كيف يؤثِّر الحمل على صحَّة المرأة؟

تحمل كل فتاة حُلم الأمومة معها منذ صغرها، فتتخيَّل الدُمى أطفالًا صغارًا، وتمنحهم أسماءً لتلعب معهم وتحكي لهم ما تشاء من الحكايات، ويكبُر الحُلم معها إلى أن تتزوَّج ويُصبح حقيقة، فكم هو جميل أن تحملي حياةً جديدة بداخلك، تنمو يومًا بعد يوم تمامًا كما ينمو الأمل؛ وحتى بلوغ الحُلم لا بد من تحمُّل تحدِّيات فترة الحمل، إذ تُعدُّ فترة استثنائيَّة تتعرَّض فيها المرأة لتغيُّرات جسديَّة ونفسيَّة تؤثِّر على صحّتها بصورة شاملة. وبدورنا في مقالنا اليوم، نطمح إلى توفير معلومات قيِّمة تساعد المرأة الحامل في الحفاظ على صحّتها وصحَّة جنينها بأقصى قدر من الراحة والسلامة، من خلال فهم هذه القضايا وتقديم النصائح والتوجيهات اللازمة.

ما التحدِّيات التي تواجه الحامل؟

تحكي إحدى حديثات العهد بالأمومة عن التحدِّيات الصحيَّة التي واجهتها منذ أوَّل يومٍ عرفت فيه بحملها، وأوضحت أنَّها متنوِّعة ومختلفة، منها ما هو عابر ويظهر فقط في الأشهُر الأولى، مثل:

  • الغثيان.
  • القيء.
  • آلام أسفل البطن.

ومنها ما يظهر بالتزامن مع قُرب انتهاء الحمل، مثل:

  • الزيادة الواضحة في الوزن.
  • تورُّم القدمين والكاحلين.
  • اضطرابات النوم.

لكنها عَرِفَت من طبيبتها أنَّ هناك صورًا أخرى من التحدِّيات الصحيَّة في أثناء فترة الحمل، تحتاج إلى التعامل معها بحكمة واهتمام حتَّى يصل الجنين إلى الدنيا بسلام، وتظلّ الأم في أتمِّ صحَّة وعافية، ولعلَّ من أهمِّ هذه التحدِّيات وأبرزها:

  • ارتفاع ضغط الدم.
  • ضعف المناعة.
  • التغيُّرات الهرمونيَّة.

ارتفاع ضغط الدم والحمل

يُقصَد بضغط الدم، تلك القوَّة التي يؤثِّر بها الدم على جدران الشرايين بعد أن تنقبض عضلة القلب، ويُقاس بوحدة الملليمتر زئبق (mmHg).

يُسَجَّل قياس ضغط الدم في رقمين معروفين للمعدل الطبيعي هما (120/80)؛ إذ يُشير الرقم العُلوي (120) إلى قياس ضغط الدم الانقباضي (systolic) ويعني ضغط الدم الواقع على الشرايين عندما تنقبض عضلة القلب، بينما يُشير الرقم الأصغر (80) إلى الضغط الواقع على الشرايين، لكن عند ارتخاء عضلة القلب بين النبضة والتي تليها.

وتؤكِّد الجمعيَّة الأمريكيَّة للقلب (AHA) على ضرورة الحفاظ على مستوى ضغط الدم خلال فترة الحمل ضمن المعدَّلات الطبيعيَّة التي تتراوح -مثلما أشرنا- بين (120/80) أو أقل؛ لكن ذلك لا يعني أن تقلَّ عن (90/60)، إذ تُشير هذه القراءة إلى انخفاض غير طبيعي في ضغط الدم (hypotension)، بينما تُشير القراءة التي تتجاوز (140/90) خلال فترة الحمل إلى مشكلة ارتفاع ضغط الدم (hypertension).

