الدورة الشهريَّة معاناة منسيَّة في زمن الحرب

اقرأ في هذا المقال
  • ما هي الدورة الشهريَّة؟
  • الدورة الشهريَّة ليست مجرَّد نزيف!
  • ما هي مضاعفات نقص الفوط الصحِّيَّة؟
  • ما الخيارات المتاحة لإدارة الحيض في أوقات الحروب؟

“نزحتُ مع عائلتي استجابةً لإنذارات العدوّ بالنزوح من بيوتنا قبل بدء الغارات والقصف، ومنذ ذلك الحين ننتقل من حيٍّ نسكن فيه ويسكن فينا إلى آخر لا نعرفه، ومن منطقةٍ إلى أخرى لا يستقبلنا فيها سوى المصير المجهول، وبينما نحن على هذه الحال فوجئتُ بنزول بعض الإفرازات المهبليَّة بنيَّة اللون لم أُعِرَها انتباهًا إلى أن تحوَّل لونها إلى الأحمر، ومن ثمّ سألتُ أمي وبدورها أوضحت لي أنَّ ما أمرُّ به هي الدورة الشهريَّة وأعطتني بعض النصائح” .. من المؤسف أنَّ ما ذكرناه ليس حكاية فتاة واحدة تختبر تبعات مرحلة البلوغ للمرَّة الأولى، بل هي حكاية مئات الفتيات اللاتي يبدأن رحلة المراهقة دون مراعاة خصوصيَّة هذه المرحلة علاوةً على افتقارهن إلى كافة مستلزمات الدورة الشهريَّة في ظلِّ ظروف الحرب والنزوح، فما هي الخيارات المتاحة للتعامل مع هذه الفترة بأمان؟ هذا ما نتناوله تفصيلًا في مقالنا اليوم.

ما هي الدورة الشهريَّة؟

تُسمَّى أيضًا الحيض أو العادة الشهريَّة، أو دورة الطمث (Period – Menstrual cycle)، وتعني سلسلة التغيُّرات الشهريَّة التي تحدث في الرحم والمبيضين بالتزامن مع مرحلة البلوغ حتى يتهيَّأ الرَّحم للحمل، إذ ينتج المبيضان بويضة واحدة شهريًّا بالتناوب فيما يُعرف علميًّا بعمليَّة الإباضة (Ovulation)، وإذا لم تُخصَّب هذه البويضة فعندئذ تخرج بطانة الرَّحم عن طريق المهبل. 

يجري حساب الدورة الشهريَّة من أوَّل يوم لنزول الدم إلى أوَّل يوم في الدورة التالية، ويمكن أن يتكرَّر هذا النزيف الذي يستمرّ نحو ثلاثة إلى سبعة أيام خلال فترة تتراوح بين 21 إلى 35 يوم بناءً على الفروق الفرديَّة بين سيِّدة أو فتاةٍ وأخرى.

وقد قسَّم المتخصِّصون الدورة الشهريَّة إلى نوعين؛ فتكون منتظمة إذا استغرقت المدَّة نفسها كل شهر، وغير منتظمة إذا كان العكس هو ما يحدث ومن ثمَّ لا يمكن توقّعها.. وهنا أكملت صديقتنا المذكورة حديثها فقالت: “كانت تجربة الدورة الشهريَّة لأوَّل مرَّة، وخصوصًا في ظلِّ ما نتعرَّض له يوميًّا من قصفٍ ودمار أمرًا غريبًا ومُربكًا وشديد الثّقل على نفسي، فلم تسنح لي الفرصة لأعتني بنفسي كما ينبغي في هذه الفترة، بل لم أجد أبسط احتياجاتي الضروريَّة مثل الفوط الصحّيَّة أو المسكِّنات .. الصيدليَّات بين حالين إمَّا مُغلقة أو خالية ممَّا نحتاجه”.

الدورة الشهريَّة ليست مجرَّد نزيف!

