متلازمة برادر ويلي؛ متى تقلقين من شهيَّة طفلك المفتوحة؟
“كنت سعيدة في بداية الأمر بشهيَّة ابني المفتوحة عند بلوغه عامين من العمر، إذ كان يُعذِّبني وهو رضيع، فلا يرضع بسهولة، ولا ينتبه لي عندما ألاعبه، لكن الأمر بات غريبًا .. فقد لاحظت شعوره المتكرِّر بالجوع ولم يمرّ وقت طويل على آخر وجبة تناولها، وقد سمعت أنَّ هذا من أعراض متلازمة برادر ويلي، فهل ابني مصاب بها؟!”.
تصف العبارات السابقة حال الأُمّ التي تحدِّث نفسها في محاولة فهم ما يمر به طفلها، ولا تعرف إذا كان ذلك طبيعيًّا ومرتبطًا فقط بالمرحلة العمريَّة أم لا، وتتلمَّس كل طريق يوصلها إلى التشخيص الدقيق لحالته .. فما هي متلازمة برادر ويلي؟ وما تأثيرها؟ وهل لها علاج؟ هذا عين من نسلِّط عليه الضوء في مقالنا اليوم، فتابعي باهتمام عزيزتي الأم.
ما هي متلازمة برادر ويلي؟
متلازمة برادر ويلي أو فيلي كما تُنطق بالألمانيَّة (Prader willi syndrome)، هي اضطراب وراثي نادر يؤثِّر سلبًا على عدد من الجوانب، منها البدني، والعقلي، والسلوكي. ويُعدُّ الجوع هو أبرز أعراض هذه المتلازمة، إذ يكاد لا ينفكّ عن المصاب بها أبدًا فلا يشبع أبدًا ولا يعرف معنى الشعور بالامتلاء، وذلك تزامنًا مع بلوغه عامه الثاني.
علامات أخرى غير الجوع تظهر على طفلك فلا تُهمليها!
يمكن أن تختلف العلامات أو الأعراض المصاحبة لمتلازمة برادر ويلي بين حالة وأخرى، كما إنَّها تتطوَّر ببطء بتطوُّر المراحل العمريَّة ابتداءً من اليوم الأوَّل للولادة مرورًا بمرحلة الطفولة وحتى مرحلة البلوغ والمراهقة، ومن أهمِّ الأعراض التي ينبغي الانتباه لها:
أوَّلًا: عند الرُّضع
تتضمَّن أعراض متلازمة برادر ويلي عند الرضَّع ما يلي:
الوهن العضلي (Hypotonia)
يظهر على الرضيع انخفاضًا واضحًا في كتلته العضليَّة، تشعرين معه بأنَّك تحملين دمية رخوة تشبه تلك المصنوعة من القماش وليس طفلًا حقيقيًا من شدَّة ضعف العضلات وارتخائها، كما تلاحظين إنَّه يمدُّ مرفقيه وركبتيه بحريَّة فلا يستطيع أن يثبِّتهم أو يتحكَّم في حركتهم كسائر الأطفال في سنِّه.
مع متلازمة ويلي، تصبح جلسة الرّضاعة أشبه بالمهمَّة المستحيلة، إذ يصعب على طفلك مصّ الحليب من الثدي جرَّاء ضعف عضلاته، ومن ثم لا يكسب الوزن المناسب لعمره.
الملامح المميَّزة، وتشمل:
- عينان تشبهان في رسمتهما شكل اللوزة.
- شفة علويَّة رفيعة وفم ينحني للأسفل.
- ضيق الوجه في منطقة الصدغين.
- ضعف الاستجابة
- تتسبَّب المتلازمة في ظهور بعض علامات الإجهاد على الطفل؛ إذ لا يستجيب للمحفِّزات، ولا يُلقي بالًا لمن يداعبه.
- صعوبة الاستيقاظ والانتباه أو حتى البكاء.
