تأثير الصدمة الجنسيَّة على المراكز العصبيَّة في الدِّماغ

في عالمنا اليوم، يُعَدّ التحرُّش الجنسي والاعتداء على الأطفال آفة اجتماعيَّة خطيرة تُحدث تأثيرات نفسيَّة وجسديَّة عميقة على الضحايا. يستند هذا المقال إلى الفهم العميق للصدمة النفسيَّة التي يتعرض لها الأطفال جرّاء التحرُّش والاعتداء الجنسي، وكيفية تأثير ذلك على تنظيم وظائف الدِّماغ والحياة الجنسيَّة للضحايا في المستقبل.

ما هو الفرق بين التحرُّش الجنسي والاعتداء الجنسي على الأطفال؟

فيما يتعلّق بالتفريق في التعريف الطبِّي لكل من التحرُّش الجنسي والاعتداء الجنسي على الأطفال، فإن التحرُّش الجنسي هو تصرفات جنسيَّة غير مرغوب بها، يقاوم الطفل الضحيَّة حدوثها. 

يتمثّل التحرُّش الجنسي في السلوكيَّات غير الملائمة كلاميًّا أو جسديًّا، مثل:

  • النظرات الشهوانيَّة.
  • لمس جسم الطفل باستثناء مناطق الأعضاء التناسليَّة.
  • التلميحات الجنسيَّة ومحاولة استثارة الضحيَّة (الطفل).
  • التحرُّش الجنسي لا يصل لدرجة الممارسة الكاملة للجنس.

أمَّا الاعتداء الجنسي، فهو سلوك أكثر تماديا وخطورةً على الضحيَّة، حيث يتمثّل في:

  • لمس الجسم بشكل جنسي وشهواني وخصوصًا الأعضاء الجنسيَّة والتناسليَّة.
  • الاغتصاب.
  • إجبار الطفل على ممارسات جنسيَّة تحدث بالعادة بين البالغين، وذلك يُسبّب أكبر ضرر نفسي وعاطفي ممكن على الطفل في الوقت الحالي ومستقبلًا.
  • يُمكن أن تكون الآثار الجانبيَّة الناتجة عن هذا الاعتداء مؤقَّتة عند الطفل، ويمكن أن تكون دائمة تستمرّ طوال حياته، وتشمل الأضرار الجسديَّة تشويه عضو جنسي نتيجة الاغتصاب، وهذا يُعتبَر أثر جانبيّ دائم، أو إحداث كسور في الأضلاع وعظم الحوض أو الفكّ، وهذا يكون أثر جانبي مؤقَّت.

اقرأ المزيد في مقال حقوق الطفل ومكافحة التحرُّش الجنسي؛ دور العائلة والمجتمع

الصدمة النفسيَّة التي يُمكن أن يُسبِّبها الاعتداء الجنسي على الأطفال وتأثير ذلك على الدِّماغ

كيف نفهم العلاقة بين الصدمة النفسيَّة التي تحدث للطفل نتيجة الاعتداء الجنسي والتغييرات التي يُمكن أن تطرأ على كيمياء الدماغ؟

إجابة هذا السؤال تُختزل في أنَّ بعض الأبحاث تربط بشكل وثيق بين الإجهاد العصبي والنفسي الذي يتعرَّض له الطفل أثناء الاغتصاب، وتغييرات في هيكلة الدماغ، وتغييرات في كيمياء النواقل العصبيَّة أيضًا.

ماذا تتضمَّن هذه التغييرات؟ 

تتضمَّن هذه التغييرات انخفاضًا في حجم بعض المناطق الدماغيَّة المرتبطة بالتحكُّم في العواطف، وضبط مشاعر الخوف.

مقالات ذات صلة

يجدر التنويه أيضًا، إلى أنّ الطفل في هذه المرحلة يكون الدماغ لديه في طور النمو، لذلك فإنَّ الاغتصاب في هذه الحالة سيؤثّر على مناطق خاصَّة بالتحكم في العواطف والتنظيم السلوكي في الدّماغ، وتكون النتيجة بعد ذلك صعوبات شديدة في التكيّف مع المشاعر التي تتولّد خلال التعرّف على الأفراد وبناء علاقات اجتماعيَّة في المدرسة أو في الجامعة بعد ذلك.

هل هنالك اضطرابات نفسيَّة وعقليَّة معيَّنة يمكن أن تنتج عن تعرّض الطفل للاعتداء الجنسي؟

1. إنَّ غالبيَّة الحالات تدخل في نوبات ناتجة عن اضطراب ما بعد الصدمة، الصدمة هنا هي الاعتداء الذي حدث، وهي عبارة عن حالة نفسيَّة تتمثّل فيما يأتي:

  • التفكير كل فترة بالتفاصيل الدقيقة لحادثة الاغتصاب، ودخوله في حالة من التفكير المستمرّ في الحدث.
  • الكوابيس المستمرَّة.
  • اضطرابات النوم.
  • زيادة حالات القلق والتوتُّر.
  • التأثير على هيكليَّة الدماغ ووظائفه المتعلِّقة بتنظيم مشاعر الخوف والتنبيه. 

2. الاكتئاب السريري واضطرابات القلق العامّ

إنَّ الاعتداء الجنسي يزيد بشكل ملفت من نسبة خطورة إصابة الطفل بالاكتئاب واضطرابات القلق العامّ، وهذا يعني أنَّ الأنظمة الكيميائيَّة في الدماغ والمسؤولة عن التوازن العاطفي وثبات أو تقلّب المزاج العام تختلّ، ويُصيبها نوع من العطب المؤقَّت يتطلَّب تدخّلًا علاجيًّا سريعًا.

هل هنالك اختبارات طبيَّة يمكن أن تقيس درجة هذه الصدمة على الدماغ؟

جواب هذا السؤال، هو نعم.

توجد أدوات واختبارات طبيَّة لقياس مستويات التأثير النفسي والدماغي للصدمة، ومثال على الصدمة: الصدمة الناجمة عن الاعتداء الجنسي على الأطفال.

لكن الدراسات تُشير إلى أنّه ليس في كل الأحيان تكون هذه الأدوات والاختبارات دقيقة لقياس التأثيرات لكنَّها تحاول أن تقرِّب المسافة بين الطبيب وحالة الطفل الذي تعرَّض للاعتداء الجنسي، وذلك على النحو الآتي:

  • تقديم فهم أفضل للوضع النفسي والعقلي لحالة الطفل.
  • تقديم استبيانات خاصَّة بالحالة المرضيَّة المتوقَّعة وهي اضطراب ما بعد الصدمة، والذي يقيس مدى شدَّة الأعراض الناجمة عن الاعتداء وتقييم الحالة على نحوٍ عامّ.
  • فحوصات تقييم الوظائف العقليَّة التي تتمثّل في تعريض الطفل الضحيَّة إلى مهامّ معيَّنة يتمّ من خلالها قياس وظائف معيَّنة في الدماغ، وذلك مثل الذاكرة والقدرة الذهنيَّة على تحليل المعلومات، بالإضافة إلى قياس الانتباه وهذا يُساعد نظريًّا في تقييم مدى خطورة التأثير على وظائف الدماغ من عدمه.
  • التصوير بالرنين المغناطيسي والذي يقدِّم دراسة لهيكليَّة الدماغ كاملة وتحديد التغييرات التي حدثت في بنية الدِّماغ جرّاء هذه الصدمة النفسيَّة.

كيف يمكن أن يؤثّر التحرُّش أو الاعتداء الجنسي بالأطفال على حياتهم الجنسيَّة مستقبلًا؟

إنَّ آثار التحرُّش المستقبليَّة على حياة الطفل عندما يبلغ وينضج ويندمج في المجتمع بشكل يُجبره كأي إنسان على التعرُّف على أصدقاء، زملاء في العمل، وبالنهاية التعرّف على (الزوج/ الزوجة) المستقبلي،  تبدأ بالظهور على شكل انخفاض في مستويات الثقة بالذات، وهو ما يُؤثّر مع الوقت على نظرة الطفل لذاته، لجسمه، لكيانه، لأفكاره، لمدى أهمّيته في الأسرة أو البيئة التي ينتمي إليها، كبيئة الدراسة أو بيئة العمل مستقبلًا، وهذا ما يُمكن أن يطوّر شعورًا بالخجل من الذات، كما أنَّ هذه الحالة تكون بيئة خصبة للعديد من الأمراض النفسيَّة والتي ستؤثّر عليه على نحو شديد عند البلوغ، وبالنهاية ستؤثّر سلبًا على وظائف الجسم والعقل المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالاستجابة للمواقف الجنسيَّة مع (الزوج/الزوجة).

أيضًا فالأطفال الذين يتعرَّضون لتجربة الاعتداء أو حتى التحرُّش سيواجهون بالتأكيد صعوبات بالغة في بناء علاقات صحيَّة قوامها الثقة المتبادلة عند البلوغ، وهذه نقطة غاية في الخطورة، لأنّ ذلك سيكون حاجزًا أمام بناء أيَّة علاقة مع إنسان قد يكون زوجًا مستقبليًّا، فكيف ستنشأ علاقة صحيَّة ومتوازنة نفسيًّا مع زوج، لا يستطيع الشخص الذي تعرّض لتجربة الاعتداء الوثوق به، وهذا يجعل إمكانيَّة حدوث تجربة علاقة حميمة بينهم غاية في الصعوبة.

التحرُّش أو الاعتداء الجنسي هو السبب الرئيس في تشويه النظرة العامَّة للعلاقة الجنسيَّة مع الزوج والنظرة للجسد. وهذا ما يزيد من خطورة تطوّر تصوّرات سلبيَّة عن الجنس والمشاعر الجنسيَّة التي من الممكن اختبارها خلال العلاقة الزوجيَّة. 

اضطراب ما بعد الصدمة

وهي الحالة الأكثر شيوعًا من حيث الحدوث مع الأطفال الذين تعرَّضوا لحادثة أو جريمة الاعتداء الجنسي أو حتى التحرُّش الجنسي. وقد ذكرنا سابقًا أعراض هذه الحالة، ولكن من باب التأكيد والتذكير فالحالة يغلب عليها تَكرار الكوابيس المزعجة. التفكير المستمرّ بالحَدث وكأنَّه يحدث الآن. بالإضافة إلى القلق العامّ، وهذا كلّه يصبّ في ضعف وظائف الجسم والعقل المتعلِّقة بالاستجابة الجنسيَّة أثناء العلاقة الحميمة.

في حالات معيَّنة قد ينتج عن حالات التحرُّش والاعتداء الجنسي تطوير سلوكيَّات جنسيَّة غير صحيَّة. أو فيها نوع من الشذوذ، أو على نحو أدقّ تصرّفات جنسيَّة مشوَّهة. وبالطبع تكون نتيجة التجارب السلبيَّة، والتي تُؤثّر بدورها بالنهاية على اتِّزان الحياة الجنسيَّة الزوجيَّة.

ملاحظة: التجربة السلبيَّة هي، الاعتداء وطبيعته ونمطه، وما نتج عنه من احتياجات جنسيَّة مشوَّهة تَمّت ممارستها عند البلوغ.

وفي النهاية، فإنَّ التعرُّض للتحرّش أو الاعتداء الجنسي سيؤثّر بالضرورة على التحكّم بالمشاعر والاستجابات العاطفيَّة. وذلك سيترافق مع صعوبات في التعامل مع المواقف الجنسيَّة، والتحكّم في ردود الأفعال أثناء العلاقة الحميمة الزوجيَّة. 

المصدر
Reviewed by Mayo Clinic Staff - mayoclinic - May 19, 2022Reviewed by Chloe Williams - psychologytoday - May 6, 2021helpingsurvivors
اظهر المزيد

نور الدين حسن

طبيب عام ومقيم أمراض نفسيَّة وعصبيَّة وسلوكيَّة - وزارة الصحة./ كاتب محتوى علمي وطبي مع العديد من المنصات والمواقع الطبية والعلمية./ مدرب في الصحة الجنسية والإنجابية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى