هل يُدمِّر الإنجاب الحياة الجنسيَّة للزوجين؟
- ما هي العوامل التي تؤثِّر على الحياة الجنسيَّة بعد الإنجاب؟
- كيف يمكن حماية الحياة الجنسيَّة للزوجين بعد الإنجاب؟
يعتقد البعض أنَّ سَنة -أو سنوات- الزواج الأولى قبل الإنجاب، هي الفترة الذهبيَّة للعلاقة الجنسيَّة بين الزوجين، حيث يحتلّ الأطفال بعدها وقت الأُمّ وذهنها بالكامل، وتَحتلّ مسؤوليَّاتهما هرم الأولويّات فلا تعود علاقة الزوجين الحميميَّة في أوجِها كما كانت.
في دراسة كبيرة أوضح 86% من المشاركين، أنَّ مُعدَّلات العلاقة الجنسيَّة أقل بكثير بعد وجود أطفال عمَّا قبلها، وأقرَّ 73% منهم أن جودة العلاقة أصبحت أقل مُقارنة بما قبل. فما هي الأسباب، وكيف يمكن للزوجين التعامل مع هذا التحدِّي للحفاظ على السعادة الزوجيَّة؟
ما هي العوامل التي تؤثِّر على الحياة الجنسيَّة بعد الإنجاب؟
تُشير الدراسات إلى أنَّ هناك عددًا من العوامل التي تؤثِّر بالفعل في العلاقة الجنسيَّة بين الزوجين بعد الإنجاب، خاصَّة في الفترات الأولى بعد الولادة، ومن هذه العوامل:
- التغيُّرات الهرمونيَّة: تمرُّ المرأة بتغيُّرات هرمونيَّة على مدار رحلة الحمل والولادة والرضاعة، وربما تستمرّ معها رحلة التغيُّرات الهرمونيَّة إذا كانت تستخدم بعض وسائل منع الحمل. هذه التغيُّرات الهرمونيَّة قد تؤثِّر على مستويات الرغبة الجنسيَّة المعتادة عند المرأة، وقد تؤثِّر على درجة استمتاعها بالعلاقة، وكثيرًا ما تكون سببًا في التقلُّبات العاطفيَّة والمزاجيَّة. بعض التغييرات الهرمونيَّة لا تحتاج إلا بعض الوقت حتى يستطيع جسد الأُمّ استعادة توازنه، بينما بعض التغيُّرات الهرمونيَّة -خاصَّة تلك الناتجة عن استخدام بعض وسائل تنظيم النسل- قد تحتاج إلى مُتابعة طبيَّة حتى تصل إلى المستوى الطبيعي.
- الضغط النفسي: ما بين التقلُّبات الهرمونيَّة والإرهاق البدني وقلَّة النوم ومسؤوليَّات الأطفال، فإنَّ مستويات الضغط النفسي تزيد لدى الأُمّهات بعد الإنجاب بشكل ملحوظ. وتؤكِّد الدراسات علاقة الارتباط العكسيَّة بين مستويات الضغط النفسي، والاستمتاع بالعلاقة الجنسيَّة. حتى أنَّ الكثير من الأُمّهات يقلُّ معدَّل رغبتهن الجنسيَّة، إذ لا يمكنهن التوقُّف عن التفكير في المسؤوليَّات المتراكمة ومشكلات ومتطلّبات الأطفال، أو يشعرن بالإنهاك الشديد بنهاية اليوم بما لا يدع لديهن رغبة في أيِّ شيء إلا الراحة والنوم.
- الرّضاعة: تعتبر الرضاعة أكثر من وظيفة بدوام كامل للأُمّهات، لا تؤثِّر فقط على جودة النوم وأوقات الراحة، بل إنَّه أيضا ونتيجة لنقص هرمون الاستروجين، قد تشعر الأُمّ بعدم الراحة والحماس للعلاقة. الشقُّ الإيجابي أنَّ بعض الأبحاث تشير إلى أنَّ الرضاعة تزيد من هرمون الإكستوسين الذي ربما يزيد من الرغبة في التواصل الحميمي مع الزوج، ولكن ما يثبّطه غالبًا هو الشعور بالإرهاق وعدم الراحة مع الرضاعة.
- تغيُّر العلاقة بالجسد: يُعدُّ الإنجاب علامة فارقة في حياة كلّ أُم في علاقتها بجسدها، فغالبًا لا تعود نظرتها إلى جسدها هي نفسها بعد الولادة، كما كانت قبلها. تشعر الأُمّ ومنذ شهور الحمل الأولى بالتغيُّرات التي تطرأ على جسدها، مثل زيادة الوزن، ظهور علامات التمدُّد، أو الكلف، زيادة حجم الصدر أثناء الحمل والرضاعة، واختلاف أماكن تركُّز الدهون عمَّا قبل. كلّ هذه العوامل تُغيِّر من مشاعر تقدير الذات لدى الأُمّ، وتجعلها شديدة الحساسيَّة تجاه جسدها، بل إنَّ كثيرًا من الأُمَّهات قد يشعرن بالخجل والعار من أجسادهن بعد الولادة، أو يشعرن بالحرج ممَّا تبدو عليه أجسامهن أثناء العلاقة، وقد لا يتوقَّفن عن التفكير في رأي الزوج حول شكلها الآن، أو إذا كان يشعر بالاشمئزاز من زيادة وزنها أو ما جدَّ عليها من علامات تمدُّد أو سيلوليت.
