كيف يمكن تقديم الدعم لـ(الزوج/ الزوجة) الذي يعاني الاكتئاب؟

اقرأ في هذا المقال
  • كيف يمكن تقديم الدعم لـ(الزوج/الزوجة) الذي يعاني الاكتئاب؟ 

يعيش الأزواج معًا على السرَّاء والضرَّاء، ويتشاركان حلو الحياة ومُرّها، ولا تستقيم الحياة بينهما إلا بكثير من الرحمة والمودَّة والدعم والتقبُّل، على مدار الرحلة يحدث أن يُعاني أحد الزوجين من المرض، سواء العضوي أو النفسي، في حالة المرض العضوي، يكون من السهل على الطرف الثاني تحديد دوره، والقيام بدور الرعاية والمتابعة الصحيَّة اللازمة، ولكن في حالة المرض النفسي، يرتبك الكثير من الأزواج، وتُصيبهم الحيرة فيما يجب عليهم أن يفعلوه، وما هو الدور المُنتظر منهم؟ 

لا تَقلُّ آلام المرض النفسي أبدًا عن المرض العضوي، بل إنَّ الأطباء يقرُّون بأنَّ آلام الاكتئاب النفسيَّة أحيانا ما تفوق بعض الآلام الجسديَّة. وللأسف لا يؤثِّر المرض النفسي على صاحبه فقط، ولكنَّه يترك تأثيره على المحيطين، إذ إنَّ معظم الأمراض النفسيَّة تؤثِّر على دور الفرد وحيويته وقيامه بمسؤوليَّاته بكفاءة في محيطه الأُسري والعملي والاجتماعي. بل إنَّ الحياة مع مريض نفسي قد تجعل المحيطين عُرضة لاختبار مشاعر مختلفة مثل؛ الشعور بالعجز، أو الخوف أو فقدان الأمل، أو الإحباط.

في هذه الحالة ما هو الدعم المتوقَّع من الطرف الآخر السليم ؟ كيف يمكن أن يتعايش مع (زوجه/زوجته) المريض نفسيًّا؟ وكيف يمكن أن يقدِّم له الدعم في وضعه الصحَّي؟

كيف يمكن تقديم الدعم لـ(الزوج/الزوجة) الذي يعاني الاكتئاب؟ 

  1. القراءة والفَهم عن المرض: تعدُّ هذه أوَّل وأهمّ الخطوات نحو المساعدة في طريق التعافي من الاكتئاب، فلا بد من التعرُّف على العدو قبل محاربته، وهكذا المرض، ينصَح الطرف الآخر الحيوي بالتعرُّف أكثر على طبيعة المرض وأعراضه، وعمَّا يشعر به المصابون بالاكتئاب ويمرُّون به في كل نوبة اكتئاب. تختلف درجات الاكتئاب بين البسيطة والشديدة، ولكن يمكن تشخيصها طبّيًّا وفقًا للجمعيَّة الأمريكيَّة للطبِّ النفسي، بتوفُّر اثنين على الأقل من الأعراض التالية، لمدَّة لا تقلُّ عن أسبوعين متواصلين:
  • الشعور الشديد بالحزن، أو الذنب أو عدم الاستحقاق.
  •  عدم الاهتمام أو الاندماج في أنشطة الحياة الممتعة. 
  • التغيُّر في الشهيَّة أو في وزن الجسم.
  • التغيير في عادات النوم.
  • التفكير في الموت أو الانتحار.
  • الإرهاق والتعب وفقدان الطاقة.
  • صعوبة التركيز أو اتِّخاذ القرارات.
  1. تفهُّم مشاعره والإقرار بها: على الرغم من أنَّها تبدو نصيحة بسيطة، إلا أنَّها ليست سهلة حينما تتقاطع المصالح، وتؤثِّر مشاعر (الزوج/الزوجة) الذي يعاني من الاكتئاب بكل ثقله وحزنه ورغبته في العزوف عن الحياة ومباهجها، على الطرف الآخر الحيوي الذي ينتظر منه المشاركة والتفاعل والحضور في الحياة بكل صخبها. لذا فتفهُّم المشاعر التي يمرُّ بها مريض الاكتئاب، والتأكيد على أنَّها مفهومة، وأنَّ أقرب الناس له تصدّقه، وتقرُّ بما يشعر به، ولا تعتبر ردود أفعاله ومشاعره مجرَّد تهويل أو مبالغة أو تمثيل أو رغبة في لفت الأنظار، هي خطوة كبيرة، ودعم له وزن ثقيل في تقبُّل ورعاية ومساندة الطرف الآخر.
  1. السؤال عن المساعدة المتوقَّعة: وهو أقصر الطرق للمساعدة، عن طريق تقديم السؤال بشكل مباشر عمَّا يحتاجه (الزوج/الزوجة)الذي يعاني الاكتئاب: كيف يمكن أن أساعدك؟ قد تكون الإجابة بأنَّه يحتاج إلى الحضن والطبطبة، أو أنَّه بحاجة لمزيد من الوقت وحده، أو بأنَّه يحتاج للتخفُّف من بعض المسؤوليَّات، أو للتشجيع في الالتزام بالعادات الصحيَّة وممارسة الرياضة أو تنظيم وتجهيز الوجبات الساخنة، أو حتَّى متابعة الأدوية والمصاحبة في موعد الطبيب. هذا السؤال يختصر الكثير من المحاولات، ويقصر الطريق على المحاولات عديمة النفع والجدوى.
  1. فهم ما يجب وما لا يجب قوله: على الرغم من النيَّة الطيِّبة، أحيانًا ما يقوله الآخرون لمريض الاكتئاب عبارات في غير محلّها، يبدو الهدف منها المساعدة، ولكنَّها في الواقع قد تكون ذات تأثير عكسي، مثلاً: 
  • ابتهج، وتوقَّف عن ندب الحال.
  • هناك أمل، غدًا أجمل، لا داعي للتشاؤم.
  • اخرج في رحلة أو نزهة مع أصدقائك لتغيير مزاجك.
  • الحياة ليست بهذا السوء، جرِّب أن تتفاءل!
  • لقد أصبحت مصدرًا للنكد، توقَّف وإلا سيبتعد عنك الجميع.
  • جرِّب أن تصلي! الابتعاد عن الصلاة هو سرّ هذا الشقاء.

وعوضًا عن ذلك يمكنك أن تقول: 

  • أنا هنا في حال احتجت للحديث أو المساعدة.
  • أقدِّر وأتفهَّم مشاعرك، ما تمرّ به مؤلم ومزعج فعلا.
  • كيف يمكنني أن أخفِّف عنك؟
  • أنا أحبّك وأهتمّ بك حتى لو لم تعبِّر عن مشاعرك.
  • هل تحتاج إلى مرافقة في زيارة الطبيب؟
  1. التشجيع على العلاج: الشعور بفقدان الأمل، وفقدان الرغبة في التغيير، وعدم القدرة على المبادرة واتِّخاذ القرارات هي من أهمِّ أعراض الاكتئاب المرضيّ، لذا فإنَّ مريض الاكتئاب قد لا يتَّخذ بنفسه خطوة اللجوء إلى الطبيب المختصّ، وقد يشعر بثقل وتكاسل تجاهها، أو حتَّى يشعر أنَّها خطوة غير مفيدة وغير مهمَّة. لذا ربما يكون حجز الموعد الأوَّل عند الطبيب هو واحدة من أهمِّ أدوات الدعم التي يقدِّمها الزوج أو الزوجة للطرف المريض. ومن المفيد أيضا أن يكون شريكًا فاعلاً على مدار الرحلة في التأكيد على الزيارة الدوريَّة للطبيب، وعلى متابعة تناول الأدوية بشكل منتظم.
  1. تقبُّل الأيام الصعبة: من المهمّ التجهُّز لحقيقة أنَّ مرافقة مريض الاكتئاب، يعني المرور بأيَّام صعبة. أيام قد لا يحبّ فيها أبدا الخروج من السرير مهما كانت المناسبة، وأيَّام قد يعزف فيها عن المشاركة الاجتماعيَّة مهما كانت أهميّتها لأسرته، أو أيَّام من الغضب والإحباط ورفض العالم كله. لا تتساوى كلّ الأيَّام في التحدِّيات والصعوبة، وقد تتراوح بين الأيام العاديَّة التي تمرُّ بأقل قدر من الخسائر، والأيَّام الصعبة التي لا تمرُّ إلا بالكاد. من المهم في الأيَّام الصعبة أن لا ينسى الطرف الحيوي أنَّ هذا وارد الحدوث، وأن لا يقوم بسحب دعمه وتقبّله للطرف الآخر، وأن لا ينسى نفسه أيضًا في خضمّ دوامة الألم التي يعايشها (زوجه/زوجته)، بل يكون منتبهًا أنَّه في مثل هذه الأيَّام يحتاج إلى جرعة مضاعفة من العناية بالنفس، والبحث عن المعنى والمتعة حتى ولو للحظات مختطفة من اليوم.
  1. العناية بالنفس: من الممكن أن تصبح الحياة مع مريض بعد فترة قاتمة للغاية، وتقلُّ فيها أوقات المتعة المشتركة ويصبح الحزن وفقدان الشغف هما سيِّدا الموقف. لذا من المهمّ أن تكون هناك خطَّة خاصَّة ومسار منفصل، يحصل من خلاله الطرف الفاعل على فرصة لممارسة حياته والبقاء إيجابيًّا وإيجاد المتعة والسعادة، سواء كان من خلال دائرة الأصدقاء، أو من خلال دائرة العائلة الأكبر. الرياضة والحفاظ على نمط تغذية صحِّي يساعدان في رفع الروح المعنويَّة وكذلك الحصول على قسط كافٍ وهادئ من النوم يوميًّا، كما أنَّه من الممكن حضور دوائر دعم ومساعدة لأزواج أو زوجات مصابين بالاكتئاب لتبادل الخبرة حول الحياة مع مريض الاكتئاب، وما حولها من مشاعر وأفكار. 
  1. الانتباه لعلامات محاولات الانتحار: التفكير في الموت والإقدام على الانتحار هو أحد أخطر أعراض الاكتئاب، وللأسف فإنَّ جزءًا كبيرًا من مسؤوليَّة الرعاية يقع على كاهل الزوج أو الزوجة المرافقين للمريض، لذا من المهمّ جدًّا أن يتعلَّموا بدقَّة عن الأعراض المنذرة بالانتحار، وينتبهوا لها جيِّدًا، ومنها:
  • الحديث المتكرِّر عن الموت.
  • الحديث أو الكتابة عن الوداع، والتصرُّف بطريقة توحي بتوديع الأشخاص والأشياء.
  • التفريط في الممتلكات الخاصَّة وعدم الاهتمام بها.
  • تعريض النفس لمواقف شديدة الخطورة دون اهتمام أو انتباه، مثل المرتفعات العالية أو الاقتراب من النار أكثر من اللازم، أو استخدام الأدوات الحادَّة بدون انتباه، أو غيرها من علامات الإهمال وعدم الانتباه للخطر.
  • تنفيذ محاولات انتحاريَّة غير مكتملة.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

أية خالد

إخصائية نفسية حاصلة ليسانس الآداب قسم علم النفس بجامعة القاهرة، وعلى الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، وكاتبة محتوى مهتمة برفع الوعي بالصحة النفسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: هذا المحتوى محمي بحقوق الملكية الفكرية