالذُّهان أكثر انعزالًا اجتماعيًّا، وقد يعيش في عالمٍ خاصّ به، دون مشاركة أو تواصل مع الآخرين.
كيف يتعامل الطبيب مع مريض الذُّهان وما هي العلاجات المتاحة؟
يجري الطبيب بدايةً، محادثة أوَّليَّة مع المريض/ة بحضور الزوج/ة أو الأقرباء الموثوقين، ويمنح المريض/ة الوقت الكافي دون أيَّة مقاطعة للتعبير عن الأعباء التي يعاني منها والظروف المعيشيَّة الخاصَّة بوضعه الحالي، ثم يُسأَل حول تأثير أعراض المرض على صعيد العمل والأسرة والأصدقاء، والصعيد الزوجي والعلاقة الحميمة، ممّا يساعد الطبيب على معرفة المزيد، وأحيانًا ما تكون جلسة المحادثة الأوليَّة غير كافية، فتتطلَّب جلسة ثانية وثالثة كحدٍّ أقصى اعتمادًا على خبرة الطبيب، ويُخيَّر المريض/ة بين أن تكون الجلسات القادمة فرديَّة، أو بمشاركة الزوج/ة أو القريب الموثوق.
إذا كانت هناك علامات على وجود أعراض غامضة أو غير دقيقة أو متشاركة مع اضطرابات أخرى، يُحوَّل المريض إلى مصحَّة نفسيَّة، إذ تُشرف على حالته مجموعة من الأطبَّاء للحصول على أكثر من رأي طبّي، وإبقاء المريض تحت المراقبة 24 ساعة.
أمَّا في حالة كانت أعراض الذُّهان واضحة، تُجرَى مجموعة فحوصات تشخيصيَّة مثل؛ فحص الدم، وتخطيط كهربيَّة القلب بالإضافة إلى مجموعة من فحوصات الدماغ بما فيها تخطيط كهربائي للدماغ وتصوير مقطعي للدماغ، هنالك أيضًا مجموعة من الفحوصات النفسيَّة المعرفيَّة التي تعتمد على أسئلة استبيان، للتأكُّد من خلوّ الجسم من أيَّة أمراض جسديَّة ونفسيَّة أخرى، أو وجود تاريخ عائلي مريض قد يُعيق رحلة العلاج.
بالنسبة للعلاجات المتاحة في وقتنا الحالي، فتشمل:
العلاج النفسي السلوكي المعرفي (CBT)
يمكن أن يكون للـ CBT فعاليَّة في معالجة اضطراب الذُّهان، إذ يساعد المصابين على معرفة أفكارهم الخاطئة، وتغييرها، وتطوير استراتيجيَّات تحسين التفكير والسلوك.
العلاج النفسي الاجتماعي
يمكن أن يساعد في تحسين التفاعل الاجتماعي، وتطوير مهارات التواصل، وإدارة العواطف والانفعالات.
الأدوية
قد يقترح الطبيب بعض الأدوية لعلاج أعراض الذُّهان، مثل الأدوية المضادَّة للاكتئاب، والأدوية المضادَّة للهلاوس والضلالات، وذلك على النحو الآتي:
- الأدوية المضادَّة للاكتئاب مثل؛ السيروتونين والنورأبينفرين (SSRI) قد تساعد في تحسين المزاج وتقليل القلق.
- مضادَّات الذُّهان النمطيَّة وغير النمطيَّة: تساعد على التحكُّم في الهلوسات والاعتقادات الخاطئة.
ما هي نسب الشفاء من اضطراب الذُّهان الناتج عن تعاطي الحشيش؟
إنَّ معدَّلات الشفاء الكامل من الذُّهان الناتج عن تدخين الحشيش تتباين بشكل كبير اعتمادًا على عدَّة عوامل، بما في ذلك شدّة الذُّهان، ومدَّة التعاطي، واستجابة الشخص للعلاج والدعم، وفيما يأتي نبذة عن هذه العوامل:
نوع الاضطراب وشدّته
هناك أنواع مختلفة من اضطرابات الذُّهان تتفاوت في نسب التعقيد، ممّا ينعكس على نسب الشفاء التامّ منها، فعلى سبيل المثال، الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الذّهان الفصامي قد يحتاجون إلى رعاية طويلة، وتدخُّلات دوائيَّة مدَّة زمنيَّة أطول من غيرهم، للتعافي بشكلٍ شبه تامّ.
نوع العلاج ومدى فاعليّته
إنّ وجود خطَّة علاج فعّالة ومناسبة يزيد من فرص الشفاء، بحيث يلعب العلاج النفسي والأدوية المناسبين دورًا حاسمًا في التحسُّن وإتمام الشفاء، وهذه نقطة يجب أخذها في الحسبان لتجنّب تغيير الطبيب المشرف على الحالة عند الشعور بانخفاض جدوى الدواء أو حدوث أعراض جديدة، إذ ينبغي الالتزام مع أخصَّائي خبير حتّى النهاية؛ لأنَّ التقلُّبات في علاج هذا النوع من الأمراض تكون أكثر من غيرها، وأي تداخل دوائي إضافي على خطَّة علاج قديمة، قد يُحدِث أثرًا عكسيًّا غير محمود أبدًا.
الالتزام بالعلاج والمداومة عليه
هذه النقطة تُحدّد ما إذا كان المريض قادرًا على الالتزام بالدواء، أم أنّه يحتاج دخول مصحَّة للإشراف عليه وإعطائه الأدوية في مواعيدها دون تأخير أو اختلال بالجرعات، ما يؤثِّر بالطبع على نسب الشفاء الواجب تحقيقها.
الدعم المجتمعي للمريض
إنّ وجود دعم اجتماعي من الأصدقاء والعائلة والمجتمع يؤثِّر إيجابيًّا على عمليَّة الشفاء، بحيث تسهم البيئة الاجتماعيَّة الداعمة في تقليل الضغوط، وزيادة الدعم النفسي.
عامل الزمن وسرعة استجابة المريض للعلاج
يحتاج المرضى وقتًا أطول لتحقيق الشفاء مقارنة بالآخرين؛ بناءً على سرعة استجابة المريض للعلاج.
الالتزام بأسلوب حياة صحِّي
النوم الجيِّد، والتغذية السليمة، وممارسة الرياضة يمكن أن تساعد في تعزيز الصحَّة العامَّة، وتحسين استجابة الجسم للعلاج.
كيف يؤثِّر اضطراب الذُّهان على الحياة الزوجيَّة؟ المريض ع.س مثالًا
يحمل مثال المريض ع.س هنا خاتمة سيِّئة وهي الانفصال، بسبب إصابة الزوجة بالذُّهان نتيجة تعوّدها على تدخين الحشيش من قِبل الزوج، ممّا جعل الأمور تأخذ منحىً عائليًّا وقضائيًّا. واستعداد الزوجة للعلاج ومقاومتها أعراض الانسحاب، يدلُّ على أنّها كانت ضحيَّة هذا الزوج وسلوكيَّاته غير المسؤولة، لكن هذا ليس مضمار حديثنا هنا.
مضمار الحديث هو التأثيرات العامَّة لمريض الذُّهان سواء كان الزوج أو الزوجة على العلاقة الزوجيَّة، وكيف يُمكن إعطاء فكرة شافية ووافية عن التعامل مع مريض/ة الذُّهان، وأن يكون القارئ على دراية تامَّة بالسلوكيَّات التي من الممكن التعامل معها، والسيناريوهات التي من الممكن مواجهتها سواء مع الزوج/ة أو مع قريب له يُعاني من نفس المشكلة، وفيما يأتي نبذة عن ذلك:
تشكيل ثقافة جيِّدة عن طبيعة مرض الذُّهان
يجب معرفة أعراض مرض الذُّهان، والهلاوس والضلالات التي تعتري الزوج/ة المريض على شكل نوبات، فتعكّر صفو العلاقة، وتقطُّع أحبال التفاهم وأريحيَّة الحوار بينهما.
ينبغي في هذه الحالات التأكّد من تناول المريض للدواء الموصوف له، ومحاولة إبعاده عن أيَّة مؤثرات أو محفِّزات، وإشعاره بالأمان والدفء غير المشروطين حتى يهدأ وتبدأ الهلاوس تدريجيًّا في الاختفاء، وحتَّى لو استمرَّت وفضّل المريض/ة الحديث عن هذه الهلاوس البصريَّة والسمعيَّة، فينصح بالاستماع إليه وتصديقه ومناقشته في حقيقتها وطبيعتها والتعوّد على ذلك، فهذا هو مفتاح بناء جسور الثقة بين المريض وزوجه، وهذا ما يجعل المريض يرى في زوجه أكثر من مجرّد زوج، بل مُعالِج نفسي ومركز ثقة يستطيع أن يستند عليه في جميع الظروف.
عدم استهجان النوبات التي تصيب المريض (الزوج/ة) والاستخفاف أو الخوف منها
هذه النقطة تُشبه النقطة الأولى بعض الشيء، لكن الإضافة هنا تكمن في أنّه يجب عدم الاستخفاف بأعراض الزوج/ة المريض، وعدم الخوف من هذه الأعراض التي تترافق مع النوبة، بل يجب احتواؤه ودعمه والاستماع إليه بعد التأكُّد من تناوله للدواء الموصوف له، ومع الأيام سيُظهِر المريض تحسُّنًا واضحًا وتأقلمًا جيِّدًا مع الوضع الراهن.
كسب ثقة المريض (الزوج/ة) واستخدام عبارات قصيرة في الحديث معه
لكسب ثقة المريض الزوج/ة المصاب بالذُّهان، استخدم عبارات قصيرة أثناء مخاطبته، وركِّز على الاستماع إليه عوضًا عن مقاطعته بعبارات معقَّدة وطويلة، فالتشويش والتشتُّت الذي يُعاني منه يمنعه من فهم العبارات الطويلة، مماَّ يُثير غضبه لأنّهُ يظنُّ أنّ قدراته العقليَّة صارت متدنيَّة.
التشجيع على جلسات العلاج النفسي، حتى لو كان دعمك المعنوي كافٍ !
يجب العلم أنَّ الاستماع للمريض الزوج/ة وكسب ثقته ومحاولة احتوائه لا تُغني عن زيارة الطبيب النفسي أو المعالج النفسي وحضور جلساته العلاجيَّة، حتى لو كانت الأمور مستقرَّة بعض الشيء، فهذه الجلسات ستعلّمه أساليب جديدة في التعامل مع نمط مرضه، وتُسرّع من وتيرة إعادة اندماجه في المجتمع وهجره للعزلة، كما أنَّها ستساعده في تحسين علاقته مع الزوج/ة على المستوى العاطفي والحميمي.
كيف يُمكن التعايش مع الزوج/ة المصاب/ة بالذُّهان وتجنّب الآثار السلبيَّة على العلاقة الحميمة؟
تشير غالبيَّة الدراسات المُحكَّمة علميًّا، إلى أنَّ النشاط الجنسي والعلاقة الحميميَّة عنوانهما النقص وعدم الرضا لدى مرضى هذا الاضطراب، أمَّا وتيرة الاحتياجات والرغبات العاطفيَّة والجنسيَّة طبيعيَّة لديهم مثل أي شخص غير مصاب، بينما التخيُّلات الجنسيَّة والأفكار بهذا الصدد تكون طبيعيَّة في الغالب، باستثناء حالات نادرة تعتريها بعض الهواجس والخيالات غير السويَّة أحيانًا.
تتطلَّب الحياة الجنسيَّة السليمة القدرة على التفاعل مع (الزوج/الزوجة)، وفهم الرغبات الجنسيَّة والاحتياجات العاطفيَّة، بالإضافة إلى مستويات عالية من الثقة، والحدّ الأدنى من المعرفة الطبيَّة بالأعضاء الجنسيَّة ووظيفتها، وحيث إنّنا نوّهنا إلى أنَّ النشاط الجنسي هو الذي يتأثَّر عند مرضى هذا الاضطراب، بينما الرغبات والاحتياجات تكون طبيعيَّة لديهم في غالب الأحيان، لكن ينبغي الإشارة أيضًا إلى وجود حالات متقدّمة الأعراض من مرضى هذا الاضطراب يعانون من اضطرابات في الوظائف الإدراكيَّة والمعرفيَّة والعاطفيَّة على صعيد الدماغ، ما يجعلهم يعانون من نوبات من الأوهام والهلاوس والكلام غير المفهوم والسلوك غير المنتظم، وتكون لديهم صعوبة في التعرُّف على أجسادهم بما فيها الأعضاء الجنسيَّة أيضًا، لذلك حتى لو كانت الرغبات والاحتياجات طبيعيَّة لديهم، لكنّ الأعراض السابقة ستترافق حتمًا مع صعوبات في الأداء الجنسي بالإضافة إلى التفاعل النفسي مع (الزوج/الزوجة)، وهذا ما يُسبِّب النقصان وعدم الرضا في العلاقة بين الطرفين.
غالبًا ما تظهر مشكلات مثل العجز الجنسي أو فرط النشاط الجنسي عند هؤلاء المرضى، وذلك ما يجعل المريض في حالة هيجان وقلق على علاقته مع (الزوج/الزوجة)، ويسعى بشكلٍ كبير لطلب المشورة الطبيَّة والتدخُّل النفسي السليم، وهذا يتجلَّى على نحوٍ أكبر في المجتمعات التي تنظِّم حملات توعية نفسيَّة وجنسيَّة وإنجابيَّة دائمة، وهذا ما نحاول أن نقوم به في منصِّتنا هنا في مجتمعنا العربي، حيث إنَّ مستويات التوعية السابقة هنا تجعل (زوج/زوجة) المريض أو عائلته يضعون في اعتباراتهم أهميَّة التدخّل الفوري في حياة المريض، حتّى لو كانت الأعراض الشائعة كامنة والذي يتسيّد المشهد هو القلق المرضي على استدامة العلاقة الحميميَّة مع (الزوج/الزوجة).
في ثمانينات القرن الماضي، لُوحظ من الدارسين، أنَّ الأشخاص الذين يُشخَّصون بأمراض عقليَّة كانوا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المنقولة بالجنس، بما في ذلك فيروس نقص المناعة المُكتسب، وهذا يُسقَط على الذُّهان أيضًا، حيث إنَّ نسبة من مرضى الذُّهان قد يُظهِرون حالات تهوّر وسلوكيَّات غير منضبطة جنسيًّا خارج منظومة العلاقة الزوجيَّة، وهذا ما يجعلهم عرضة أكثر من غيرهم للأمراض التي تُصاحب هذه السلوكيَّات الجنسيَّة غير السويَّة.
أظهرت العديد من الدراسات كذلك، أنَّ أكثر من ربع مرضى الذُّهان قد يواجهون تحيُّزًا سلبيًّا من المجتمع عند محاولة بناء علاقة عاطفيَّة سليمة، حيث إنَّ العزلة الاجتماعيَّة لديهم ومشاعر عدم الثقة بالنفس، تُقلِّل من اندماجهم مع الآخرين، وتُقلِّل من فرصهم في بناء علاقة عاطفيَّة صحيَّة، وبالنسبة لهم فهم يعانون من خوفٍ دائم من احتماليَّة الرفض العاطفي من (الزوج/الزوجة)، لذلك يتجنَّبون الإفصاح عن مشاعرهم وينسحبون لعزلةٍ طويلة مع الذات، وهنا يأتي الدور الفاعل للتوعية بالصحَّة الجنسيَّة والنفسيَّة لأصحاب هذه الأنواع من الاضطرابات، فمثلما يكون هدف الطبيب النفسي والمعالج السلوكي تحسين نظرة هؤلاء المرضى لذواتهم، يأتي دور التوعية المجتمعيَّة في استيعابهم واحتوائهم وعدم وصمهم وتجنُّب التعامل السلبي معهم، كي يستطيعوا الاندماج في المجتمع، وبناء علاقات سويَّة، وبالتالي إدارة الاضطراب بطريقةٍ سليمة إلى جانب الدواء.