- عدم اكتمال نموّ الأعضاء التناسليَّة
في الذكور:
يصغر حجم القضيب وكيس الصفن عن الحجم الطبيعي، وكذلك الحال مع الخصيتين، وقد لا تنزلان من تجويف البطن أصلًا فيما يُعرف بحالات اختفاء الخصيَّة (cryptorchidism).
في الإناث:
يظهر صغر حجم الشفرات والبظر كأحد أهمّ علامات متلازمة برادر ويلي الظاهرة.
ثانيا: من بعد الفطام وحتَّى اشتداد العود
يمرُّ الطّفل المصاب بمتلازمة ويلي بتغيُّرات جذريَّة لا تدع جانبًا من حياته قبل أن تضع بصمتها عليه، ومن أبرز هذه التغيُّرات:
- انفتاح الشهيَّة، وتناول الطعام بشراهة وعدم السيطرة على الشعور المستمرّ بالجوع، ومن ثم السقوط السريع في هوّة السمنة المُفرطة بسرعة إثر عدم قدرة الجسم على إتمام عمليَّات الأيض بصورة سليمة.
- قد تتطوَّر لدى الطفل بعض العادات السيِّئة المرتبطة بحبّ الأكل واستهلاكه بكميَّات كبيرة، مثل:
- اكتناز الطعام وابتكار مخابئ غريبة في المنزل للاحتفاظ به.
- تناول الطعام مجمَّدًا وعدم الانتظار حتى الانتهاء من تسويته.
- التقاط الطعام من القمامة.
- قصور الغدد التناسليَّة (المبيضين أو الخصيتين)، إذ لا تنتج الهرمونات الجنسيَّة بكمياتها الطبيعيَّة، وقد لا تنتجها على الإطلاق؛ ومن ثمّ لا تتناسب درجة نموّ الأعضاء التناسليَّة مع مرحلة البلوغ ممَّا يسبِّب تأخّره وعدم ظهور علاماته الكاملة، فمثلًا:
- عدم نزول الحيض – في حال عدم تناول أي علاجات- حتَّى الثلاثين من العمر.
- عدم نموّ شعر الوجه لدى الشباب مع بقاء الصوت طفوليًّا بعض الشيء.
- قصور الغدَّة الدرقيَّة ممَّا يؤثِّر سلبًا في عمليَّة الأيض بالجسم ومن ثم ضعف النمو، فيعاني الشخص البالغ قصرًا بالقامة وانخفاض الكتلة العضليَّة، وزيادة نسبة الدهون، فلا يشتدّ عود الولد أو البنت بالدرجة المطلوبة رغم وصولهما سنّ البلوغ.
- تراجع خفيف أو متوسِّط في القدرات الذهنيَّة، فلا يقدر مصاب برادر ويلي على التحليل والاستنتاج وحلّ المشكلات.
- تأخُّر التطوُّر الحركي، إذ لا يؤدِّي الطفل الحركات الجسديَّة في مراحلها المتوقَّعة، فهو يحتاج إلى وقتٍ أطول حتى يتمكَّن من أدائها، مثل الحبو أو المشي.
- تأخُّر الكلام وصعوبة نطقه بطريقة سليمة.
- كثرة تكرار نوبات الغضب والسلوك العنيف، خاصَّةً إذا حرمتيه من الطعام.
- اضطرابات النوم المصحوبة بحالة انقطاع النَّفس مؤقَّتًا خلال دورة النوم.
لماذا يمرُّ صغيري بهذا الكمّ من الاضطرابات؟
أعلم تمامًا -عزيزتي الأم- أنَّ هذا السؤال يكاد يفتك برأسك الآن إشفاقًا على طفلكِ وقلقًا على مستقبله، ولن أخفيكِ سرًّا إذ إنَّه كعادة الاضطرابات الوراثيَّة أو الجينيَّة يتعذَّر على العلماء والمتخصّصين الوصول إلى الآليَّة الدقيقة التي تضطرب إثرها المادَّة الوراثيَّة، فلم يتوصَّلوا لأكثر من وجود خطأ ما في الكروموسوم رقم 15 الواصل إلى الطفل من أبيه، هو السبب في الإصابة بمتلازمة برادر ويلي.
يؤدِّي الخلل في الكروموسوم المذكور إلى تعطُّل أحد أجزاء الدماغ المهمَّة (منطقة ما تحت المهاد) عن أداء وظيفتها في إنتاج عدد من الهرمونات التي تتحكَّم في الشعور بالجوع، ومعدَّل النمو، والنوم، والحالة المزاجيَّة، ودرجة حرارة الجسم.
برادر ويلي، متلازمة محفوفة بالمخاطر
نظرًا للشراهة المفرطة فإنَّ السمنة المفرطة هي أكثر ما يعانيه أصحاب هذه المتلازمة، لكن الأمر لا ينتهي بهم عند هذا الحدّ، إذ يعانون فوق المعاناة من بعض المضاعفات، وهي:
- داء السكَّري من النوع الثاني.
- ارتفاع ضغط الدم.
- زيادة نسبة الكوليستيرول بالدم.
- الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدمويَّة.
- اختلال وظائف الكبد، وظهور حصوات المرارة.
- انقطاع النَّفس خلال النوم.
كما تساهم الاختلالات الهرمونيَّة في ظهور نوع آخر من المضاعفات، منها:
- العقم.
- هشاشة العظام.
هذا بالإضافة إلى ما تشكِّله الاضطرابات السلوكيَّة والنفسيَّة على الأسرة بأكملها، فربما تؤثِّر سلبًا على المشاركة في الحياة الاجتماعيَّة أو تجنُّب التجمُّعات العائليَّة أو مع الأصدقاء تفاديًا للشعور بالحرج.
كيف تتأكَّدين من إصابة طفلك بمتلازمة برادر ويلي؟
يُشخّص الأطبَّاء حالة ويلي من خلال ما يلي:
- ملاحظة الأعراض الظاهرة، والسؤال عن التَّاريخ الطبِّي والعائلي.
- طلب إجراء بعض الفحوصات الوراثيَّة مثل (DNA methylation test).
هل يمكن الشِّفاء من متلازمة برادر ويلي؟
كقاعدة عامَّة، لا يمكن علاج الاضطرابات الوراثيَّة أو الجينيَّة بصورة نهائيَّة، لكن كلَّما كان التشخيص مبكِّرًا زادت قدرة المصاب على التعايش مع المتلازمة بصورة أفضل، كما يتمكَّن ذووه من التعامل مع الأعراض المصاحبة لها على نحو سليم، وذلك عن طريق تطبيق ما يلي:
- توفير التغذية السليمة للطفل الرضيع، مثل الحليب الصناعي الغني بالطاقة والعناصر الغذائيَّة المهمَّة، والمتابعة مع طبيب أطفال باستمرار.
- استشارة متخصِّص بالغدد الصمَّاء لعلاج اضطرابات هرمون النمو، والهرمونات الجنسيَّة بالهرمونات البديلة.
- الاستعانة بأخصَّائي التغذية لإدارة مشكلة الوزن في إطار تغذية طفلك بما يفيده ويقوِّي بنيته.
- التعاون مع استشاري نفسي ليوجّهكِ إلى الطرق الصحيحة للتعامل مع نوبات الغضب واضطرابات السلوك.
- طلب المشورة من أخصَّائيي التخاطب وتعديل السلوك وتنمية المهارات لتحسين جودة حياة طفلكِ مستقبلًا.
وفي الختام، نودُّ أن نتوجَّه بالحديث إلى الأب والأم معًا، إذ ينبغي ألا يغفلا عن دورهما المهمّ في حياة صغيرهما، فبدون الصبر وبذل الكثير والكثير من الجهد لن يتطوَّر الطفل ولن تتقدَّم حالته .. وتذكَّرا دائمًا أنَّ الأمر يستحق.