ما هو تأثير الفارق العمري بين الزوجين على السعادة الزوجيَّة؟

اقرأ في هذا المقال
  • نظرة سريعة حول الدراسات والنتائج
  • ما هي العوامل التي تؤثِّر على نجاح الزواج مع وجود فارق كبير في العمر بين الزوجين؟

هذا السؤال القديم- الجديد عن فارق العمر بين الزوجين، وتأثيره على العلاقة في المستويين القريب والبعيد، وما إذا كان ميزة أم عيبًا؟ الحقيقة أنَّ هذا السؤال لم تنتهِ صلاحيّته، ولكنَّه كذلك أصبح يُطرَح في الاتِّجاهين: ما هو تأثير زيادة عمر الزوج على  الزوجة بفارقٍ كبير؟ والاتِّجاه الثاني: ما هو تأثير زيادة عمر الزوجة على الزوج بفارقٍ كبير؟ 

لعقود طويلة كان العُرف الاجتماعي يتوقَّع دائمًا فارق السن في الزواج لصالح الزوج بسنوات بسيطة، لأسباب مثل: احتفاظ المرأة بجمالها، الصحَّة الجيِّدة ودرجة الخصوبة والقدرة على الإنجاب، القدرة على تأسيس أسرة ورعاية الأطفال والقيام بالمهامِّ المنزليَّة وغيرها من الأسباب التي كانت ترجِّح كفَّة الزوجة صغيرة السن، وأن يكون فرق السن بين الزوجين لا يزيد على 5-10 سنوات لصالح الرجل. وأيضا نفس الأسباب من الجهة المقابلة كانت تجعل المتوقَّع من الزوج أن يكون رجلًا صغير السن يتمتَّع بالصحَّة والقدرة البدنيَّة والكفاءة الصحِّيَّة التي تمكِّنه من الإنجاب ورعاية الأسرة والعمل لكفالتها، وتوفير احتياجاتها ومتطلَّبات عيشها بسهولة. 

أمَّا في القرن الواحد والعشرين، فالمجتمعات أصبحت تحارب كل القواعد والمسلَّمات، والشباب يخوضون بشجاعة كل التجارب، مُختبرين من الصفر كل القوانين الاجتماعيَّة القديمة. صحيح أنَّ العُمر مُجرَّد رقم، ولكنَّه بالتأكيد له تأثيراته وتبعاته، فما هو تأثير فارق السن على العلاقات الزوجيَّة؟ وما هي العوامل المرتبطة بالسنِّ التي تُشكِّل وتُغيِّر من طبيعة العلاقات في الأسرة؟ 

نظرة سريعة حول الدراسات والنتائج

ما زالت الدراسات تُبدي اختلافات واسعة بين نتائجها حول تأثير فرق السنّ بين الزوجين على جودة الحياة الزوجيَّة ودرجات الاستقرار الأُسري. النمط المتوقَّع عالميًا في الاختيارات الزوجيَّة هو زوج وزوجة متماثلان في العمر، أو زوج يزيد عمره على  الزوجة ببضعة سنوات. ولكن الدراسات تشير إلى أنَّ هذا النمط من الفارق العمري لا يضمن نتائج أعلى في السعادة والرضا والتقارب بين الزوجين، مقارنة بالأزواج الذي يبعدهم عدد سنوات أكبر.

فبينما تشير بعض الدراسات إلى أنَّ التوافق الزوجي يكون أكبر في حالة الرجال أكبر قليلًا من السيِّدات، تشير دراسة أخرى إلى أنَّ تماثلهما العمري يُحسِّن من درجات الرضا والاستقرار، وتشير دراسة ثالثة إلى أنَّ الطرف الأكبر سنًّا يعبِّر عن درجات رضا وسعادة أعلى سواء كان الرجل أو المرأة مقارنة بالطرف الأصغر.

وفي دراسة أمريكيَّة واسعة على حوالي 9000 أسرة، وعلى مدى زمني امتدَّ لحوالي 13 عامًا، اتَّضح أنَّ الأسر التي تكون فيها الزوجة أكبر من الزوج تعبِّر عن نسب رضا زواجي ودرجات سعادة واستقرار أكبر من الأُسر التي يكون فيها الزوج أكبر سنًّا من الزوجة، وهي نتيجة مدهشة وغير متوقَّعة مقارنة بالتجارب الاجتماعيَّة التقليديَّة السائدة.

