عمليَّة تأجير الأرحام؛ بين المنافع والمخاطر

تُعدُّ تجربة الأُمّومة والأبوة من أكثر التجارب الإنسانيَّة خصوصيَّة وحساسيَّة وقربًا إلى النفس، وفي ظل المصاعب الإنجابيَّة التي قد يعاني منها الكثير من الآباء والأُمّهات، يبذل الكثيرون منهم الغالي والنفيس من أجل تحقيق هذا الحلم، من أجل ترك أثرهم وبصمتهم في هذه الحياة، تُعدُّ عمليَّة تأجير الأرحام أو الأُمّ البديلة إحدى الوسائل التي لاقت رواجًا خلال الآونة الأخيرة، لهذا السبب سعينا للحديث مع قرَّائنا عنها بشيءٍ من التفصيل والتوضيح، لتسليط الضوء على كافَّة ما يتعلَّق بها من منظورٍ طبِّي، دون التطرُّق إلى حكم تأجير الرَّحم أو أي جوانب دينيَّة أو أخلاقيَّة.

ما المقصود بعمليَّة تأجير الأرحام؟

عمليَّة تأجير الأرحام (بالإنجليزيَّة: surrogate) هي إحدى الإجراءات الطبيَّة التي قد يلجأ لها الآباء من أجل تكوين أسرة، وخاصَّةً في حالة مواجهة صعوباتٍ في الإنجاب، وقد لاقت العمليَّة رواجاً كبيرًا على مدار العقود الماضية، إذا ساهمت في مساعدة مئات العائلات على الإنجاب بنجاح، (1) ففي الولايات المتَّحدة يُولد سنويًّا ما يقرب من 70 طفلًا تقريبًا باستخدام تقنية تأجير الأرحام. (2)

ما أنواع عمليَّة تأجير الأرحَام؟

تنقسم عمليَّة تأجير الأرحام بمفهومها الواسع إلى نوعين، وعادةً ما يفاضل الأطبَّاء والوالدان ما بين النوعين وفقًا للعديد من الاشتراطات والقيود الطبيَّة والمُجتمعيَّة والقانونيَّة، ويشمل هذان النوعان: (2)

أولًا – تقنية الأم البيولوجيَّة:

تقنية الأم البيولوجيَّة (بالإنجليزيَّة: The biological mother) هي إحدى تقنيات تأجير الأرحام التي تعتمد على جمع الحيوانات المنويَّة من الأب، ومن ثمَّ حقن الحيوان المنوي للأب داخل رحم الأُمّ البديلة، ممَّا يساهم في تخصيب إحدى بويضات الأُمّ وحدوث الحمل، وبمجرَّد مرور فترة الحمل وولادة الطفل، يُفصَل عن الأُمّ البيولوجيَّة للزوجين (الأب الحقيقي والزوجة)، وتختلف الإجراءات اللاحقة تبعًا للقوانين التي تفرضها البلاد.

ثانيًا – تقنية التلقيح خارج الرَّحم:

تعتمد تقنية التلقيح خارج الرَّحم على إجراء التلقيح الصناعي بين الحيوان المنوي للأب وبويضة الأُمّ في المُختبر، وهي التقنية المعروفة باسم: (In Vitro Fertilization IVF)، وعادةً ما يقوم الأطبَّاء في البداية بانتزاع البويضات والحيوانات المنويَّة من الوالدين، تحت إجراءاتٍ مخبريَّة دقيقة، قبل البدء بتخصيبها، من أجل ضمان نجاح عمليَّة التخصيب.

بعد نجاح عمليَّة التخصيب وحدوث الحمل، تقوم الأُمّ البديلة باتِّباع الإجراءات الطبيَّة المنصوص عليها من قبل الأطبَّاء حتى الوصول إلى لحظة الولادة، وبعد ولادة الطفل يقوم المختصُّون والهيئات المعنيَّة بتسليمه إلى الأبوين، وتختلف تفاصيل إجراءات هذه الخطوة تبعًا للقوانين التي تفرضها البلاد.

ما مزاياها؟

وتتميَّز عمليَّة تأجير الرَّحم باستخدام تقنية التلقيح في المختبر بأنَّ الأُمّ البديلة لا تحمل أي روابط بيولوجيَّة أو وراثيَّة مع الطفل المولود، حيث تُنسب جينات الطفل بنسبة 100% إلى الأبوين أصحاب البويضة والحيوان المنوي، ممَّا يعني أنَّ الصفات التي يحملها المولود تظل مُقتصرةً على سمات الأُمّ والأب فقط.

