الحياة الجنسية لمريض الوسواس القهري
- أسباب اضطراب الوسواس القهري
- الوسواس القهري والجنس
- الحياة الجنسيَّة لمريض الوسواس القهري
الوسواس القهري ليس الاسم الصحيح
كلمة الوسواس هي لفظٌ شائع يُستخدَم باللغة الدارجة لوصف هذا الاضطراب، ويجدر التنويه إلى أنَّ الترجمة العلميَّة الصحيحة هي الاستحواذ القهري وليس الوسواس القهري، وذلك لأنَّ لفظة الوسواس لها أساس ديني وارتباط ما-ورائي في العقل الجمعي العربي، ومع ذلك سوف يتمُّ الاستمرار باستخدام كلمة الوسواس عوضًا عن الاستحواذ في هذا المقال، لإبقاء القارئ بحالة اندماج مع المعلومات الواجب إيصالها، لكن وجب الإشارة لذلك من باب الأمانة العلميَّة.
الوسواس القهري هو اضطراب نفسي يتمثَّل بوجود نمطٍ من الأفكار والمخاوف غير المُسيطَر عليها وغير المرغوب بها، والتي تتكرّر في عقل المريض بشكلٍ مبالغ به وتدفعه للقيام بسلوكيَّات للتقليل من مستويات القلق التي تُحدثها هذه الأفكار والمخاوف. والخصيصة التي تجعل هذه الأفكار متكرِّرة على نحو مرضيّ هي تقاطعها مع أداء المهامّ اليوميَّة للمريض وتعطيله على مستوى العمل والإنجاز، حيث تتسبَّب له بقلق وضيق شديدين، حيث يشعر المريض أنَّه مندفع بواسطة هذه الأفكار لأداء أعمال وسلوكيَّات قهريَّة لتخفيف التوتُّر الناتج عنها، إلّا أنَّ التوتُّر يقلّ مدَّة زمنيَّة قصيرة ويعاود بالازدياد، وهو ما يجعله بحلقة مُفرغة من الوسواس والأفكار غير المرغوب بها والسلوكيات القهريَّة الناجمة عنها.
المثال الأشهر الذي يُستدلُّ عليه في هذا الاضطراب هو الخوف المفرط من التلُّوث، حيث تُسيطر على المريض أفكار متكرِّرة مثل أنَّه من الممكن أن يتَّسخ أو يتلوَّث بالجراثيم، حتى لو كانت البيئة حوله ذات نظافة شديدة، ونتيجة لذلك يقاوم هذه الأفكار بسلوكيات قهريَّة مثل الاغتسال المتكرِّر على نحوٍ مبالغ به، ويظلّ في هذه الحلقة المفرغة إلى أن يلجأ لمساعدة طبيَّة وتدخُّلٍ دوائي وعلاجي مناسب.
أسباب اضطراب الوسواس القهري
تُظهِر الدراسات أنَّ السبب الرئيس لهذا الاضطراب غير واضح، لكن مثل العديد من الاضطرابات النفسيَّة، تُجمِع الدراسات بين إمكانيَّة التأثير الجيني الوراثي مع التأثير البيئي والظروف المحيطة بالفرد، وسيتمُّ فيما يأتي استعراض عدَّة نقاط توضِّح ذلك:
– يُحتمل أن يكون للوسواس القهري استعداد جيني ووراثي سابق، لكن لم يتمّ تحديد الجينات المسؤولة عنه حتى الآن.
– التغيُّرات الكيميائيَّة في الدماغ ووظائف المخ لها أثر واضح في تطوُّر الاضطراب.
– السلوكيات القهريَّة وحالات الهوس ومراقبة أفراد العائلة على نحوٍ شديد يُمكن أن تساهم في تطوُّر هذا الاضطراب فيما بعد.
– وجود أفراد سابقين في العائلة يعانون من هذا الاضطراب يمكن أن يزيد من خطر الإصابة.
– التعرُّض لأحداث مؤلمة أو عاطفيَّة وصدمات على المستوى الشعوري والنفسي وحالات الإجهاد الشديدة، يمكن أن تؤدّي إلى إثارة مجموعة من الأفكار والطقوس الغريبة التي يُمكن أن تتحوَّل إلى شكلٍ من الوسواس القهري فيما بعد.
– وجود اضطرابات عقليَّة أخرى قد يزيد من خطر الإصابة بالوسواس القهري، وذلك من مثيلات القلق والاكتئاب.
– تعاطي المواد المخدِّرة يُمكن أن يزيد من خطورة الإصابة بمثل هذا النوع من الاضطراب، بالإضافة إلى اضطرابات نفسيَّة أخرى كالذهان.
الوسواس القهري والجنس
إنَّ المخاوف والأفكار المختلطة غير المرغوب فيها وغير المُسيطر عليها من قِبل مريض الوسواس تكون على شكل صور ذهنيَّة عنيفة؛عن قتل النفس أو قتل الآخرين المحيطين، أو صور جنسيَّة مزعجة مثل الأفكار الجنسيَّة عن أفراد الأسرة المقرَّبين، أفكار جنسيَّة تخصّ الشريك، أفكار جنسيَّة تجاه الأطفال أو الحيوانات أو حتّى الرموز الدينيَّة التي تتعلَّق بديانة المريض بالمقام الأوَّل، وتتأثَّر شدَّة الوساوس الدينيَّة بمدى ارتباط المريض سابقًا بالدين نفسه، وهذا ما يجعل المريض مُحاصرًا في حلقة مفرغة تؤثِّر على نحوٍ سلبي على جميع الأنشطة اليوميَّة بما في ذلك العلاقة الجنسيَّة مع الشريك.
يعاني مريض هذا الاضطراب من خوفٍ مفرط عندما تأتي الأفكار غير المرغوب بها (الوساوس)، وذلك لأنّ النشاط في الدماغ يُرسل إنذارات كاذبة، وهي كاذبة لأنَّه ليس هنالك خطر أبدًا، على سبيل المثال: الخوف الذي تشعر به عندما ينطلق إنذار حريق في منتصف الليل ويكون إنذارًا كاذبًا حيث إنَّه في الحقيقة لا يوجد حريق، والإنذار الذي أُطلِق كان بسبب خطأ تقني مثلًا، هكذا تكون مستويات الخوف المفاجئ من الأفكار غير المرغوب بها عند هؤلاء المرضى.
الأفكار غير المرغوب فيها تنبثق وتكرِّر ذاتها مرارًا، وتهاجم أكثر ما يحبُّه الفرد، فمثلًا على صعيد العلاقة الجنسيَّة مع الشريك، يمكن أن تتقاطع الأفكار مع قدرة المريض على التركيز على العمليَّة الجنسيَّة وإسعاد الشريك، فينتج عن التفاعل معها انصراف الذهن عن مسرح العلاقة الحميميَّة والتفاعل مع الأفكار ومحاولة طردها ممَّا يُنتِج حالة من انخفاض الرغبة الجنسيَّة وعدم القدرة على الوصول للنشوة، وبالتالي التأثير النفسي السلبي على الشريك وعلى العلاقة ككلّ، خصوصًا مع تِكرار هذا الحدث وعدم تفهُّم الشريك ذلك.
المشكلة الجوهريَّة عند مرضى الوسواس القهري هو عدم القدرة على كبح الأفكار غير المرغوب بها، لأنَّهُ لا يُمكِن السيطرة عليها أبدًا دون تدخُّلٍ دوائي منذ البداية، آليَّات العلاج السلوكي وما يتفرَّع عنها مثل (العلاج بالتعرُّض وعدم الاستجابة) تكون ذات نتيجة جيِّدة بالترافق مع الدواء المناسب، فالمريض يحاول كبح الأفكار غير المرغوب بها وطردها للتركيز على النشاط الذي يقوم به -النشاط الجنسي في حالتنا هنا- لكنَّهُ لا يستطيع أبدًا، وغالبًا ما ينتهي إجبار نفسه على عدم التفكير بها بالتفكير بها بشكل أكبر وزيادة التشتُّت، أي أنَّ قمعها وكبحها يُحفِّزان التفاعل معها أكثر وزيادة تأثيرها على الدماغ بإشغال مساحة أكبر منه، ممَّا يُعيق المريض عن المهمَّة أو النشاط الذي يقوم به.
لتوضيح ذلك، فإنَّ دراسة أُجريت من قِبل عالم نفس حول تأثير قمع الأفكار على أشخاص غير مصابين بهذا الاضطراب، فطلب من المجموعة الأولى من المشاركين، أن يفكِّروا مدَّة 5 دقائق بدبٍّ أبيض، فيما طلب من المجموعة الثانية ألا يفكّروا بدبٍّ أبيض أيضًا مدَّة 5 دقائق، وقد خلصت الدراسة، إلى أنَّ المجموعة الثانية والتي طلب منها عدم التفكير بالدبِّ الأبيض، فكَّرت بشكلٍ أكبر بدبٍّ أبيض مقارنة مع المجموعة الأولى، وهذا بالنسبة للفرد غير المصاب بهذا النوع من الاضطراب، ولكن الأمر عند مريض الوسواس يأخذ نفس المنحى ولكن بشكلٍ مرضيّ ومُعطِّل وغير قابل للسيطرة عليه، بحيث إنَّ كبح الفكرة المرضيَّة وغير المرغوب بها – كفكرة ممارسة الجنس مع قريب أو حيوان مثلًا – أو التفكير بعدم التفكير بها، يجعلها فكرة أقوى سلبيًا وذات تأثير عكسي على النشاط الذي يقوم به المريض كالممارسة الجنسيَّة الصحيَّة والسليمة مع (الزوج/الزوجة) في هذه الحالة.
الحياة الجنسيَّة لمريض الوسواس القهري
التحدِّيات أو الأفكار غير المرغوب بها أو الهواجس والتي يُمكن أن يعاني منها مريض الوسواس القهري أثناء العلاقة الحميميَّة، وذلك من مثيلات:
– هل تمَّ إغلاق باب المنزل على نحوٍ جيِّد قبل الشروع بالعلاقة الحميميَّة؟
– هل نسيت الغاز أو الموقد مشتعلًا؟
– التفكير باحتماليَّة حدوث حريق في المنزل بشكلٍ مرضيّ يتقاطع مع العلاقة الجنسيَّة، حيث يلجأ المريض إلى إيقاف العلاقة للتأكُّد من عدم وجود مسبِّبات للحريق، وذلك يحدث بشكلٍ متكرَّر ممَّا يؤثِّر سلبًا على نفسيَّة(الزوج/الزوجة).
– استخدام المريض/المريضة لمعقِّمات على شكل جل أو مرهم لتعقيم القضيب أو الفرج قبل الشروع بالعمليَّة الجنسيَّة، وذلك في حالات الوسواس القهري بالنظافة الشديدة، والخوف المرضيّ من الجراثيم أو أيَّة أوساخ، والسلوك القهري هنا في تعقيم الأعضاء الجنسيَّة قبل العلاقة يتكرّر، ممَّا يزيد من فرصة حدوث التهابات وتهيُّجٍ حادّ في الأعضاء الجنسيَّة.
العلاج في مثل هذه الحالات يكون مزيجًا من التدخُّل الدوائي والعلاج السلوكي من قِبل طبيب نفسي مختصّ، لكن يجدر التنويه إلى أنَّ المفتاح الإضافي الذي يُستخدَم إلى جانب العلاج المذكور آنفًا هو التجاهل، تجاهل الأفكار التي تأتي على نحوٍ قهري أثناء الجماع، تجاهلها وليس كبحها وقمعها، فالكبح والقمع هو بمثابة أفكار جديدة تعاود إدخال المريض بحلقات مفرغة إضافيَّة، حيث يُصبِح الإقرار بعدم التفكير هو فكرة بحدّ ذاتها، لذلك فإنّ التجاهل وترك الأفكار تدور وتدور على سجيّتها داخل الدماغ حتّى تتعب وتجلس على كرسي التلاشي هو الحلّ، ومع تَكرار هذا التجاهل إلى جانب الدواء والعلاجات الموصوفة من الطبيب النفسي المختص، سيصبح التعامل مع الوساوس والأفكار غير المرغوبة أفضل، وبالتالي ستصبح الحياة الجنسيَّة مع الشريك أفضل، وذات وتيرة طبيعيَّة ومستمرَّة.
_________________
المراجع التي تمَّ الاعتماد عليها في إثراء المقال، مُستمدَّة بشكلٍ رئيس من المواقع الطبيَّة والعلميَّة الآتية:
www.psychiatry.org “What Is Obsessive-Compulsive Disorder?”
www.mayoclinic.org “obsessive-compulsive disorder (OCD)”
www.verywellmind.com “How OCD Can Impact Your Sex Life”
www.psychologytoday.com “www.psychologytoday.com”
my.clevelandclinic.org “obsessive-compulsive disorder (OCD)”