إجراءات طبيَّة لتعقيم الفتيات ذوات الإعاقة العقليَّة المتوسِّطة والشديدة
- تعقيم الفتيات ذوات الإعاقة العقليَّة
- طرق تعقيم الفتيات ذوات الإعاقة العقليَّة
- استئصال الرّحم للفتيات ذوات الإعاقة الذهنيَّة
- ولكن هل يمكن أن ينتهك هذا الإجراء حقّ الفتاة؟ وما وجهة النظر الأخلاقيَّة والشرعيَّة والقانونيَّة تجاهه؟
- ما هي الدوافع وراء تعقيم الفتيات ذوات الإعاقة العقليَّة؟
- كيف يمكن إيقاف عمليَّات تعقيم الفتيات ذوات الإعاقة العقليَّة؟
تشير الإعاقة الذهنيَّة أو العقليَّة إلى أنها حالة من توقُّف النمو العقلي أو عدم اكتماله، ممَّا يعني أنَّ الشخص يمكن أن يواجه صعوبات في الفهم والتعلُّم وتذكُّر الأشياء الجديدة، وفي بعض الأحيان، يفكِّر الأشخاص المسؤولون عن رعاية الفتيات ذوات الإعاقات الذهنيَّة المتوسِّطة والشديدة في إخضاعهن إلى عمليَّة أو اتِّخاذ إجراءات معيَّنة تجعلهن غير قادرات على الإنجاب، تُعرَّض الفتيات لهذه الإجراءات لأسباب عديدة، ولكن، ما هي هذه الأسباب؟ وما رأي الدين والقانون بشأنها؟ تابع القراءة لتعرف أكثر.
تعقيم الفتيات ذوات الإعاقة العقليَّة
تتعرَّض الفتيات ذوات الإعاقة العقليَّة في بعض الأماكن إلى تعقيمٍ قسري، ويحدث التعقيم القسري عند تعقيم الفتاة بعد رفضها للإجراء، أو دون علمها، أو عند عدم منحها فرصة لتقديم موافقة مستنيرة، وتتعرَّض الفتيات والشابات ذوات الإعاقة للتعقيم القسري وغير الطوعي لأسباب مختلفة، بما في ذلك تحسين النسل وإدارة الدورة الشهريَّة ومنع الحمل، وقد اعترفت الأمم المتَّحدة بالتعقيم القسري للأشخاص ذوي الإعاقة باعتباره تعذيبًا وأحد أشكال العنف؛ ومع ذلك، تسمح الأنظمة القانونيَّة في العديد من البلدان للقضاة وأخصَّائيي الرعاية الصحّيَّة وأفراد الأسرة والأوصياء بالموافقة على إجراءات التعقيم نيابةً عن الأشخاص ذوي الإعاقة “من أجل مصلحتهم الخاصَّة”.
ومن طرق تعقيم الفتيات ذوات الإعاقة العقليَّة ما يلي:
- الإجراءات الجراحيَّة مثل استئصال الرّحم، بزعم أنَّها تحرِّر الفتيات والنساء ذوات الإعاقة من الألم والانزعاج الناتج عن الدورة الشهريَّة، وعلى افتراض أنَّهن لا يستطعن التعامل معها.
- وسائل منع الحمل للتحكُّم في الدورة الشهريَّة مثل؛ الحقن، أو زراعة اللولب داخل الرّحم.
- علاجات الإستروجين لإعاقة نموّ الفتيات، ومنع وصولهن إلى مرحلة البلوغ.
استئصال الرّحم للفتيات ذوات الإعاقة الذهنيَّة
قد لا تستطيع الفتاة ذات الإعاقة العقليَّة الاعتناء بنظافتها أثناء الدورة الشهريَّة، وقد يكون من الصعب جدًا على مقدِّمة الرعاية (الأم/الأخت..) الاعتناء بهذه الفتاة، نظرًا لما تسبِّبه هذه المهمَّة من التعب النفسي والجسدي، لذلك، قد تفكِّر بعض الأسر في إخضاع هذه الفتاة لعمليَّة استئصال الرّحم، هذه الممارسات تشكل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تتجاوز بكثير التوجُّهات الأبويَّة والمعاملة الطفوليَّة؛ فهي تعطي الأولوية لمصالح مقدِّمي الرعاية على حساب كرامة وسلامة الشخص نفسه.
ولكن هل يمكن أن ينتهك هذا الإجراء حقّ الفتاة؟ وما وجهة النظر الأخلاقيَّة والشرعيَّة تجاهه؟
في هذه الحالة، تعدُّ الجراحة ضررًا غير مبرَّر وقد تؤدِّي إلى مضاعفات، وبدلًا من إلحاق الضرر، ينبغي النظر في خيارات بديلة أخرى تشمل تدريب وتوجيه الفتيات ذوات الإعاقة ومقدِّمات الرعاية الأوَّليَّة لهنَّ بشأن نظافة الدورة الشهريَّة، ومع ذلك، تعاني الفتيات ذوات الإعاقة الذهنيَّة من صعوبات في التعلُّم، لذا يفترض بالمدرِّب التحلّي بالصبر وفهم أنَّ الأمر ممكن، لكن لا بدّ من من تكرار الأمر مرارًا، فإنَّهن بعدم تمكّنهن تعلُّم النظافة أثناء الدورة الشهريَّة، يصبحن أكثر عرضةً للإصابة بالتهابات الجهاز التناسلي.
وجهة النظر الأخلاقيَّة
ووفقًا للأخلاقيَّات القائمة على الحقّ، فإنَّ لكلِّ إنسان حقوقه، ومعاناة الفرد من إعاقة عقليَّة لا يعني أنَّه لا يتمتَّع بحقوق الإنسان. وكونها أنثى فمن حقِّها وكرامتها أن تحافظ على عضوها التناسلي ويجب أن يحترمه الآخرون. ولا يمكن قمع هذا الحقّ لمصلحة مقدِّم/مقدِّمة الرعاية، أي أنَّ إجراء مثل هذه العمليات الجراحيَّة يؤدِّي إلى انتهاك حقوق الإنسان.
وجهة النظر الشرعيَّة
تحترم الأديان حقوق الإنسان، فيحرِّم الإسلام إجراء عمليَّة استئصال الرّحم للفتيات ذوات الإعاقة الذهنيَّة دون أي دواعٍ طبيَّة لما لها من مخاطر وآثار سلبيَّة.
فالأردن مثلاً، مجلس الإفتاء والبحوث والدراسات الإسلاميَّة نظر في مسألة حكم إزالة رحم الفتيات ذوات الإعاقة العقليَّة، بدعوى أضرارها الصحَّية ونظافتها الشخصيَّة، وقرر ما يأتي:
“لا يجوز الإقدام على استئصال عضو خلقه الله تعالى في الإنسان إلا في الحالات المرضيَّة التي يكون علاجها بهذه العمليَّة، أما أصحاب الإعاقة أو المرض العقلي فلا نرى عذرًا يُجيز مثل هذا النوع من العمليات لهم، لما فيها من تعدٍّ على خلق الله، ومخاطرة صحيَّة بالقطع والجراحة، وآثار سلبيَّة تُسهل الاعتداء وإلحاق الأذى والضرر بتلك الفتيات.”
وجهة النظر القانونيَّة
في بعض البلدان، يتمُّ إجراء عمليَّة استئصال الرّحم من أجل نظافة الدورة الشهريَّة بترخيص وموافقة من المحكمة. حيث تؤخذ آراء الأطباء ومستويات الإعاقة الذهنيَّة بعين الاعتبار، ولكن في بلدان أخرى، لا تشارك المحكمة في مثل هذه القرارات.
بالأردن مثال حيث يعاقب قانون المسؤولية الطبيَّة والصحَّية رقم (25) لعام 2018 بالأشغال الشاقة ما بين 5-10 سنوات وبغرامة ما بين 10 آلاف – 50 ألف دينار، كل من قام بأي عمل أو التدخل بقصد قطع النسل للمرأة دون موافقتها الخطيَّة وبناءاً على رأي لجنة طبيَّة متخصصة بإستثناء الحالات الطارئة.
ما هي الدوافع وراء تعقيم الفتيات ذوات الإعاقة العقليَّة؟
إضافةً إلى تخفيف العبء عن مقدِّمي الرعاية، يلجأ البعض إلى تعقيم الفتيات ذوات الإعاقة العقليَّة كإجراء وقائي ضدّ التعرُّض للاعتداء الجنسي. لكن الحقيقة هي أن التعقيم لا يحميهن من العنف أو الاعتداء الجنسي، ولا يلغي التزام الدولة بحمايتهن من مثل هذا الاعتداء. فالتعقيم القسري هو ممارسة غير مقبولة ولها عواقب مدى الحياة على السلامة الجسديَّة والعقليَّة للفتيات والشابَّات ذوات الإعاقة.
وسبب آخر لتعقيم الفتيات، هو الاعتقاد بأنَّهُ يُخلّصهن من عبء الحمل والإنجاب ويحسِّن نوعيَّة حياتهن. وعلى اعتبار أنّهنَّ غير مؤهَّلات للأمومة.
اقرأ في مقال الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة للمراهقين ذوي الإعاقة العقليَّة: إرشادات مهمَّة للوالدين ومقدِّمي الرعاية
كيف يمكن إيقاف عمليَّات تعقيم الفتيات ذوات الإعاقة العقليَّة؟
لا يوجد سبب وجيه لتعقيم الفتيات ذوات الإعاقة العقليَّة قسريًّا وحرمانهن من العيش كباقي الفتيات، ومن الظلم الأخلاقي القيام بذلك.
هذا يتعارض مع الدين وحقوق الإنسان والقانون، ولإيقاف هذا الفعل الخطير؛ لا بد من وضع مجموعة من الخطوات الحازمة وتطبيقها، ومن أهمّ هذه الخطوات:
- توعية المجتمع وأسر الفتيات ذوات الإعاقة الذهنيَّة حول كيفيَّة تدريبهن على نظافة الدورة الشهريَّة والخيارات البديلة الممكنة للتعامل مع هذه الحالة.
- التأكيد على استراتيجيَّات المواجهة، والتوعية بمخاطر الجراحة ومضاعفاتها
- كشف الجوانب القانونيَّة لمثل هذه الإجراءات وتحديدها لوقف انتهاكات حقوق الإنسان.
- إطلاق برامج الدعم المعنوي والنفسي لأسر هؤلاء الفتيات لمساعدتهم في التغلُّب على مشاكلهم المتعلِّقة بحالة بناتهم. ترتيب دورات تدريبيَّة وجلسات استشاريَّة لهؤلاء الفتيات وأسرهن.
- وضع سياسات الرعاية الصحيَّة في جميع أماكن الرعاية الصحيَّة لتوجيه المتخصّصين لاتِّخاذ القرارات الصحيحة في مثل هذه الحالات.
- تدريب المتخصّصين في الرعاية الصحيَّة على التعامل مع مثل هذه الحالات.
- يجب أن يكون لدى كل مكان للرعاية الصحيَّة نظام لحفظ السجلات لتحديد عدد الحالات واستخدام البيانات المسجَّلة في تطوير السياسات.
- خضوع الفتيات ذوات الإعاقة العقليَّة لبرامج قائمة على الأدلَّة لدعم عمليَّة اتِّخاذ القرار. وتعزيز الاحترام والاختيار والمسؤوليَّة في الحياة الجنسيَّة والعلاقات والأبوَّة والأمومة.
- توسيع خدمات تنظيم الأسرة المتخصِّصة الحاليَّة وإتاحتها للنساء والرجال ذوي الإعاقة في سنِّ الإنجاب باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيقات الصحَّة الإلكترونيَّة، أو الصحَّة عبر الهاتف المحمول. مع التوعية التثقيفيَّة لأفراد الأسرة ومقدِّمي الخدمات.
- تعزيز قدرة خدمات تنظيم الأسرة على الاستجابة بشكل مناسب لذوي الإعاقة الذهنيَّة. بما في ذلك الإحالة إلى خدمات تنظيم الأسرة المتخصِّصة في مجال الإعاقة حسب الحاجة، وتوفير المعلومات الشاملة التي يسهل الوصول إليها والمشورة والدعم للفتيات لممارسة الاختيار الحرّ والمستنير.
- توجيه المؤسَّسات الإعلاميَّة لتجنُّب الترويج للمعلومات المضلِّلة وغير الواقعيَّة حول قدرة الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنيَّة، فيما يتعلَّق بالزواج والأبوَّة والتعقيم. من الضروري أن تكون التغطية الإعلاميَّة دقيقة وحسَّاسة لتعزيز الفهم الصحيح والاحترام لحقوق هؤلاء الأفراد وقدراتهم.
- تعزيز الحماية والدَّعم : حيث يتطلَّب الأمر تعزيز الجهود لحماية حقوق الفتيات ذوات الإعاقة وضمان أن تكون كل الإجراءات المتَّخذة بحقهن متوافقة مع المعايير القانونيَّة والإنسانيَّة، كما يجب أن تستمر الدولة والمجتمع في نشر الوعي وتطبيق القوانين التي تحمي هؤلاء الفتيات، وتضمن لهن حياة كريمة ومتكاملة.