هل ارتفاع ضغط الدم يُهدِّد الحمل؟

يؤسفنا أن تكون الإجابة نعم؛ إذ يُعدُّ ارتفاع ضغط الدم أحد أهمّ الحالات الصحيَّة التي تتطلَّب اهتمامًا بالغًا ومُراقبة دقيقة؛ وذلك لما يحمله من مخاطر مُهدِّدة لصحَّة الأُم والجنين، ومن أهمِّها:

  • انخفاض كميَّة الدم المُتدفِّقة إلى المشيمة، ومن ثمّ عدم وصول الأكسجين والمواد الغذائيَّة بكميَّة كافية إلى الجنين؛ ممَّا يعني أنَّه أصبح عُرضة لعدد من المخاطر، مثل:
  • تراجع معدَّلات نموّه.
  • انخفاض وزنه عن المعدَّل الطبيعي عند الولادة.
  • الولادة المُبكِّرة، وفي هذه الحالة يعاني الجنين من مشكلات في التنفُس، كما يُصبح أكثر عُرضة للإصابة بالعدوى.
  • الانفصال المُبكِّر للمشيمة (Abruptio placenta)، ويُقصد به انفصال المشيمة عن جدار الرَّحم، وهذا قد يسبِّب نزيفًا حادًّا يهدِّد حياة الأم والجنين معًا.
  • يمكن أن يشمل التأثير السلبي لارتفاع ضغط الجسم الأعضاءَ الحيويَّة، مثل إصابات الدماغ والقلب والرئتين والكبد والكُلى، ويُعَدُّ في هذه الحالة أيضًا مُهدِّدًا لحياة الأُمّ.

هل ارتفاع ضغط الدم يُسبِّب تسمُّم الحمل؟

في الحقيقة لا يمكننا القول إنَّ ارتفاع ضغط الدم خلال فترة الحمل يسبِّب تسمم الحمل بصورة مباشرة؛ لكنَّه يُعدُّ أحد أهمّ مقدِّماته بالإضافة إلى بعض الأعراض الأخرى، مثل:

  • ظهور البروتين في فحص البول ممَّا يدلُّ على وجود خلل في وظائف الكلى.
  • انخفاض مستوى الصفائح الدمويَّة بالدم.
  • ارتفاع إنزيمات الكبد عن معدّلاتها الطبيعيَّة.
  • اضطرابات الرؤية.
  • التورُّم المفاجئ خاصَّةً في الوجه والكفين.

لذا نؤكِّد على أهميَّة الالتزام بمتابعات الحمل مع الطبيب المختصّ، والتوجُّه إليه في حال ملاحظة أيٍّ من الأعراض المذكورة، لأنَّ الأمر لا يحتمل التهاون.

كيف أتجنَّب مضاعفات ارتفاع ضغط الدم في فترة الحمل؟

لعلَّ هذا التساؤل هو ما يدور في ذهنكِ الآن؛ لذا اعلمي عزيزتي أنَّ عنايتكِ الجيَّدة بصحّتكِ طيلة فترة الحمل، والتزامكِ بالمتابعات المنتظمة مع طبيبك، هي أفضل ما يمكن أن تقدّميه لطفلك ليصل إلى الحياة بأمان، ويُنجيكِ من مخاطر مضاعفات ارتفاع ضغط الدم، كما يمكن أن تساعدكِ النصائح التالية في ذلك، وهي:

  • الحرص على تناول ما يصف الطبيب من أدوية الضغط في مواعيدها دون الإخلال بها.
  • اتِّباع نظام غذائي صحِّي ومتوازن غني بالفاكهة والخضروات والبروتينات الصحيَّة، والابتعاد عن كل ما قد يسبِّب المزيد من ارتفاع ضغط الدم، مثل الوجبات السريعة أو الوجبات الدسمة والمقليَّات مع تقليل الملح في الطعام.
  • مراقبة ضغط الدم عن طريق قياسه بانتظام ومتابعة تغيُّراته بدقَّة، والتواصل مع الطبيب على الفور، إذا لاحظتِ ارتفاعًا غير طبيعي في قراءات ضغط الدم.
  • ممارسة الرياضة المعتدلة مثل المشي، إذ إنها قد تساعد في خفض ضغط الدم.
  • تجنُّب كل ما قد يسبِّب توتركِ ويزيد من ضغطكِ النفسي، ويساعدكِ في ذلك ممارسة بعض تمارين الاسترخاء مثل التنفُّس بعمق.
  • كوني حذرة تجاه بعض العادات التي تتسبَّب في ارتفاع ضغط الدم، مثل التدخين. أيضًا احرصي على استشارة طبيبكِ قبل تناول أي دواء دون وصفة طبيَّة.

