هل تُدمِّر التعليقات النقديَّة الحياة الزوجيَّة؟

اقرأ في هذا المقال
  • الفرق بين النقد والشخصيَّة النقديَّة
  • أنواع النقد
  • تأثير النقد على الحياة الزوجيَّة
  • كيف يُمكن التعامل مع النقد الهدَّام في العلاقة؟

يُشجِّع الباحثون ومتخصِّصو العلاقات الزوجيَّة المتزوّجين طوال الوقت على الحوار، وعلى التعبير عن أنفسهم، وعلى مشاركة مشاعرهم وأفكارهم من أجل تواصل صحِّي، وتفاهم بشكل أفضل. ولكن عندما يأتي الأمر لملاحظات أو تعليقات على شيء سلبي، فإنَّ الأمر الذي يبدو حوارًا يوميًّا بسيطًا، قد يتحوَّل وفقًا للغة الحوار وسياقها وتكرارها إلى جرعة دواء يوميَّة، وبالتالي يختلف تأثيرها ما بين الإصلاح والتطوير وحلِّ المشكلة، وما بين زيادة الفجوة بين الزوجين، وتعقيد التواصل بينهما. فماذا لو كان أحد الزوجين يتميَّز بشخصيَّة نقديَّة؟ ما تأثير طبيعة الشخصيَّة النقديَّة على العلاقة؟ ومتى يكون النقد إيجابيًّا ومقبولًا ومفيدًا للعلاقة، ومتى يكون هدَّامًا لنفسيَّة الطرف الآخر وباعثًا على الإحباط والغضب والتوتُّر في العلاقة؟ وكيف يمكن التعامل مع وجود طرف يميل إلى استخدام النقد طوال الوقت؟ 

الفرق بين النقد والشخصيَّة النقديَّة

مبدئيًّا يجب أن نُفرِّق بين مفهومين مختلفين وهما: سلوك النقد، والذي فيه يقوم الشخص بالإشارة إلى الجوانب السلبيَّة أو المزعجة أو غير المُكتملة من الأشياء والأشخاص والأحداث، مثل الإشارة لعدم جودة طعام مُعيَّن لأنَّه ينقصه بعض الملح، أو إلى أنَّ الزوجة في العلاقة لم تهتمّ بتفصيلة معيَّنة يُحبّها الزوج، أو إلى أنَّ الزوج لم يُساعد في أحد المهام المنزليَّة كما كانت تتوقَّع زوجته، كل هذه تفاصيل، الإشارة لجوانب النقص أو القصور فيها هو ما يعتبر نقدًا.

أمَّا الشخصيَّة النقديَّة فهي أمر مختلف تمامًا، حيث تشير إلى أن الشخص يميل بطبيعته إلى تَصيُّد الأخطاء، والتركيز على الجوانب السلبيَّة في الأشياء، وترصُّد الخطأ والحديث عنه حتى لو كان صغيرًا من أجل النقد في ذاته، وليس من أجل حلِّ مشكلة ما بعينها أو إسداء النصيحة بشكل عام. 

في النقد تكون المشكلة أو الخطأ هو الموضوع، وهدف النقد هو التغيير والإصلاح. ولكن الشخصيَّة النقديَّة غالباً ما تخلط بين انتقاد الموضوع، وانتقاد الشخص القائم به، فنجده عوضًا عن الإشارة إلى خلل أو تقصير ما، يقوم بوصم الشخص المُخطئ، ولا يكتفي بتوجيه اللَّوم والعتاب له، بل قد يمتدّ الأمر لانتقاد شخصه وصفاته وطريقته في إدراة الأمور والقيام بها. 

أنواع النقد

تشير الدراسات إلى وجود نمطين من النقد:

  • نمط النقد العدائي Hostile criticism : وفيه تكون الإشارة إلى موضوع الخطأ سواء السلوك أو القول بطريقة مُشبعة بالعداء والهجوم على الشخص الآخر، بشكل يؤثِّر على ثقته بنفسه، وشعوره بالقبول والاحترام والثقة. وعادة ما يكون مصحوبًا بالشجار والصراع وردود أفعال غضب متراكبة.
  • نمط النقد غير العدائي Non-hostile criticism : يكون منصبًّا على الموضوع نفسه، وتكون الإشارة له بهدوء واتِّزان، ومع التأكيد على إظهار الحبّ والاحترام والتقدير للطرف الآخر بدون أي انتقاص من شخصهم أو تفكيرهم أو ذكائهم. هذا النمط يكون أقرب للتركيز على حلِّ المشكلات وتجاوزها فعلا، وليس مجرَّد إلقاء الأخطاء على الطرف الآخر واتّهامه بالتقصير.

تُشير الدراسات إلى أنَّ العلاقات التي يُوجَّه فيها النقد بشكل عدائيّ متكرِّر، تتزايد فيها نسب عدم الرضا الزواجيّ، ويَقلُّ تقييم جودة التواصل، والقدرة على حلِّ المشكلات. 