- الخوف من الحمل: ترتبط العلاقة لدى كثير من الزوجات بعد الإنجاب، باحتماليَّات الحمل، حتى مع استخدام وسائل منع الحمل فإنَّ كثيرًا من الأُمَّهات يشعرن بالقلق والتوتُّر من العلاقة خوفًا من حدوث حمل جديد وتكرار التجربة، بكلِّ ما تحمله بالنسبة إليها من إرهاق وقلق ومسؤوليَّة، وتغيُّرات جسديَّة ومزاجيَّة وحياتيَّة.
كيف يمكن حماية الحياة الجنسيَّة للزوجين بعد الإنجاب؟
- التقدير المتبادل: بعد سيل المسؤوليَّات الجارف الذي يُقابل الوالدين بعد الإنجاب، يحتاج كل منهما للشعور بالتقدير والامتنان من الطرف الآخر، هذا العنصر وحده يُغيِّر الكثير في مُعادلة العلاقة الزوجيَّة. لا شكَّ أنَّ كلا الطرفين يقدِّم الكثير من التضحيات فيما يخصّ راحته ومتطلّباته الشخصيَّة من أجل مصلحة الأُسرة وإعطاء الأطفال الأولويَّة، ولكن مُقابلة هذه التضحيات بالتقدير والشكر يخفِّف الكثير من عبء المسؤوليَّات، ويزيد من جودة وكفاءة التواصل بين الزوجين، وهو أمر يؤثِّر إيجابيًّا على العلاقة الحميمة ولو بشكل غير مباشر.
- التركيز على التواصل الجسدي: العلاقة الحميمة ليست الشكل الوحيد للتواصل الجسدي بين الزوجين، صحيح أنَّها واحدة من أهمِّ أدوات التعبير عن الحبّ، وواحدة من أهمِّ الغرائز الإنسانيَّة، لكن يبقى وزن كبير لطرق التواصل الجسدي المختلفة، خاصَّة إذا لم يُتَح الوقت والظروف الكافية للعلاقة الجنسيَّة الكاملة. فكلّ من القبلة والحضن أو العناق والطبطبة ومسك الأيدي، وحتَّى الجلوس جنبًا إلى جنب واتِّكاء أحد الزوجين على كتف الآخر، كلّها تفاصيل غاية في الأهميَّة، تُوطِّد من التواصل العاطفي والنفسي بينهما، وتفتح وتمهِّد الطريق للعلاقة وسط الضغوطات اليوميَّة والمسؤوليَّات المتراكمة.
- الحصول على وقت مستقطع: تحتاج الأمهات إلى وقت مستقطع بعيدًا عن قائمة المهام المعتادة، وقت مخصَّص لها فقط تعطي فيه الأولويَّة لممارسة هواية تحبّها، أو وقت للعناية الشخصيَّة، أو حتى الحصول على قسط إضافي من الراحة والنوم. هذا الوقت المُستقطع يقوم بإعادة شحن طاقة الأم، وتجهزيها من جديد لمواصلة مهامّها ومسؤوليّاتها، وينعشها ذهنيًّا وعاطفيًّا. كما أنّه من المهمّ جدا الحصول على وقت مستقطع للزوجين معًا، بعيدًا عن الأطفال، لا بأس أبداً من طلب المساعدة من دوائر الأقارب والأصدقاء للاهتمام بالأطفال بينما يقضي الزوجان معًا عطلة نهاية أسبوع سريعة يُنعِشان فيها علاقتهما، أو عشاء رومانسيّ يتبادلان فيه الحديث، أو حتى ليلة هادئة في المنزل يُشاهدان فيها فيلمًا مع وجبتهما المفضَّلة.
- الحفاظ على الخصوصيَّة: في إحدى الدراسات أشار 9% فقط من الأزواج إلى أنَّ رغبتهم في العلاقة أصبحت أقل، بينما أوضح 46% منهم أنَّ المشكلة الأساسيَّة أمام العلاقة هي وجود القليل من الخصوصيَّة من حيث الوقت والمكان. لذا من المهمّ أن يسعى الزوجان لمزيد من الخصوصيَّة. فمثلا هناك بعض الاقتراحات التي قد تساعد مثل:
- انتقال الأطفال في سنٍّ مبكّرة إلى غرفة منفصلة.
- تحديد روتين ثابت لنوم الأطفال بحيث يكون موعد نومهم سابق على موعد نوم الوالدين بفترة.
- تخصيص ولو ساعة واحدة ثابتة يوميًّا يقضيها الزوجان وحدهما معا.
- تربية الأطفال على آداب الاستئذان واحترام خصوصيَّة الوالدين.
هذه التفاصيل البسيطة من شأنها أن تُعزِّز من الشعور بالخصوصيَّة بين الزوجين، ولو لم تفلح كل الوقت، فإنَّها تساعد بعض الوقت، وتؤسِّس لقواعد الأسرة على المدى الطويل.
- دعم الثقة بالنفس: تُنصح الأُم بعد الولادة بألا تَتخاذل في حقِّ نَفسها، جسديًّا ونفسيًّا، وأن تهتمّ بكل ما يدعم ثقتها بنفسها. ممارسة الرياضة تلعب دورًا كبيرًا في الحفاظ على نمط حياة صحيّ، واستعادة الثقة بالجسم، والحفاظ على الوزن، وعلى الكتلة العضليَّة، بل وأيضاً التنفيس العاطفيّ والعصبيّ. لا يُمكن أن يتحسَّن التواصل بين الزوجين بدون تواصل جيِّد للمرأة مع نفسها.
- الحوار المفتوح: حتَّى في أصعب الأوقات التي قد لا تتوفَّر فيها أي فرصة بين الزوجين للقاء الجنسي، لا بد أن يبقى بينهما حوار صادق ومفتوح حول رغباتهما مشاعرهما وتوقّعاتهما. هذا الحوار يدعم التواصل الصحّي بين الزوجين، ويزيد من شعورهما بالثقة والأمان في العلاقة.