كيف يمكن إدارة الغضب في الخلافات الزوجيَّة؟
- ما هي أنواع الغضب في العلاقات الزوجيَّة؟
- هل الغضب ممنوع؟
- خطوات عمليَّة لإدارة الغضب أثناء الخلافات الزوجيَّة
لا يخلو بيت ولا علاقة بين متزوجين من مشادَّات هنا وهناك، وصراعات ونزاعات كبيرة أو صغيرة، لكن يأتي الغضب غالبًا ليزيد الطين بلّة كما يقول المثل الشهير، أو ليحوِّل النزاع العادي إلى مشاعر متراكمة وعدائيَّة بين الطرفين، وحساسيَّة أكبر في الكلام والأفعال، فعوضًا عن تركيزهما على حلِّ موضوع الخلاف، يصبح أسلوب الخلاف هو الأزمة، بل وجزءًا من المشكلة، الأمر الذي يغيِّر المعادلة تماما.
واحدة من أهمِّ الدروس والتحدِّيات التي يعلِّمها الزواج للإنسان هي السيطرة على اندفاعاته وعلى انفجار مشاعره، وترويضها من أجل الحفاظ على الزواج كبناء متلاحم وصحِّي وآمن. غالبًا ما يكون الغضب هو تراكم لمجموعة أخرى من المشاعر التي يعجز الإنسان عن التعبير عنها والتعامل معها، مثل الإحباط، أو خيبة الأمل أو الخذلان أو حتى اختلاف الشخصيات وما يتبع ذلك من اختلاف التوقُّعات وطرق التعبير عن المشاعر، واختلاف الدوافع والأولويَّات والخلفيَّات الاجتماعيَّة والثقافيَّة. فهل الغضب نوع واحد أم أنواع مختلفة؟ وكيف يمكن التحكُّم والسيطرة على الغضب ومنعه من تدمير العلاقات الزوجيَّة، وتحويله أو تحييده للتركيز على حلِّ الخلافات والمشكلات الحقيقيَّة؟
ما هي أنواع الغضب في العلاقات الزوجيَّة؟
- الغضب بوصفه شعورًا ثانويًّا: كثيرًا ما يكون الغضب هو شعور تابع لشعور ابتدائي أساسي سابق عليه، فقد يكون نابعًا من مشاعر الخوف أو عدم الإحساس بالأمان، وقد يكون الشعور الابتدائي هو الإرهاق والإجهاد، أو الإحباط أو الخزي. حتى أحيانا يظهر الغضب كحائط صدّ ودفاع عن النفس ضدّ اتهامات أو توقُّعات أو متطلَّبات الآخر، أو غيرها من المشاعر الابتدائيَّة التي تولِّد بدورها الغضب لدى الإنسان. لذا من المهمّ أن يتابع الإنسان نفسه ويتعرَّف على المشاعر الابتدائيَّة التي غالبًا ما تفجِّر مشاعر الغضب لديه وتزيد منها، ويعمل أوَّلاً على علاج أسباب المشاعر الأوَّليَّة.
- الغضب من التفاصيل اليوميَّة: وهو ما يتمثَّل في روتين الحياة التقليدي بين الزوجين، والذي قد يشعل بعض العراكات الهامشيَّة، مثل أعمال المنزل والمساعدة فيها، أدوار الطرفين في رعاية الأبناء، الاهتمام بالعائلة الكبيرة، متابعة الميزانيَّة والالتزام بالخطط الماديَّة، والكثير الكثير من التفاصيل التي تستدعي الغضب والشجار العابر.
- الغضب الناتج عن صراع: بعد سنوات من الزواج من السهل أن تتحوَّل التفاصيل اليوميَّة السابق ذكرها إلىى صراع وغضب متحرِّك يَسري في العلاقة بين الزوجين، ويتعدّى كونه غضبًا على هامش اليوم ليصبح خطًّا من الغضب الموازي للعلاقة.
- الغضب الناتج عن ضغوطات الحياة: السَير اليومي للحياة بما يَحمله من تحدّيات في العمل أو المنزل أو رعاية الأطفال أو التقدُّم في مسيرة العمل، وغيرها، كل هذه التحدّيات التي يقابلها الزوجان في حياتهما الزوجيَّة تمثِّل ضغطًا، وكلَّما زاد هذا الضغط بدون تعامل صحِّي معه، يتحوَّل بسهولة إلى غضب وعصبيَّة، وارتفاع في درجات التوتُّر والصراع والنزاع اليومي.
- الغضب الناتج عن العجز النفسي: قد لا يكون الزوجان هما السبب في غضب بعضهما البعض، بل قد يكون الغضب عند أحدهما في الأساس موجَّه إلى نَفسِه، ولكنه يُسقطه على الآخر، أو يُفجِّره في موضوع آخر عديم الصلة، ويكون الطرف الآخر هنا هو ضحيَّة غير مَعنيَّة بهذه المشاعر، التي تنجم في الحقيقة عن صراع الإنسان مع نفسه، وعجزه عن الخروج من منطقة نفسيَّة سلبيَّة يسكنها لأي سبب، وفي هذه الحالة فإنَّ استشارة متخصِّص نفسي من شأنها أن تساعد جدًّا في التعامل مع الغضب من منبعه.
هل الغضب ممنوع؟
هذا سؤال في غاية الأهمِّيَّة، فالغضب مثل باقي المشاعر هو أحد الحالات الشعوريَّة التي يعيشها الإنسان، وهو شعور طبيعي وصحِّي مثل غيره من المشاعر. فلا يجب على الإنسان أن يلوم نفسه أو يسمح لأحد أن يلومه لأنَّه يشعر بالغضب، إذ لا يجب أن تكون المشاعر أبدًا موضعًا للتشكيك أو الإحساس بالعار أو الذنب. ولكن ما نتحدَّث عنه هنا هو طريقة التعبير عن الغضب، والاستسلام له ليقود تصرُّفات الإنسان وكلماته وقراراته بل وعلاقاته بلا انضباط، فيتسبَّب في خسائر لا يمكن معالجتها، ومواقف لا يكفي معها الندم ومحاولات التراجع.
خطوات عمليَّة لإدارة الغضب أثناء الخلافات الزوجيَّة
- التعبير عن المشاعر أوَّلا بأوَّل: معظم نوبات الغضب تكون نتيجة لمشاعر سلبيَّة متراكمة، لم يتم الانتباه لها، ولا الحديث عنها، ولا التعبير عن وجودها، تتجمَّع الإحباطات وخيبات الأمل الصغيرة حتى تنفجر في نوبة غضب ربما لأتفه الأسباب، فتحدث الصدمة، إنَّ حجم الغضب والثورة لا يتناسبان مع حجم الموقف ولا المشكلة. لهذا السبب ينصح استشاريّو الزواج بالتعبير عن مشاعر الإحباط أوّلاً بأوَّل، وألا يسمح الزوجان بتراكم المشاعر السلبيَّة داخلهما دون التعبير عنها، لأنَّهما في هذه الحالة يتحوَّلان إلى ما يشبه البالون الذي يمتلئ بشدَّة فيسهل انفجاره لأبسط شكّة إبرة. والأفضل هو أن يتخيَّر كل منهما الوقت المناسب في نهاية اليوم لمشاركة مشاعره مع الآخر، والتعبير عن إحباطه وسبب هذا الشعور. التخلُّص اليومي من المشاعر السلبيَّة يقلِّل من تراكمها وتحوُّلها إلى غضب لا يمكن احتواؤه.
- الانسحاب وتأجيل النقاش: ربما يكون من المفيد عند الشعور بسيطرة الغضب على الوضع أن ينسحب الشخص ولو لدقائق معدودة، لأخذ نفس عميق، أو إعادة ترتيب الأفكار، أو التأكُّد من نوع المشاعر التي يمرُّ بها، ثمَّ العودة بعدها مع محاولة النقاش بهدوء، ومحاولة إيصال وجهة النظر والتعبير عن الأفكار والمشاعر بشكل أكثر اتِّزانًا.
- فرصة للاستماع: ربما يكون هذا التكنيك صعبًا في مواقف الصراعات الحامية، ولكن ينصح بأخذ نفس عميق ومحاولة سماع الأمر من منظور الطرف الآخر، وتفهُّم الموقف من زاوية غير التي نقف فيها. هذا الأمر يساعد على عقلنة الموقف، وتفهُّم أنَّ الزوجين تحت نفس السقف من الوارد جدا أن يرى كل منهما الموضوعات بشكل مختلف، ويتصرَّف بناء على رؤيته. هذا الاستماع العاقل من شأنه أن يمهِّد لنقاش أكثر هدوءًا وتفهُّمًا وتقديرًا للآخر.
- عدم الهروب: هناك فرق كبير بين إدارة الغضب والهروب منه، أحيانا يختار الإنسان أن يهرب من مشاعره ويدفنها في أيِّ شكلٍ آخر، مثل العمل أو الطعام أو العلاقات الاجتماعيَّة أو غيرها من المسكِّنات التي تستخدم للإلهاء. ولكن الحقيقة أنَّه لا أحد يستطيع أن يتعامل مع الغضب إلا الإنسان نفسه، هو وحده القادر على التواصل مع ذاته والوصول لتكنيكات تساعده على الهدوء واستعادة زمام الأمور، وتفنيد الأفكار والمشاعر بهدوء. قد يكون التكنيك هو تمرينات للتنفُّس أو الاسترخاء، أو المشي الطويل، أو أخذ حمام بارد، أو صلاة هادئة، أو مشروب مهدِّئ، أو الفضفضة مع صديق. كلّ هذه مجرد وسائل وكل شخص هو الأقدر على تحديد المناسب له ولطبيعة غضبه.
- الاتِّفاق على حلٍّ واضح للخلافات الصغيرة: بعض الأشخاص يكونون أكثر من غيرهم قابليَّة للاستثارة السريعة في المواقف الصغيرة مهما تكرَّرت، والبعض يكون لديه نقاط ضعف من السهل أن تستنفره وتستفزّه. فمثلا النظافة قد تكون نقطة ضعف لدى بعض الزوجات، والالتزام بالميزانيَّة الشهريَّة قد يكون موضوعًا مثيرًا للغضب لدى بعض الأزواج، فمن الأفضل في مثل هذه التفاصيل المتكرِّرة أن يوضَع قانون أو قاعدة يتَّفق عليها الزوجان معا، ويرجعان إليها عند الخلاف، ويحسمان الجدل فيها في منطقة وسطى تُرضي الطرفين، فيقلُّ النزاع اليومي بشأنها.
- تعلُّم تكنيكات الاسترخاء والتأمُّل: بعض التمرينات اليوميَّة البسيطة قد تكون فعَّالة جدا في تخفيض الضغط والتوتُّر، والمساعدة على التحكُّم في الأعصاب، يمكن قراءة المزيد عن تمارين الاسترخاء، أو تمرينات التأمُّل، كما أنَّه من المفيد أيضا ممارسة بعض الرياضات التي تقلِّل التوتُّر العصبي، مثل اليوغا، والجري، وغيرهما.
- التغافل ما أمكن: لا يوجد شخصان متطابقين، كما أنَّه ليس بالإمكان لشخص أن يبرمج الآخر على توقّعاته والطريقة التي يحبّها في كل شيء، لذا فإنَّ العلاقات الزوجيَّة بحاجة لمساحات واسعة من التغافل والتجاهل والهدوء ما أمكن. إذا ازداد شعور الغضب أو أصبح على الحافَّة، يمكنك طرح السؤال: هل يمكن تجاهل هذا الأمر؟ إذا كانت الإجابة بنعم، ولم تكن النتائج المترتِّبة عليه معضلة ومعقَّدة، فالأفضل دائما هو أن يمرِّن الإنسان نفسه على المسامحة واتِّساع الصدر، خاصَّة إذا كانت في علاقة بديمومة وقدسيَّة وأهميَّة الزواج.
- اللُّجوء إلى متخصِّص في الاستشارات الزوجيَّة: وهو حلّ فعَّال غالبًا لحالات الغضب المتفجِّرة، والتي تراكمت عبر سنوات، والتي قد تكون أحدثت شرخًا في العلاقة يُصعب على كل طرف التعامل مع الآخر، أو التغافل عن أخطائه الصغيرة، وتصل بالتواصل بينهما إلى حائط مسدود. في هذه الحالة يساعد الاستشاري الزواجي في تعليمهما تكنيكات جديدة للتعرُّف على أسباب الغضب، والتعامل معها أوّلاً بأول، وطرق وتكنيكات لإدارة الغضب، ويرشدهما إلى الطرق المناسبة للتعامل مع المشاعر والأفكار التلقائيَّة، ويساعدهما في تحسين جودة التواصل بينهما.