ما أسباب اللجوء إلى عمليَّة تأجير الأرحَام؟

تتمثَّل أسباب اللجوء لعمليَّة تأجير الأرحام في مواجهة مصاعب في الإنجاب، وتشمل أبرز تلك المصاعب ما يلي: (3)

1. مشاكل الرَّحم: عادةً ما يلجأ الوالدان إلى تأجير الرَّحم في حالة مواجهة الزوجة أو الأُمّ مشكلةً صحيَّة في الرَّحم تمنعها من الإنجاب.
2. الحالات المرضيَّة: قد تعاني بعض السيِّدات من حالاتٍ مرضيَّة أو نفسيَّة خطيرة تقف عائقًا دون إمكانيَّة إنجابها لطفلٍ سليم دون تعريض حياته أو حياتها للخطر.
3. حالات استئصال الرَّحم: عادةً ما تلجأ الأسر لاستئجار الرَّحم في حال خضوع الأُمّ لعمليَّة استئصال الرَّحم، أو في حال معاناتها من تشوُّهات في الرَّحم.

اقرأ أيضًا: ما هو العقم وما هو علاجه؟

ما سبل نجاح عمليَّة تأجير الأرحام؟

تتمثَّل أهمّ سبل إنجاح عمليَّة تأجير الأرحام في إيجاد الرَّحم المثالي لإجراء العمليَّة، وتتَّسم الأُمّ صاحبة الرَّحم المثالي بالصفات التالية: (3)

1. أن يتراوح عمرها ما بين 21 إلى40عامًا، ويفضَّل أن يكون أقل من 35 عامًا.
2. أن تكون ممَّن سبق لهنَّ الإنجاب مرَّة واحدة على الأقل دون مُضاعفات.
3. أن تتمتَّع بوزنٍ صحِّي وحالةٍ صحيَّة جيِّدة عمومًا دون أمراض خطيرة.
4. أن لا يسبق لها الخضوع لعمليَّة ولادةٍ قيصريَّة لأكثر من 3 مرَّات.

وتوصي الجمعيَّة الأُمّريكيَّة للطبِّ التناسلي بإجراء العديد من الفحوصات الطبيَّة قبل الموافقة على بدء خطوات العمليَّة، مثل التأكُّد من عدم وجود حمل حالي، والتأكُّد من الأُمّراض المعدية مثل الزهري، والسيلان، والكلاميديا. (2)

كذلك توصي الجمعيَّة التأكُّد من سلامة الأُمّ من فيروس نقص المناعة البشريَّة، والفيروس المضخّم للخلايا، والتهاب الكبد الوبائي B والتهاب الكبد C، بالإضافة إلى التأكُّد من مناعة الأُمّ تجاه الحصبة، والحصبة الألمانيَّة، وجدري الماء. (2)

ما مخاطر عمليَّة تأجير الأرحام؟

على الرغم من الفائدة الكبيرة التي توفِّرها تقنيات تأجير الأرحام، والتي تتمثَّل في المساعدة على إنجاب الأطفال وتكوين عائلة، إلا أنَّها تتضمَّن عددًا من المخاطر التي يتوجَّب الانتباه لها وخاصَّةً من قِبل الأُمّ البديلة، وهي تشمل: (3)

1. مخاطر إجهاض الحمل: ففي بعض الأحيان قد تبوء تجربة الحمل عبر تأجير الرَّحم بالفشل، وهو ما قد يترتب عليه الكثير من الخسائر الماديَّة والآثار النفسيَّة السيِّئة على الوالدين والأُمّ البديلة.
2. مخاطر مضاعفات الحمل: من المُمكن تعرُّض الأُمّ البديلة لكافة مخاطر الحمل المحتملة، حالها كحال جميع الأُمّهات، ومن أشهرها: ارتفاع ضغط الدم، الإصابة بسكَّري الحمل، الإصابة بالالتهابات.
3. الارتباط بالطفل بعد الولادة: قد تعاني بعض الأُمّهات البديلات من صعوبة الانفصال عن الطفل بعد الولادة، نتيجةً لمشاعر فطريَّة لا تملك  السيطرة عليها، الأُمّر الذي قد يستوجب الحصول على خدمات الدعم النفسي. 

كم تبلغ تكلفة عمليَّة تأجير الأرحام؟

تندرج عمليَّة تأجير الرَّحم ضمن الإجراءات الطبيَّة المكلفة نسبيًّا، وتختلف تكلفتها وفقًا للعديد من العوامل، ويمكن أن تشمل التكاليف الرسوم القانونيَّة، والنفقات الطبيَّة، ونفقاتٍ أخرى متنوِّعة، وعادةً ما تتراوح تكلفة عمليَّة تأجير الرَّحم ما بين 60 ألف دولار إلى 150 ألف دولار أمريكي تقريبًا. (4)