وهذه بعض العلامات التي تَدلُّ على استخدام النمط النقدي في العلاقة، والتي يقترحها الباحثون ويعتقدون أنَّها إذا توافرت فإن النقد الذي يستخدمه أحد الأطراف تجاه الآخر هو نقد عدائي وغير بنَّاء، وبالتالي فمن شأنه أن يترك تأثيرًا سلبيًّا كبيرًا على الزواج:

  • قيام الطرف الناقد بذكر الصفات السلبيَّة في شخصيَّة الطرف الآخر عند الحديث عن الخطأ أو موضوع النقد.
  • غضب الطرف المُنتقَد المتكرِر وبُكاؤه عندما يبدأ الطرف الناقد في توجيه مُلاحظاته، بما يعني أنَّه يتعرَّض إلى ضغط كبير ومُتكرِّر من أسلوب النقد.
  • رفض الطرف الذي يُقدِّم النقد لمناقشة ملاحظاته أو الاعتذار عن طريقته إذا حملت بعض الإهانة أو التجاوز.
  • التعبير عن النقد بصراخ وغضب واستخدام الشتائم أو الألفاظ البذيئة أثناء الحديث.
  • تعامل الطرف الناقد كقاضٍ أو حَكم يقوم بإصدار قراره أو حُكمه أو تقييمه تجاه الطرف الآخر.
  • عدم قُدرة الشخص الناقد على تحمُّل النقد في المقابل، أو تَقبُّل نصائح وملاحظات الآخرين ومقابلتها بالغضب والتبرير وإلقاء الخطأ على أيِّ شخصٍ أو سببٍ بعيد عنه.

تأثير النقد على الحياة الزوجيَّة

  1. اهتزاز الثقة بالنفس للطرف الثاني: تكرار النقد بشكل متواصل، واستخدامه كأسلوب حياة، وانقسام الزوجين لناقد ومُنتَقَد، يترك تأثيرًا كبيرًا على مدار الوقت على ثقة الطرف المُنتقَد بنفسه، وشعوره بالكفاءة والكفاية في العلاقة، وقد يجعله متشكِّكًا ومتردِّدًا في قراراته، وغير متأكِّد ممَّا يجب فعله، وما الذي سيرضي الآخر. وهذا الأمر شديد الخطورة، إذ إنَّ العلاقات يجب أن تَدعم الصفات الإيجابيَّة لأصحابها، وتدعم نموّهم ونضجهم في اتِّجاهٍ إيجابي وليس العكس.
  2. هدم الثقة بين الزوجين: لا يمكن لأحد أن يثق بطرفٍ يُوجِّه إليه اللوم والعتاب، ويشير إليه بأصابع الخطأ طوال الوقت. إذا كان أسلوب اللَّوم والنقد هو السائد بين الزوجين، فإنَّه سيؤثِّر بالتأكيد على مساحة التواصل بينهما، وتشجيع الآخر على الحكي والمصارحة بمشكلاته وتوقّعاته، وسيجعله يميل للتجنُّب والهروب من أي فرصة سيَنتهزها الطرف المُنتقِد لتقديم مُلاحظاته اللَّاذعة والمُزعجة التي تستنزف طاقة الآخر.
  3. التأثير على الحياة الجنسيَّة: لا تخلو الحياة الجنسيَّة للزوجين من أن تكون موضوعًا للنقد، وهي شديدة التأثُّر بما قد يصدره الزوج أو الزوجة من تعليقات وملاحظات سلبيَّة داخل غرفة النوم. وتؤكِّد الدراسات أنَّ الرضا عن الحياة الجنسيَّة في الزواج يتأثَّر بطبيعة ممارسة النقد بينهما، وتشير إلى أنَّ نسبة كبيرة من الذين يتعرَّضون للنقد العدائيّ يعبِّرون عن نسب أكبر من عدم الرضا الجنسيّ، سواء من الرجال أو النساء.

كيف يُمكن التعامل مع النقد الهدَّام في العلاقة؟

  • حماية الحدود: إذا كان النمط النقدي متكرِّر في العلاقة، فإنَّه يجب أن يُشار بوضوح إلى أنَّ هذا الأسلوب مُزعج ومُحبط وأنَّه غير مَقبول، خاصَّة إذا كان مصحوبًا بتجاوزات مثل الإشارة بصفات سيِّئة في الشخص أو وصمه بالغباء أو الكسل أو البرود أو غيرها. 
  • مُشاركة المشاعر: قد يكون الشخص المُنتقِد غير مُنتبِه لما يَترُكه كلامه من تأثير سلبيّ على مشاعر زوجه، لذا من المهمّ مصارحته ومشاركته بتأثيره، ولفت نظره للفجوة التي يُحدثها هذا الكلام السلبي في العلاقة وفي التواصل.
  • تقييم المشكلة ومحاولة البناء: قد تكون المُشكلة موضع الانتقاد مشكلة حقيقيَّة أو أزمة يحتاج الطرفان لتعريفها بشكل موضوعي واضح، وتحويل النقد اللاذع الهدَّام إلى استراتيجيَّات وتكنيكات واضحة للحلِّ والبناء والتغيير. وهذا الحلّ يحتاج إلى درجة عالية من الوعي من الطرفين، بأهمّيَّة التركيز على حلِّ المشكلات وليس على تغيير شخصيَّة الأزواج.
  • تقييم العلاقة: بشكل عام، علينا أن نعترف أنَّه لا يمكن لشخص أن يغيِّر شخصًا آخر، وأنَّه في الزواج على الطرفين أن يتعاملا بحبٍّ واحترام وتقبُّل بعضهما للآخر، ويتَّفِقا على العمل المشترك والاستثمار في العلاقة، ولا بد أن يكون التغيير نابعًا من صاحب المشكلة، وهذه هي الطريقة الوحيدة للنضج والتطوُّر الإيجابي. لذا من المهمِّ أن ينتبه الزوجان إلى الحدود الصحّيَّة للعلاقة، وإلَّا تحوَّلت إلى علاقة مُسيئة، يتغذَّى فيها أحد الأطراف على الصحَّة النفسيَّة والعقليَّة للطرف الآخر.

المصدر
ncbi.nlm.nih.govchoosingtherapy.compsychologytoday.com
اظهر المزيد

أية خالد

إخصائية نفسية حاصلة ليسانس الآداب قسم علم النفس بجامعة القاهرة، وعلى الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، وكاتبة محتوى مهتمة برفع الوعي بالصحة النفسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى