كيف أتعامل مع أزمة منتصف العمر عند زوجي؟
- سمات مرحلة أزمة منتصف العمر
- في حال لاحظت واحدة أو أكثر من هذه العلامات على زوجك، وشعرت أنَّه يمرُّ بأزمة منتصف العمر، كيف يمكنك التعامل معه، وعبور هذه المرحلة من علاقتكما بسلام؟
جرت العادات الاجتماعيَّة على تسمية أي اختلاف واضح في السلوكيَّات والاتِّجاهات والقرارات لدى الراشدين على أنَّه أزمة منتصف العمر، فهل هذه الأزمة فكرة حقيقيَّة أم مجرد اعتقاد اجتماعي شائع بلا أيّ أساسٍ علمي؟
توضح الأبحاث، أنَّ الرجال والسيِّدات على السواء عرضة للمرور بأزمة منتصف العمر، وأنَّها عادة ما تكون في المرحلة العمريَّة بين الأربعين والستين.
سمات مرحلة أزمة منتصف العمر:
- الشعور بالندم على الفرص الضائعة والقرارات المتأخِّرة، لوم الذات، والشعور بخيبة الأمل في النفس: هذه الأفكار قد تؤدِّي للشعور بالاكتئاب وتقليل مشاعر الرضا عن الحياة الراهنة، كما أنَّها قد تؤثِّر على جودة النوم وآداء المهام اليوميَّة والمسؤوليَّات الأسريَّة بنفس الكفاءة والروح المرحة.
- التردُّد في اتِّخاذ القرارات: وذلك نظرًا لعدم التأكُّد ممَّا إذا كانت القرارات السابقة صائبة ويجب الحذو على نفس الطريق، أم أنَّها قرارات خاطئة ويحتاج الفرد لتصحيح مساره بشأن أولويَّاته وطريقته في اتِّخاذ القرارات.
- الميل للخيارات الشبابيَّة: في محاولة لاستعادة الفرص القديمة الضائعة، والتأكيد على أنَّ الوقت المناسب لم يفت بعد، وأنَّ هناك في العمر فرصة لإعادة خيارات الشباب والاستمرار في هذه المرحلة أطول وقت ممكن.
- اهتزاز الثقة بالنَّفس: يصحبه قرارات قد تبدو أنانيَّة، مثل تكريس مزيد من الوقت للنفس، لممارسة الرياضة، للتسوُّق، للمبالغة في التأنُّق أو الاهتمام بالمظهر، ولكن غالبًا ما تكون الرسالة الضمنيَّة التي يرسلها الشخص لنفسه، هي أنَّه جيِّد، وجميل، ومقبول.
- التراجع في العلاقات الاجتماعيَّة والزوجيَّة: غالبًا ما تكون هذه المرحلة مكبَّلة بالمسؤوليَّات والالتزامات الأسريَّة والاجتماعيَّة، الأمر الذي يبدو مزعجا إذا ما قورن بخيارات الشباب الحرَّة والمتحرِّرة من المسؤوليَّات، لذا يبدو أحيانًا الهرب والانزواء عن العلاقات المتطلِّبة خيارًا لا بأس به.
- النوستالجيا والتفكير في الماضي: يقضي الفرد وقتًا طويلا في مراجعة مراحل عمره المختلفة، وقراراته، وكثيرا ما يجرفه الحنين لأيَّام الحريَّة والانطلاق والحفلات والرحلات والمغامرات، وقد يشعر بأنَّه ظلم نفسه بوجوده في منظومة الأسرة التي تغرقه بالمهام وتكبِّله بالمسؤوليَّات.
في حال لاحظت واحدة أو أكثر من هذه العلامات على زوجك، وشعرت أنَّه يمرُّ بأزمة منتصف العمر، كيف يمكنك التعامل معه، وعبور هذه المرحلة من علاقتكما بسلام؟
- تفهُّم وإقرار مشاعره: مهما بدت تصرُّفات الزوج ومشاعره ضاغطة أو مستفزِّة بالنسبة للزوجة، فهناك شيئان مؤكَّدان، الأول إنَّها ضاغطة بشكل أكبر بالنسبة له نفسيًّا وذهنيًّا، والثاني: أنَّه لا جدوى من مقاومة وإنكار ورفض الوضع الراهن بالحدَّة والاعتراض والعراك. والأفضل في هذه الحالة تفهُّم مشاعر الزوج واستيعابها، هذا الأمر من شأنه تقريب المسافة بين الزوجين، والحفاظ على هدوء علاقتهما بقدر الإمكان.
- التحلِّي بالصبر: على الرغم من إنَّها قد تكون مرحلة صعبة أمام المسؤوليَّات الزوجيَّة المشتركة والقرارات المصيريَّة المنتظرة، إلا أنَّه يجب التحلِّي بالصبر وتقديم الدعم والمساندة، فالوجه الهارب من المسؤوليَّة ظاهريًّا، غالبا ما يبطِّنه مشاعر سيِّئة ومهزوزة تجاه الذات، والإحساس بالذنب تجاه الأسرة.
- الاهتمام بالاستثمار في العلاقة: سيكون من المفيد أن يشعر الزوج أنَّه ما زال مقبولًا ومرغوبًا ومحتفظًا بمكانته النفسيَّة والعاطفيَّة لدى زوجته، لذا يجب الاستثمار في العلاقة بتخصيص وقت بجودة وتفرُّغ تام للزوجين فقط معًا، مثل قضاء عطلة مشتركة كل فترة، أو ترتيب عشاء خاصّ لهما بدون الأطفال، أو تخصيص وقت يومي بعيدًا عن ضغط الروتين لتبادل الأخبار والحديث عن المشاعر والأفكار الشخصيَّة.
- إظهار الامتنان والتقدير: كما ذكرنا فإنَّ انخفاض الثقة بالنفس، والتشكُّك في القرارات هي واحدة من سمات هذه المرحلة، لذا فإنَّ الزوج يكون بحاجة لتأكيد أكبر على الثقة في قراراته، والامتنان لتضحياته وخطواته المبذولة من أجل راحة أسرته. التصرُّفات التي كانت لتبدو عاديَّة وبديهيَّة في الظروف العاديَّة، ربما في هذه المرحلة تحتاج لمزيد من الانتباه والذكر وإظهار الشكر والامتنان والتقدير عليها.
- عدم اقتحام خصوصيَّة الزوج ومساحته: ترتبط أزمة منتصف العمر اجتماعيًّا لدى قطاعات كبيرة، بمحاولات الرجل إعادة إحياء تجاربه النسائيَّة والعاطفيَّة القديمة. من ناحية ليؤكِّد لنفسه أنَّه ما زال شابًّا قادرًا ومرغوبًا، ومن ناحية أخرى ليخلق لنفسه مساحة هروب وإنكار لأدواره ومسؤوليَّاته المتراكمة كزوج وأب ورب أسرة. تقع الزوجات في فخِّ التجسُّس والملاحقة الدقيقة لأنفاس الزوج، واتِّصالاته، وعلاقاته، وحتى أحاديثه العابرة مع أصدقائه. كل هذه الملاحقة والتقليص المتعمَّد لمساحة الزوج الشخصيَّة له مردود عكسي، بل ومؤذٍ للعلاقة. فمن الحكمة أن تترك الزوجه لزوجها مساحة من الخصوصيَّة وتزوّده بالثقة للحفاظ على حدود صحيَّة لعلاقتهما.
- فهم طبيعة المرحلة: سيكون من المريح للزوجة أن تتفهَّم هي نفسها طبيعة المرحلة التي يمرُّ بها زوجها، وسمات هذه الفترة. هذا الفهم يساعدها في التعامل مع الأمر بموضوعيَّة، وعدم اعتباره موقفًا شخصيًّا منها، أو رفضًا وابتعادًا عنها.
- المشاركة والمجاراة إذا لزم الأمر: تحدَّثنا عن ميل الزوج أحيانًا لخيارات شبابيَّة غير متوقَّعة في هذه المرحلة، لا بأس أبدا من أن تقوم الزوجة بتشجيع زوجها ومجاراته ومشاركته في بعض الخيارات التي قد تبدو بالنسبة لها مجنونة أو غريبة، فخوضهما معا هذه التجارب المشتركة يعزِّز من عمق وثبات وتجذُّر العلاقات الزوجيَّة.
- حماية النفس والحفاظ على الحدود: بينما يمرُّ الزوج بتغيُّرات محوريَّة في شخصيّته وطريقة تفكيره، قد تصبح الزوجة في مهبِّ الريح، تجد نفسها مضطرة لتقديم مزيد من التنازلات والتضحيات، وتحمُّل المسؤوليَّات عن الزوج الذي يعاني من الغضب والرغبة العارمة في الهروب. إذا لم تكن الزوجة واعية تمامًا ومنتبهة لطبيعة التضحيات التي تقدِّمها قد تصبح ضحيَّة لهذا التغيير، وعوضًا عن اعتقادها بأنها تتحمَّل حتى تمرّ الموجة العالية بسلام، فإنَّها تغرق. لذا من المهمّ أن تحافظ الزوجة على حدودها، وأن تدير مع الزوج حديثًا صحيًّا واضحًا وشفّافًا حول المسؤوليَّات في الأسرة، وأن تعطي نفسها وقتًا كافيًا للاهتمام بالنفس، حتى تستطيع توفير طاقة تكفي لرعاية أسرتها.
- طلب المساعدة: في حال كانت هناك تغييرات أكبر من القدرة على التأقلم، وتؤثِّر بشكل واضح ومزعج على الحياة المشتركة وجريانها ومسؤوليَّاتها، فلا بأس أبدًا من طلب المساعدة النفسيَّة المتخصِّصة، سواء بطلب الإرشاد الزوجي، الذي يوجِّه ويعلِّم الزوجين عن الفترة الراهنة والتعامل مع تحدّياتها، أو بطلب مساعدة من متخصِّص لمتابعة حالات القلق والاكتئاب التي قد تتزامن مع أزمة منتصف العمر.
وسواء كانت التغييرات التي يمرُّ بها الأشخاص عبر مراحل أعمارهم المختلفة تندرج تحت مسمَّى “أزمة منتصف العمر” أم لا، فإنَّه لا مفرّ من تقبُّل أنَّ الإنسان يتغيَّر على مدار عمره مرَّات كثيرة، وأنَّ التجارب والخبرات والمسؤوليَّات لا تترك الإنسان كما وجدته، بل تعيد تشكُّله وتكوّنه طوال الوقت، ليصبح نسخة أكثر نضجًا ومسؤوليَّة وحكمة من سابقتها، وعلى الزوجين في هذه الرحلة، أن يكونا سندا بعضهما البعض، وأن يوفِّرا الدَّعم والتقبُّل والتفهُّم في المقام الأوَّل، لأنَّ هذه هي غاية الزواج الأولى؛ السَّكَن.