هل الحمل يُضعِف مناعة الجسم؟

يمكننا أن نصف الجهاز المناعي بالحارس المُخلص الذي يحمي الجسم من كل ماهو غريب عليه، ودوره مهمّ في الحفاظ على صحَّة الجسم بصورة عامة، إذ يتألَّف من شبكة معقَّدة من الأعضاء والأنسجة والخلايا التي تعمل في تناغمٍ للكشف عن أيِّ غريب يصل إلى الجسم وتدميره ثمَّ التخلُّص منه باحترافيَّة مذهلة.

وبرغم قوَّة الجهاز المناعي في الدفاع عن الجسم، إلا إنه يفقد جزءًا من هذه القوَّة في أثناء فترة الحمل؛ ممَّا يفتح الباب أمام أشكال مختلفة من العدوى، سواء البكتيريَّة أو الفيروسيَّة أو الفطريَّة.

يمكننا الآن أن نطرح السؤال بصورة أكثر دقَّة، هل الحمل يُضعِف الجهاز المناعي، أم إنَّه هو من يتأقلم مع فترة الحمل؟

يتغيَّر الجهاز المناعي في فترة الحمل تبعًا للتغيُّرات الهرمونيَّة -كما هو الحال مع أجهزة الجسم الأخرى- ليتمكَّن من حمايتكِ وجنينك في آنٍ واحد، وذلك عن طريق تحفيز نشاط بعض الأعضاء والخلايا المسؤولة عن المناعة وتثبيط أخرى ومن هنا يكون التوازن الذي يمنع إصابة الجنين بأي عدوى مع الحفاظ على صحَّة الأم قدر الإمكان، إذ إنَّها تُصبح أكثر عُرضة للإصابة بالعدوى، لما يبذله الجهاز المناعي من مجهود مُضاعَف.

العلاقة بين التغيُّرات الهرمونيَّة وضعف المناعة في فترة الحمل 

تلعب التغيُّرات الهرمونيَّة على مدار التسعة أشهر دورًا واضحًا في زيادة فرصة إصابة الأُم بالعدوى، إذ تتأثَّر صحَّة الجهاز البولي سلبًا جرّاء إنتاج هرمون البروجستيرون الذي يزيد مع تقدُّم الحمل، ومن ثمّ يتوسَّع الرحم ضاغطًا على الحالبَين والمثانة مسبِّبًا ارتخائهما، ممَّا يسمح للبول بالبقاء لفترة طويلة في المثانة، وهذا يفتح الباب أمام عدوى المسالك البوليَّة.

تؤدِّي كذلك التغيُّرات في مستويات هرمون الاستوروجين خلال فترة الحمل إلى زيادة فرصة الإصابة بداء المُبيّضات المهبلي، ويُعرف أيضًا باسم التهاب القلاع المهبلي (Candidiasis)، وهو التهاب فطري يُصيب المهبل جرّاء زيادة أعداد الفطريات الموجودة به بصورة طبيعيَّة وهي الكانديدا البيكانز (candida albicans) وزيادة نشاطها إثر ضعف الجهاز المناعي، ومن أبرز أعراضها خروج إفرازات مهبليَّة بيضاء تُشبِه الجبن، والرغبة المستمرَّة في الحكَّة.

هل يمكن أن يُصاب الجنين بالعدوى بسبب ضعف المناعة؟

لا يمرّ الأمر مرور الكِرام إذا وصلت العدوى بطريقةٍ أو بأخرى إلى الجنين، إذ إنَّ هناك بعض أنواع العدوى التي يمكنها أن تنتقل إلى الجنين إذا أغفلت الأم المصابة بها متابعات الحمل، ومنها:

  • الفيروس المُضخِّم للخلايا (Cytomegalovirus – CMV)، وهو نوع من الفيروسات التي تتسبَّب في ظهور بعض المضاعفات على فئة قليلة جدًا من الأجنَّة (لا تتجاوز 10%)، مثل:
    • فقدان السمع أو البصر.
    • انخفاض الوزن عند الولادة.
    • الطفح الجلدي.
    • صِغر حجم الرأس.
  • داء المُقوّسات المعروف بداء القطط (Toxoplasmosis)، ممَّا قد يسبِّب التشوُّهات الخلقيَّة للجنين.

كيفيَّة الوقاية من مضاعفات نقص المناعة في الحمل؟

يعتلي الوعي بأهميَّة المعرفة والاطلاع المستمر على ما يخصّ صحّتك وجنينك في فترة الحمل، وكذلك أهميَّة الالتزام بالمتابعات المنتظمة مع الطبيب قائمة النصائح اللازمة للوقاية من المضاعفات المحتملة إثر ضعف المناعة خلال فترة الحمل.

كذلك، تُعدُّ العلاقة بينكِ وبين طبيبك أمرًا حيويًّا خلال فترة الحمل، إذ يقدِّم لكِ ما ينبغي معرفته عن مسبِّبات العدوى أثناء الحمل، والأضرار المحتملة لكِ ولطفلكِ، وكيفيَّة التصرُّف إن حدثت الإصابة. 

وفيما يلي نقدِّم لكِ عددًا من النصائح اللازمة للحفاظ على صحّتكِ وصحَّة طفلكِ طيلة فترة الحمل وحتَّى الولادة بأمان؛ فالالتزام ببعض الاحتياطات اليوميَّة البسيطة، يمكن أن يقطع شوطًا طويلًا في الحدِّ من الإصابة بالعدوى، وتشمل هذه النصائح:

  • غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدَّة 20 ثانية على الأقل واستخدام معقِّم اليدين، خاصَّةً بعد استعمال المرحاض، أو إعداد اللحوم والخضروات النيِّئة.
  • التأكُّد من تسوية اللحوم جيدًا قبل تناولها، وإذا كنتِ في أحد المطاعم فاطلبي تلك المطهيَّة جيدًا (well done).
  • تجنُّب تناول اللحوم المُصنَّعة بكل أنواعها، مثل: البرجر، والفرانكفورتر (النقانق)، واللانشون وغيرها.
  • عدم تناول الحليب غير المُبستر.
  • تجنُّب التعامل مع القطط خلال فترة الحمل، وكذلك الامتناع تمامًا عن التعامل مع فضلاتها.
  • تناول طعام متوازن وغني بالفيتامينات والمعادن لتعزيز كفاءة الجهاز المناعي.
  • يُعدُّ النوم لساعات كافية بانتظام أساسيًّا لصحَّة جهاز المناعة.
  • الابتعاد عن كل ما يسِّبب لكِ التوتُّر والضغوط النفسيَّة قدر الإمكان، إذ تُعدُّ من أبرز العوامل المؤثِّرة سلبًا على جهاز المناعة. 
  • الإقلاع عن العادات السيِّئة التي تستهلك المناعة، مثل: التدخين.
  • الالتزام بجدول التطعيمات خلال فترة الحمل -إذا أوصى بها الطبيب- بما لها من دور فعّال في تعزيز مناعة الجسم ووقايته من العدوى المحتملة.

في النهاية، نودّ أن نُذَكِّركِ عزيزتي أنَّ الحمل تجربة فيها من الأمل أكثر من الألم، وكل أمٍّ لها تجربتها الخاصَّة والفريدة؛ لكن حتى تمرّ هذه التجربة بسلام وحتى تقرّ عينكِ بطفلكِ، ل ابد أن تثقي في الطبيب المتابع لحملك، وتفصحي له عن كل ما بداخلكِ من مخاوف وتساؤلات حتى يطمئن قلبكِ.

المصدر
By Kristeen Cherney — Updated on June 29, 2023Mayoclinic medical professionals, July 23, 2022By Mayo Clinic Staff - April 15, 2022Medically reviewed by Nicole Galan, RN — By Kristeen Cherney — Updated on March 29, 2016By Mayo Clinic Staff, Nov. 03, 2022By Mayo Clinic Staff, Mar 23, 2022
اظهر المزيد

اسراء سامي

إسراء سامي هي خبيرة في مجال صناعة المحتوى، حازت على درجة البكالوريوس في المجال الطبي. تتميز بخبرتها الواسعة في كتابة المحتوى العلمي والثقافي المتنوع. اهتمامها البارز ينصب في القضايا الصحية وشؤون المرأة، بما في ذلك الصحة الجنسية والإنجابية. تتقن كتابة مقالاتها باللغة العربية، مستندة إلى خلفيتها العلمية، بهدف تقديم معرفة قيمة وموثوقة للقراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى