مراكز خدمات الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة، ما هي؟ وما الخدمات التي تقدِّمها؟

تخيَّل أنَّ قلعةً ضخمة تُبنى لتكون حصنًا منيعًا يحمي من بداخله من خطر، لكن ولسبب ما وبعد الانتهاء من تشييدها فوجئ أهلها بوجود ثغرات يسهل استغلالها لاختراق القلعة؛ ما جعل أبسط الأمور مهدّدة لسلامتهم وأمنهم؛ ومن ثم سهولة انهيار هذا الصرح.

هذا المثال المذكور يوضح حال الأسرة -والتي تعدُّ حجر الأساس في بناء المجتمع- إذا غفلت عن أهميَّة الوعي بجانب الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة؛ إذ يؤثِّر ذلك سلبًا في قوَّة بنيانها ودرجة تمسُّك أفرادها ببعضهم البعض.

وفي سبيل زيادة وعي الأسرة فيما يتعلَّق بهذا الصدد، تحرص مراكز الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة على تقديم خدماتها المتنوِّعة والتي يتَّسع أفُقُها لتلبية حاجات المراحل العمريَّة المختلفة كلٌّ بالزاوية التثقيفيَّة التي تناسبه.

خلال سطور مقالنا اليوم، نسلِّط الضوء على توضيح ماهيَّة مراكز خدمات الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة وطبيعة الخدمات التي تقدِّمها، وكيف يمكن لهذه الخدمات أن تغيِّر حياة الأفراد ومن ثمَّ المجتمعات بأكملها فتزداد وعيًا وترابطًا، فتابعوا قراءته بعناية.

نبذة عن الفرق بين الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة

قد لا يدرك البعض أنَّ ثمَّة فرق بين مفهوم الصحَّة الجنسيَّة والصحَّة أو القدرة الإنجابيَّة، الأمر الذي نوضحه في النقاط القليلة القادمة:

أولا: ما المقصود بالصحَّة الجنسيَّة؟

عرَّفت منظَّمة الصحَّة العالميَّة الصحَّة الجنسيَّة بأنَّها حالة الرفاهيَّة البدنيَّة والنفسيَّة التي يحظى بها من ينعم بعلاقة زوجيَّة مستقرَّة يدرك فيها الزوجان أهميَّة العلاقة الحميمة المُرضية لكلٍّ منهما في استقرار عشهما الزوجي ومن ثمَّ سائر تفاصيل حياتهما، ولم تشترط في ذاك التعريف ضرورة خلوّ أحد الزوجين أو كليهما من الأمراض، كما أنَّها لم تستثني منه المشكلات الصحيَّة التي من شأنها أن تؤثِّر سلبًا في القدرة الجنسيَّة، ومنها ضعف الانتصاب على سبيل المثال لا الحصر، فماذا عن الصحَّة الإنجابيَّة؟

ثانيًا: ماذا تعني الصحَّة الإنجابيَّة؟

الصحَّة الإنجابيَّة مصطلح يشير إلى مدى تمتع الرجل أو المرأة بصحَّة جيِّدة على المستوى النفسي والجسدي بصورة عامَّة والجهاز التناسلي على وجه التحديد؛ إذ إنَّ سلامته هي الأهمّ حتَّى يتسنَّى للرجل إنتاج حيوانات منويَّة سليمة قادرة على الوصول إلى البويضة الناضجة داخل الرَّحم.

وبناءً على ذلك كان دور مراكز خدمات الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة محوريًّا في هذا الصدد.

ما هي مراكز خدمات الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة؟

هي أحد أنواع المؤسَّسات المعنيَّة بالخدمة العامَّة، والتي قد تكون حكوميَّة أو تندرج تحت مفهوم الجمعيَّات أو هيئات الخدمة المجتمعيَّة.

واستنادًا إلى اسمها “مراكز خدمات الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة” فإنَّها تقدِّم مجموعة متنوِّعة من الخدمات، والتي -كما أشرنا سلفًا- تركِّز على ما يناسب كل فرد من أفراد الأسرة بحسب عمره، ومن أبرز خدماتها:

• تنظيم الأسرة.
• العناية بالمرأة قبل وخلال فترة الحمل، خاصَّةً حديثات العهد بالزواج.
• رعاية الأمَّهات والمواليد الجدد.
• الاهتمام بالشباب والشابات في مرحلة المراهقة.

وغيرها ممَّا تحمله مثل هذه المؤسَّسات من مسؤوليَّة مجتمعيَّة نتطرَّق إليها بشيء من التفصيل في الفقرات القادمة..

دور مراكز الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة في تنظيم الأُسرة 

تلعب مراكز الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة دورًا مهمًّا في تنظيم الأسرة من خلال تقديم مجموعة واسعة من الخدمات والمعلومات للرجال والنساء على حدٍّ سواء، مثل:

• توفير معلومات شاملة عن خيارات تنظيم الأسرة المختلفة وتصحيح المفاهيم المغلوطة بشأنها، وكذلك مساعدة الأزواج في انتقاء الطريقة الأنسب لاحتياجاتهم وظروفهم، وتشمل تلك الخيارات:
  • وسائل منع الحمل، ومنها حبوب منع الحمل، واللَّصقات، والحلقة المهبليَّة، واللَّولب الرَّحمي، أو الواقي الذكري.
  • منع الحمل عن طريق فكرة التباعد الطبيعي، وذلك من خلال حساب أيَّام التبويض وتجنُّب الجماع خلالها.

والجدير بالذكر أنَّ الأمر لا يقتصر على توفير الوسائل المذكورة فقط، بل مساعدة السيِّدات في استعمالها، ونرى ذلك من خلال تقديم خدمات:

• تركيب اللَّولب الرَّحمي وإزالته.
• إجراء اختبارات الحمل.
•  الإجهاض الآمن في بعض البلدان.

كل ذلك في إطار احترام خصوصيَّة الأفراد، علاوةً على توسيع مداركهم بمعرفة مساهمات هذا النوع من المراكز التوعويَّة في الخدمات المجتمعيَّة الأخرى، مثل الدعم النفسي.

العناية بصحَّة المرأة قبل الحمل وخلاله .. من أهمِّ أدوار مراكز الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة

في السياق ذاته، لا يمكننا أن نتجاهل إسهامات مراكز خدمات الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة في توفير الرعاية المتكاملة للمرأة قبل وأثناء الحمل، فضلًا عن الاهتمام الفائق بالمتزوِّجات حديثًا، ومن الأمثلة على ذلك:

• قبل الحمل، تتمثَّل الخدمات في:
  • إجراء الفحوصات الطبيَّة اللازمة للاطمئنان على صحَّة المرأة قبل الحمل وتهيئتها جسمانيًّا له، بالإضافة إلى تقييم وضع صحَّة المرأة وتوعيتها بشأن أي مخاطر محتملة للحمل.
  • تقديم المشورة حول أفضل الطرق المتَّبعة في التخطيط للحمل.

كما تحرص على نشر المعلومات الصحيحة، وحثّ الزوجين على اتِّباع أهمّ النصائح لزيادة فرص الحمل بصورة طبيعيَّة في حال واجها مشكلة في ذلك.

• أثناء الحمل، تتضمَّن الخدمات ما يلي:
  • المتابعة الدوريَّة للحمل.
  • الفحوصات المخبريَّة والتصوير بالسونار.
  • التثقيف الصحِّي حول التغذية والنشاط البدني المناسب.
  • الدعم النفسي وتوفير خدمة الاستشارات للحامل وأسرتها لضمان سلامة الأم والجنين.

بهذه الطريقة، تلعب مراكز الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة دورًا بارزًا في ضمان صحَّة المرأة وسلامتها قبل وأثناء الحمل، خاصَّةً بالنسبة للنساء حديثات الزواج واللاتي قد يحتجن إلى توجيه وإرشاد أكثر.

مرحلة المراهقة: فترة حرجة تهتمُّ بها مراكز الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة

تولِّي مراكز الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة لليافعين في مرحلة المراهقة اهتمامًا خاصًّا، وذلك عن طريق:

• مساعدتهم في فهم ما تمرُّ به أجسامهم من تغيُّرات هرمونيَّة وبيولوجيَّة سريعة، والتي لها تأثيرها الواضح في التطوُّر الجسدي، والنموّ العقلي والعاطفي.
• تثقيفهم وتوجيههم نحو المصادر الموثوقة التي تضمن للوالدين أنَّ أولادهم يتلقُّون معلومات صحيحة بشأن الجانب الجنسي في حياتهم.
• تفهُّم رغبتهم الجامحة في الاستقلاليَّة، وتوعيتهم بشأن حقوقهم خلال هذه المرحلة، وسقف الحريَّة المسموح لهم بالتحرّك في إطاره بأمان تام.
• تقديم الدعم والاستشارات النفسيَّة لمساعدتهم في مواجهة التحدّيات الناجمة عن اختلاط مشاعرهم خلال هذه الفترة، فقد يشعر البعض بالقلق والضغط والاكتئاب وغيرها من المشكلات.
• توعيتهم بشأن المخاطر المرتبطة بمرحلة المراهقة، كالعنف أو التحرُّش الجنسي بالنسبة للفتيات، علاوةً على ما قد يتطرَّق إليه الشباب من عادات سيِّئة مثل التدخين أو ما هو أسوأ من ذلك كتعاطي المخدَّرات.

خدمات أخرى تقدِّمها مراكز الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة

لم ينتهِ دور مراكز الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة عند الخدمات التي ذكرناها سابقًا؛ إذ إنَّها تقدَّم أيضًا ما يلي:

• توفير مساحة آمنة ومريحة لمناقشة ما قد يمرّ به البعض من مشكلات تتعلَّق بالصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة.
• احترام خصوصيَّة الأفراد وثقافتهم.
• توجيه حالات تأخُّر الإنجاب والعقم إلى الخيارات العلاجيَّة التي قد تجدي نفعًا في هذا الصدد.
• جمع المعلومات ومواكبة كل ما هو جديد فيما يخصّ صحَّة أفراد الأسرة.
• إجراء البحوث، والدعوة المستمرَّة إلى تحسين السياسات والبرامج المتعلِّقة بتنظيم الأسرة.
• التوعية بأهميَّة تنظيم الأُسرة والتعليم الجنسي.
• الدعوة لتحسين السياسات والبرامج المتعلِّقة بتنظيم الأُسرة.

ما أهميَّة الوعي بالصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة؟

تكمن أهميَّة الوعي بالصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة في استيعاب تأثيرها في العديد من الجوانب الحياتيَّة، ومنها:

• فهم الخيارات المؤثِّرة في مسار الأسرة واتِّخاذ القرارات المناسبة لذلك -خاصَّةً من الناحية الإنجابيَّة- والتي تتضمَّن على سبيل المثال، تنظيم الأسرة والتخطيط للحمل، وكيفيَّة الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيًّا.

• إدراك كيفيَّة عمل الجهازين البولي والتناسلي وطبيعة المستقبلات الحسيَّة في المناطق الخاصَّة؛ إذ إنَّ ذلك يساهم تحسين استقبال الفرد للتغيُّرات الجسمانيَّة والنفسيَّة، والتي تختلف على أساسها الاحتياجات بالانتقال من مرحلة عمريَّة إلى أخرى، مثلًا ما يمكن أن يستوعبه طفل حول هذه النقطة لا شك تختلف عن يافع في مرحلة البلوغ، وكذلك الحال مع المقبل على الزواج أو المتزوِّج بالفعل.

• تعلُّم سبل الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيًّا مثل فيروس نقص المناعة البشريَّة (HIV) والزهري.

• اتِّساع دائرة تأثير الوعي لتشمل المجتمع بأكمله؛ إذ يسفر عن بعض القرارات مثل تقليل معدَّلات الحمل غير المرغوب فيه، وحالات الزواج المبكِّر أو (زواج القاصرات)، بالإضافة إلى الحدِّ من الولادات المتقاربة حفاظًا على صحَّة الأم؛ الأمر الذي يقلِّل في النهاية من معدَّلات الزيادة السكَّانيَّة، ومن ثم تحسين مستويات المعيشة.

وتتمثَّل ثمار ذلك كله في تصالح كل شخص مع ذاته وفهم احتياجاته النفسيَّة والجسديَّة بصورة أعمق، ومن ثمَّ بناء علاقات سويَّة وصحيَّة بين أفراد الأسرة الواحدة، لننعم جميعًا في النهاية بالعيش في بيئة صحيَّة تتَّسم بالتناغم والتماسك.