أردفت صديقتنا موضحةً أنَّها فوجئت بظهور عدد من الأعراض التي صاحبت نزول الدورة الشهريَّة، ممَّا جعل التعامل مع الأمر أكثر تعقيدًا، ومن أبرز هذه الأعراض:

  • آلام شديدة أسفل البطن مصحوبة بانتفاخات، وقد يستمرُّ الألم بين عدَّة ساعات أو يستغرق الأيَّام الأولى كاملةً.
  • اضطرابات المزاج الحادَّة والتوتُّر والاكتئاب وسرعة الانفعال إثر التغيُّرات الهرمونيَّة.
  • تحسُّس الثديين أو تورّمهما.
  • الشعور بالتعب والإرهاق العام قبل وخلال الدورة الشهريَّة. 
  • الصداع.
  • الغثيان والقيء.
  • آلام أسفل الظهر.

لذا كانت صديقتنا بحاجة إلى قسطٍ من الراحة، لكن يبدو أن ذلك أصبح مستحيلًا في ظلِّ النزوح والقصف اليومي. ولا تنتهي المعاناة عند ذلك؛ ففي حالات الحرب يُصبح الحصول على الماء والغذاء طموحًا، كما أنَّ الدواء والكهرباء والوقود وغيرها من أساسيَّات الحياة يتحوَّل إلى رفاهيَّة.

تحكي صديقتنا مأساتها التي ما تزال مستمرَّة قائلةً: “إنَّ النزوح في بلادنا معناه أن تعيش مع أكثر من خمسين شخصًا في غُرفة واحدة -إن وُجِدَت- أو تتأقلم مع العدد نفسه أو أكثر منه في مُخيَّمات الإيواء، ولمن لا يُدرك حجم المأساة فهذا يعني الوقوف في صفٍّ طويل انتظارًا لدخول المرحاض .. نعم، إنَّه مرحاض واحد نصطفُّ أمامه جميعًا رجالًا ونساءً وأطفالًا حتى نقضي حاجتنا في ثوانٍ معدودة، لا تسمح بالقدر الكافي للاهتمام بالنظافة الشخصيَّة”. 

ما هي مضاعفات نقص الفوط الصحِّيَّة؟

ما يزال الحديث حول الدورة الشهريَّة أو ما يتعلَّق بها من مستلزمات ضروريَّة رُغم توفُّرها في الظروف العاديَّة أمرًا مُحرجًا للسيِّدات أو الفتيات، فكيف يكون الحال في أوقات النزوح والدمار؟ ونظرًا لذلك فإنَّ المطاف ينتهي بهن عند عدد من المضاعفات، مثل:

  • مضاعفات صحِّيَّة خطيرة، تشمل:
  • زيادة مخاطر الإصابة بشتَّى أنواع العدوى ممَّا يسبِّب التهابات المهبل وعنق الرَّحم وسرطان الرَّحم أو العُقم، بالإضافة إلى التهابات الحوض، ومجرى البول التي تؤثِّر على صحَّة الكُلى بمرور الوقت.
  • تزيد فُرصة حدوث النزيف الداخلي.
  • تجد بعض أنواع الفطريَّات المهبليَّة الطبيعيَّة فرصتها لتزداد عددًا في ظلِّ الافتقار إلى العناية الشخصيَّة متحوّلةً من مُفيدة إلى ضارَّة، مثل:

الكانديدا البيكانز (Candida albicans)؛ وهي إحدى أنواع الفطريَّات الموجودة في المهبل بصورة طبيعيَّة، لكنَّها سرعان ما تتحوَّل إلى التهاب القلاع المهبلي المعروف (Candidiasis) فور انعدام متطلَّبات العنايَة الشخصيَّة في أثناء فترة الحيض.

  • تأثُّر الصحَّة العامَّة سلبًا نتيجة لانعدام الخصوصيَّة، وتناوب جميع النازحين على مرحاض واحد يفتقر إلى أبسط متطلّبات النظافة مثل الماء والتهوية الجيِّدة والتخلُّص من النفايات والفضلات بصورة صحّيَّة، بل إنَّهم يضطرون إلى استعمال الماء الملوَّث أو ماء البحر عند قضاء الحاجة لعدم توفُّر الماء النظيف أو توفيره للشرب، ممَّا يؤدِّي إلى انتشار المزيد من الأمراض.
  • يُعدُّ لجوء السيِّدات والفتيات إلى بدائل الفوط الصحّيَّة غير الآمنة على الإطلاق مُهدِّدًا لصحتهن الإنجابيَّة تمامًا كما يُهدِّد الصحَّة العامَّة والبيئة، ولعلَّ من أبرز ما يلجأن إليه قطع القماش الملوَّثة، أو المناديل الورقيَّة، أو قطع الكرتون، أو حفَّاضات الأطفال. 
  • المضاعفات النفسيَّة:
  • بالنسبة لفتاة في عمر الزهور، فإنَّ تجربة الدورة الشهريَّة للمرَّة الأولى لا شكّ مُحبِطة ومُربكة، خاصَّةً أنَّ أغلبهن يتلقَّى المعلومات حول الدورة الشهريَّة من الأهل والأصدقاء، وغالبًا ما تكون هذه المعلومات خليطًا من المعتقدات أو الموروثات المغلوطة، فلا يتمكنّ من التعامل مع الحيض في الأزمات على النحو الصحيح ممَّا يُزيدهن توتُّرًا وحرجًا.

كما أنَّ مواجهة تلك الفتيات للتحدِّيات النفسيَّة وقت الدورة الشهريَّة تُصبح مهمَّة في غايَة المشقَّة، خاصَّةً عند غياب الخصوصيَّة والدعم النفسي أو الاجتماعي الضروري لمساعدتها في فهم طبيعة المرحلة الجديدة وتقبُّلها بصورة صحِّيَّة.

  • قد تؤدِّي الأعراف الاجتماعيَّة أيضًا إلى شعور السيِّدات والفتيات بأنَّ الحيض أمرٌ مُخجل ومنفِّر، خاصَّةً إذا حدث تسريب وظهرت البقع على الملابس جرَّاء شُحّ الفوط الصحّيَّة، ومن ثمَّ يتجنَّبن الحديث عن معاناتهن في إدارة الدورة الشهريَّة حتى لا يُصبحن محلّ سُخرية واستهزاء.

ورغم كل ما تواجهه النازحات من تحدِّيات ضيق العيش والضغوط النفسيَّة المُضاعَفَة خلال أيَّام الدورة الشهريَّة، فإنَّ البعض قد يُسفِّه من احتياجاتهن شديدة الأهمّيَّة؛ إذ يرون أنَّ الأولويَّة لتسليط الضوء على طلب الإمدادات الغذائيَّة دون الالتفات إلى ما ينتج عن غياب مستلزمات الدورة الشهريَّة من كوارث صحّيَّة لن ينجو منها أحد.

تقول صديقتنا: ” لقد أدركتُ إنَّه في أوقات القصف والدمار، لن يتأخَّر الشتاء رأفةً بحال المدنيِّين الذين يتجرَّعون ويلات الحرب ليل نهار دون ذنب، ولن تتوهَّج أشعَّة الشمس وقتًا إضافيًّا حتى تجفّ غيارات النساء لاستعمالها مرَّة أخرى دون الخوف من الإصابة بالالتهابات المهبليَّة ومضاعفاتها، ولن يرحم المطر ضعفهن في الطقس البارد فيتوقَّف عن السقوط .. وكذلك لن يتوقَّف القصف!”.

ما الخيارات المتاحة لإدارة الحيض في أوقات الحروب؟

يمكننا أن نطرح التساؤل بصورة أكثر دقَّة ليكون “هل كل الخيارات المتاحة للتعامل مع فترة الحيض في ظلِّ النزوح اليومي آمنة على صحَّة النساء والفتيات؟”.

تشير تقارير منظمَّة الصحَّة العالميَّة وغيرها من المنظَّمات المعنيَّة بصحَّة المرأة، إلى أنَّ الطلب على حبوب منع الحمل لمنع نزول الدورة الشهريَّة أو تأخيرها تجنُّبًا لنزولها في مثل هذه الظروف القاسية يتزايد لدرجة تُشكِّل ناقوسًا للخطر، إذ إنَّ الإفراط في تناول هذا النوع من الأدويَة دون استشارة طبّيَّة له تأثيره السلبي على الصحَّة الإنجابيَّة بمرور الوقت.

وتؤكِّد المنظَّمات ذاتها على ضرورة توفير عدد من الخيارات الآمنة على صحَّة المرأة الإنجابيَّة، وعلى رأسها:

  • ضمان توفير الإمدادات الأساسيَّة من فوط صحيَّة أو سدادات قطنيَّة أو الغيارات القابلة لإعادة الاستخدام، بالإضافة إلى مستلزمات النظافة الشخصيَّة، واعتبارها من أهمِّ الأولويَّات تمامًا كما هو الحال مع الغذاء والدواء.
  • ضمان توفير ما يلزم للتخفيف من آلام الدورة الشهريَّة ومنها المسكِّنات أو القربة لتدفئة الجسم وتهدئة التشنُّجات.
  • زيادة وعي السيِّدات والفتيات حول الدورة الشهريَّة وكيفيَّة التعامل معها في الظروف القاسيَة والأزمات على نحوٍ يتَّسم بالخصوصيَّة، مثل غسل قطع القماش المُستخدمة وتجفيفها، أو التخلُّص من النفايات بطريقة صحيَّة وآمنة على الجميع.
  • ضرورة التنسيق بين الوكالات المعنيَّة ومخيَّمات الإيواء لتوفير المرافق الصحيَّة الآمنة والنظيفة حتَّى يتسنَّى للنازحات أن يصلن إليها دون قلقٍ أو خجل.
  • العمل على معالجة الثقافات والموروثات المغلوطة مع توفير بيئة داعمة يكون فيها الجميع على درايَة بمرحلة البلوغ، وأهمّيَّة الحفاظ على الصحَّة الإنجابيَّة.

ونظرًا لكون النقاط السابقة قد تتطلَّب بعض الوقت حتى تدخل حيِّز التنفيذ، فإنَّ النساء في مثل هذه الظروف الحالكة قد يتناصحن فيما بينهن من باب المشاركة والمؤازرة، ولعلَّ من أهمِّ ما يتداولنه ما يلي:

  • تناول المشروبات الدافئة أو كمَّادات الماء الدافئ على البطن والظهر لتخفيف التقلُّصات.
  •  تناول ما يتوفَّر من الطعام الغني بالألياف لتجاوز الأعراض الهضميَّة.
  • عدم البقاء في الفراش لفترة طويلة، إذ إنَّ الحركة تساعد في تدفُّق الدم إلى منطقة الحوض ومن ثمَّ تخفيف الألم.
  • تجنُّب منتجات الألبان لأنَّها قد تزيد من التقلُّصات.
  • الحرص على شرب الماء.

ختمت صديقتنا المذكورة حديثها مُتمنيَّةً ألا تأتيها الدورة الشهريَّة مرَّة أخرى، إلّا وتكون هي وعائلتها في البيت .. أن تكون بغرفتها ممسكةً بكوب الشاي بالميرميَّة الذي تحبّ لتعيش ليلة شتويَّة دافئة .. كان هذا فقط كلّ ما تمنّته قبل أن تذهب إلى مخيَّمها بعد انتهاء الحديث.

المصدر
newarab.com.independent.co.uk
اظهر المزيد

اسراء سامي

إسراء سامي هي خبيرة في مجال صناعة المحتوى، حازت على درجة البكالوريوس في المجال الطبي. تتميز بخبرتها الواسعة في كتابة المحتوى العلمي والثقافي المتنوع. اهتمامها البارز ينصب في القضايا الصحية وشؤون المرأة، بما في ذلك الصحة الجنسية والإنجابية. تتقن كتابة مقالاتها باللغة العربية، مستندة إلى خلفيتها العلمية، بهدف تقديم معرفة قيمة وموثوقة للقراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى