الرومانسيَّة والجنس في السينما بين الواقع والخيال

لا شكّ أنَّ الدراما بأشكالها تلعبُ دورًا كبيرًا في تشكيل الوعي الجمعي والثقافي، وتقوم بدور مهمّ في التربية وخلق التوقُّعات الفرديَّة والاجتماعيَّة. واحدة من هذه التأثيرات التي تتدخَّل فيها صناعة الدراما هي صورة المرأة، سواء صورة المرأة عند نفسها أو عند زوجها، على مستوى علاقتها بنفسها، وأيضا علاقتها بالرجل. 

مرَّ على معظمنا مشهد رومانسي من فيلم هنا، أو مسلسل هناك، وربما غلب الفضول بعضنا فبحث عن مشاهد لعلاقات حميمة كاملة عبر الإنترنت مرَّة أو مرَّات. وفي الغالب يذهب التأثير اللحظي للمشهد ويبقى التعلُّق بحالة الانبهار، والإعجاب بهذه المقاطع التي لا يشوبها خطأ، مكتملة الجمال، والتي تصبح مع الوقت حلمًا جميلًا، وهدفًا صعب المنال. 

واحدة من أهمِّ أنواع ومحاور الدراما تأثيرًا هي الرومانسيَّة والجنس في السينما. تلعب هذه المشاهد بشكل تراكميّ دورًا غير مباشر في تكوين وعي وأحلام وتوقُّعات الشباب. لكن للأسف تأتي النتيجة محبطة عند مقارنة الدراما بالواقع.

هل تؤثِّر مشاهد الرومانسيَّة والجنس في السينما على العلاقات الزوجيَّة؟

في الحقيقة لا توجد دراسات كافية تحسم تأثير هذا الأمر، ولكن هناك بعض الاتِّجاهات العامَّة للإجابة عن طبيعة التأثير المتوقَّعة لمتابعة هذه المشاهد على المدى الطويل:

  1. تشويه التوقُّعات: يقضي الشاب والفتاة عقدين وربما أكثر من متابعة مشاهد االرومانسيَّة والجنس في السينما، قبل أن يدخل في علاقة زواج حقيقيَّة. في هذه الفترة يتغذَّى وعيه ويتأهَّب ذهنه على موجة معيَّنة من التوقُّعات المشوَّهة والبعيدة عن الواقع. الأمر الذي يتسبَّب للزوجين بمشاعر الإحباط وخيبة الأمل بعد عدَّة محاولات.
  2. خفض الثقة بالنفس: تعتقد الكثير من الفتيات المقبلات على الزواج أنَّهن ليس على درجة كافية من الجمال والكفاءة والكفاية لأزواجهن. من أين تأتي هذه التوقُّعات؟ من عمليَّات مقارنة مستمرَّة من الناحيتين؛ تتمنَّى الفتاة أن تكون مكتملة الجمال كنجمة في مشهد درامي، ويتوقَّع الرجل أن تكون زوجته بجمال ودفء الممثِّلات في مشاهد الجنس الحميميَّة. هذا الأمر غير واقعي، ومحاولة ملاحقته والوصول له يدمِّر العلاقات.
  3. التوتُّر وعدم الرضا عن العلاقة: المشاهد المبهرة تخلق عالمًا برَّاقًا ممتعًا لمتابعيها، والفجوة بينها وبين الواقع بعد فترة قد تؤدِّي لشعورٍ متراكم بالتوتُّر وعدم الرضا. قد تدفع أحد الطرفين للاكتفاء بمشاهدة مرضية وممتعة بدلا من ممارسة حقيقيَّة مليئة بالتحدِّيات.
  4. التأثير السلبي على الصحَّة النفسيَّة: أثبتت الدراسات أنَّ الإفراط في مشاهدة الأفلام الجنسيَّة هو أمر قد يندرج تحت الإدمان. كما قد يحتاج لتدخُّل ومساعدة متخصِّصة. 

لماذا لا يمكن محاكاة مشاهد الرومانسيَّة والجنس في السينما في الحياة الواقعيَّة؟

لأنَّ هذه المشاهد تُعدُّ بإتقان بالغ:

هذه المشاهد تأتي بعد تجهيز كبير يعمل عليه فريق من متخصِّصي التصوير والإضاءة والديكور ومساعدي الإخراج والممثّلين والمساعدين وغيرهم من فرق عمل مواقع التمثيل. كلّ هذا الفريق يعمل من أجل صورة وصوت ومشهد قصير جدًّا مكتمل الأركان، يضعك في حالة ذهنيَّة ونفسيَّة معيَّنة. الأمر الذي يختلف تمام الاختلاف عن العلاقات المتشابكة والمعقَّدة في الواقع. 

لأنَّ كل جسم مختلف في إثارته واستجابته:

لا يمكن أبدا مقارنة استجابة جسم بآخر، حتى في حال تعرّضه لنمط الإثارة نفسه. لأنَّنا في الحقيقة نملك أجسادًا مختلفة. ليس فقط في شكلها، ولكن أيضا في تفضيلاتها وتوقُّعاتها، ما تحبُّه، وما تكرهه، ما يثيرها، وما يضايقها. فما يثير امرأة قد يصبح مقزِّزًا عند أخرى، وما يعجب رجل، قد يكون مزعجًا عند غيره. لذا فإنَّ العلاقات الخاصَّة شديدة التفرُّد والتميُّز والخصوصيَّة، لا يمكن فيها تعميم قاعدة أو توقُّع في المطلق.

لأنَّ هذه المشاهد محض خيال وتخيُّل:

تأتي هذه المشاهد كثمرة لخيال كاتبها والتصوُّر الإبداعي لمخرجها، ليست معبِّرة عن الواقع، ولا هي جزء منه. العلاقات في الحقيقة تأتي على خلفيَّة الكثير من العوامل المتشابكة والمركَّبة والدقيقة، وتمرُّ بإحباطات وحوادث ومواقف خارج التوقُّع. كما أنَّ الحالة الذهنيَّة والنفسيَّة لكلٍّ من الطرفين هي أمر يتغيَّر ويتبدَّل بين ثانية وأخرى. وهو الأمر الذي يؤثِّر في العلاقات الحميمة بشدَّة، بل إنَّه يكاد لا يجعل امرأة فيها تشبه أختها.

لأنَّ الهدف الحقيقي من هذه المشاهد جذب الجمهور:

تخلق هذه المشاهد بهذه الدرجة من الاحترافيَّة والإتقان من أجل جذب وإبهار الجمهور، والحفاظ على بقائه وتعلّقه، وزيادة نسب المشاهدة. هذه هي وظيفة القائمين على هذه الصناعة، ويتحقَّق نجاحها بتحقُّق هدفها. لذا فليس مهمّتها ولا هدفها محاكاة الواقع أو التعبير عنه. 

لأنَّها مشاهد تعتمد على المبالغة والتهويل:

وهذا هو السرّ وراء الانبهار والتعلُّق بهذه المشاهد، إنَّها تبالغ في صناعة متطرِّفة وشديدة المثاليَّة للموقف.

فعلى سبيل المثال: 

  • البشرة المثاليَّة: تظهر الممثلات ببشرة ناعمة لامعة نادرًا ما تماثلها بشرة زوجة عاديَّة، أو أمّ في بيتها. بالإضافة لمحسِّنات الصورة واستخدام مستحضرات التجميل، فإنَّ فريقًا كرَّس وقتًا ومجهودًا من أجل خروج هذه الصورة بشكل مبالغ في مثاليته.
  • الوصول السهل للرَّعشة: تمثِّل مشاهد الجنس الحميميَّة الوصول للرعشة الجنسيَّة على أنَّه أمر سريع وحتمي مصحوبا بالصرخات والآهات. هذا الأمر يتنافى مع الواقع ومع اختلاف طبيعة كل امرأة عن غيرها. 
  • الاستعداد الدائم للعلاقة: لأنَّ الهدف هو جذب الجمهور، فإنَّ مشاهد الرومانسيَّة يكرَّس لها وقتًا وخطًّا دراميًّا طويلا. فتستدعى المشاعر والحميميَّة في كل فرصة، بينما تعجُّ الحياة في الواقع بالكثير من التعقيدات والتشابكات الشخصيَّة والنفسيَّة والاجتماعيَّة التي لا تعبِّر عنها الأفلام بشكل واقعي.

لكلِّ هذه الأسباب، يجب علينا أن نتوخَّى الحذر ونحن نتابع مشاهد الرومانسيَّة والجنس في السينما. وألَّا ننجرف وراء المتعة اللحظيَّة والانبهار السريع. لأنَّ تأثيرها يفوق التأثير اللحظي السريع والمباشر الذي نتوقّعه، ويمتدّ ليترك آثاره الذهنيَّة والنفسيَّة علينا وعلى علاقاتنا الزوجيَّة.

اظهر المزيد

أية خالد

إخصائية نفسية حاصلة ليسانس الآداب قسم علم النفس بجامعة القاهرة، وعلى الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، وكاتبة محتوى مهتمة برفع الوعي بالصحة النفسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: هذا المحتوى محمي بحقوق الملكية الفكرية