وفي دراسة أستراليَّة امتدَّت لعامين بين 2009 و2011 لاكتشاف درجات الرضا الزواجي وعدد سنوات الزواج وعلاقتهما بفارق السن بين الزوجين، بيَّنت أنَّه لا توجد فروق كبيرة في الرضا الزواجي بين المتزوجين من نفس الفئة العمريَّة والمتزوجين بفارق عمري كبير، خاصَّة في السنوات الأولى من الزواج (6-10 سنوات) بعدها يبدأ الرضا الزوجي في التناقص بين المتزوجين بفارق عمري كبير. كما أوضحت أن الزوج الأصغر سواء كان الرجل أو المرأة يعبِّر عن درجات رضا أقل، بينما الأكبر يعبِّر عن درجات سعادة ورضا زوجي أعلى.

ما هي العوامل التي تؤثِّر على نجاح الزواج مع وجود فارق كبير في العمر بين الزوجين؟

  • القيم المشتركة: اتِّفاق الزوجين على مجموعة القيم المحوريَّة المشتركة هو واحد من أهمِّ عوامل نجاح الزواج، خاصَّة في حالة وجود فارق كبير بين الزوجين، ويزيد تبنِّيهما لنفس منظومة القيم من عمق العلاقة وصلابتها وقدرتها في التغلُّب على الصراعات، خاصَّة أنَّ الفجوة العمريَّة قد تعني اختلافًا ضمنيًّا في منظومة القيم والمرجعيَّات الاجتماعيَّة.
  • دعم النجاحات الشخصيَّة: الذي يتَّضح في تقديم كل طرف المساندة والدعم لـ(زوجه/زوجته) لتحقيق أهدافه ونجاحاته الخاصَّة، والوصول إلى طموحاته الشخصيَّة، والفرح معه بالإنجازات والخطوات البسيطة، ومشاركته في الاحتفال بها، وتشجيعه في المسار الذي يحبُّ أن ينمو فيه.
  • الثقة: تشير بعض الدراسات إلى أنَّ الزوجين بفارق عمري كبير عادةً ما تكون درجات الثقة بينهما أعلى، والمشكلات الناجمة عن الغيرة أقل مقارنة بالأزواج من نفس الفئة العمريَّة. وبشكل عام فإنَّ الثقة بين الزوجين هي واحدة من أهمِّ أساسيَّات بناء العلاقات وركائزها أيًّا كان الفارق العمري بين الأزواج.
  • النضج العاطفي والنفسي: تميل التفسيرات الاجتماعيَّة التقليديَّة لاعتبار أنَّ الأكبر سنًّا قد تعرَّض بالتبعيَّة لخبرات حياتيَّة أكبر وأكثر تعقيدًا، بالشكل الذي يجعل درجة نضجه النفسي والعاطفي أكبر، لذا كلَّما كان الزوجان متقاربين في درجة النضج كان ذلك أفضل للعلاقة. ولكن في الحقيقة درجة النضج لا ترتبط بالسن بهذا الشكل الحتميّ، حيث إنَّ هناك عشرات من العوامل التي تلعب دورها في تشكيل خبرات الفرد ونموّه النفسيّ والعاطفيّ، ولا يعتبر العمر إلا إحداها. فالأهمّ من التقارب العمري، هو وعي كل طرف بدرجة نضجه الشخصيّ، ونضج الطرف الآخر، والمساحة المشتركة بينهما من التجارب، والمسار الصحِّي الذي يشتركان فيه نحو النضج والنموّ. 
  • الحلّ البنَّاء للمشكلات: وقدرة الزوجين على فهم المشكلات من جذورها، ووضع حلول عمليَّة لها تحول دون تكرارها أو تحوُّلها لمصدرٍ للصراع اليومي. ويساعد في هذا وجود لغة حوار مشتركة بينهما، والقدرة على التواصل الفعَّال، والاستماع بانتباه، والعمل الصادق على حلِّ المشكلات عوضًا عن الهروب منها.
  • الاشتراك في الأهداف بعيدة المدى: التي يطمح كلاهما لتحقيقها على المستوى المشترك. وبما أنَّ الأهداف الحياتيَّة تخضع عادةً للمرحلة العُمريَّة، فإنَّ هذا واحدًا من أهم مُحدِّدات النجاح في العلاقات التي تتميَّز بفارق زمني كبير على المدى الطويل، وهو قدرتهما على الاتِّفاق على أهداف حياتيَّة بعيدة المدى.
  • الدعم الاجتماعي: عادة ما تواجه الأُسَر والأصدقاء خبر الزواج من شخص بفارق عمري كبير بالتعجُّب والاستنكار والرفض أحيانًا، سواء كان فارق السن الكبير لصالح الزوج أو الزوجة، حيث يتوقَّع المجتمع بناء الأسر القائمة على زوجين من المرحلة العمريَّة نفسها. بعض الأسر قد تقرِّر مقاطعة أبنائها كإجراء عقابي على هذا القرار، وبعض الأصدقاء قد يعتقدون أنَّها خطوة غير سويَّة نفسيَّة، ويفضِّلون تقليل تورطهم في العلاقة، كل هذه الاحتمالات لا بدّ من دراستها جيِّدًا وتحديد مدى القدرة على تحمُّل التبعات الاجتماعيَّة للقرار وتأثيراته على الأسرة ضمن المدى الطويل، وكذلك  تحديد دوائر الدعم الحقيقيَّة التي تستطيع الأسرة اللُّجوء إليها عند الحاجة.
  • قرار الإنجاب: وهو أكبر القرارات المتعلِّقة بخوض تجربة الزواج بفارق سن كبير سواء لصالح الزوج أو الزوجة، ففرق العمر لصالح الزوجة قد يعني عدم قدرتها على الإنجاب، أو عدم قدرتها على الإنجاب المتكرِّر، ويعني أخذ العوامل الصحيَّة والقدرة على رعاية المنزل وفارق العمر مع الأبناء في الاعتبار على المدى البعيد. وكذلك فارق السنّ الكبير لصالح الزوج، فهو يشير لفارق عمري كبير عن الأبناء، وما يترتَّب على ذلك من وجود فجوة في طريقة التفكير ولغة الحوار وغيرها.
  • الخطط والالتزامات المادِّيَّة: خاصَّة إذا كانت الزوجة أكبر سنًّا وأكثر استقرارًا على المستوى المهني والمادّي. من المهمّ أن تكون توقُّعات كل طرف واضحة للآخر، ولديهم رؤية مشتركة للمسؤوليَّات والالتزامات الماديَّة، وقدرة على وضع الخطط المستقبليَّة التي تحقِّق أهداف كل منهما، وأيضًا على حلِّ المشكلات المتعلِّقة بالمسؤوليَّات الماليَّة.
  • البناء الصحِّي للعلاقة والأدوار: قد يؤدِّي فرق السنّ الكبير لقيام أحد الزوجين بدور بديل للأب أو الأُمّ في حياة الآخر، حتَّى أنَّ بعض الدراسات تشير إلى أنَّ الزوجات اللاتي يقبلن على الزواج من رجال أكبر منهن بفارقٍ عمري كبير غالبًا ما اختبرن في طفولتهن ومراهقتهن مشكلات في العلاقة مع الأب أو غيابه العاطفي عن الأسرة. هذا النمط من العلاقات يُظهِر فيه الطرف الأصغر سنًّا في البداية شعورًا كبيرًا بالرضا والراحة، وأنَّه محطّ الاهتمام والرعاية، ولكنَّه مع الوقت قد يتحوَّل لمبرِّر قوي للصراع، حيث يشعر الطرف الأصغر أنَّه تحت السيطرة، وأنَّه غير قادر على التصرُّف بحريَّة، وأنَّ هناك دائمًا من يراقب تصرّفاته ويراجع قراراته كطفل صغير. لذا لا بد من الوعي بالتوقُّعات التي ينتظرها كل طرف في العلاقة، والحديث عنها ومناقشتها بوضوح.

المصدر
link.springer.compsycom.netpsychcentral.com
اظهر المزيد

أية خالد

إخصائية نفسية حاصلة ليسانس الآداب قسم علم النفس بجامعة القاهرة، وعلى الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، وكاتبة محتوى مهتمة برفع الوعي بالصحة النفسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى