التغيُّرات المناخيَّة والاحتباس الحراري: التأثيرات الخفيَّة على الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة
- كيف يؤثِّر تعاقب فصول السنة في الرغبة الجنسيَّة؟
- تأثير ارتفاع درجة الحرارة في الرغبة الجنسيَّة
- هل تزيد الرومانسيَّة بحلول فصلي الخريف الشتاء؟
- العلاقة بين تلوُّث الهواء وزيادة معدَّلات تأخُّر الإنجاب
- كيف تؤثِّر الكوارث الطبيعيَّة في الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة؟
- العلاقة بين التغيُّرات المناخيَّة ولعبة الدومينو
لا يختلف أحدنا على أنَّ التغيير هو سُنّة الحياة، لكن هناك فرق بين التغيُّرات الطبيعيَّة غير المتعمَّدة، والتغيُّرات التي تحدث إثر تصرفات الإنسان والتي قد يغفل عن تأثيرها الذي يمكن أن يمتدَّ ليشمل كوكب الأرض بأكمله، وهذا هو ما حدث منذ أن بدأت الثورة الصناعيَّة في ثمانينات القرن الثامن عشر، إذ يشهد كوكب الأرض منذ ذلك الحين تغيُّرات مناخيَّة متسارعة واحتباسًا حراريًا منقطع النظير.
وترجع سرعة وتيرة التغيُّرات المناخيَّة إلى مجموعة متنوِّعة من الأسباب، منها حرق الوقود الحفري كالبنزين والفحم والغاز الطبيعي، وتحوُّل المساحات الخضراء إلى قطع حديديَّة وخرسانيَّة تُسمَّى ناطحات السحاب، ما أدَّى إلى احتفاظ الأرض بحرارة الشمس إثر تراكم مجموعة من الغازات الضارَّة داخل الغلاف الجوِّي، مثل غازي ثاني أكسيد الكربون، والأوزون.
وبرغم سعادة الإنسان بثورته الصناعيَّة والتقدُّم الهائل في شتَّى مجالات الحياة، فإنَّ يده قد فرغت من الحيلة أمام ما يشهده من تأثير التغيُّرات المناخيَّة الحادَّة على كل تفاصيل حياته تقريبًا، ولم يتصوَّر أبدًا أنَّ هذا التأثير سيمتدّ إلى صحّته الجنسيَّة وقدرته الإنجابيَّة؛ ولهذا قرَّرنا أن نسلِّط الضوء على هذا الجانب في مقالنا اليوم.
التغيُّرات المناخيَّة| كيف يؤثِّر تعاقب فصول السنة في الرغبة الجنسيَّة؟
قد يتعجَّب البعض من فكرة تغيًّر رغبته الجنسيَّة بتغيُّر الظروف المناخيَّة، لكن بشيء من التأمُّل والتفكير نجد أنَّ الأمر حقيقي، وذلك لوجود علاقة واضحة بين درجة حرارة الجسم، وتغيُّر الطقس، ومستوى الرغبة الجنسيَّة بين الرجل وزوجته.
تأثير ارتفاع درجة الحرارة في الرغبة الجنسيَّة
في ظلِّ الاحتباس الحراري الذي يشهده كوكب الأرض وبحلول فصل الصيف الذي تتجاوز فيه درجة حرارة الجو 40 درجة سيليزيَّة -تحديدًا في العالم العربي- يحاول الجسم الحفاظ على مستوى درجة حرارته من خلال إنتاج العرق، الأمر الذي قد يخفِّض رغبة الزوجين تجاه العلاقة الزوجيَّة الجنسيَّة، وللتغلُّب على ذلك يلجأ كثيرون إلى تركيب المُكيِّفات في المنازل.
وفي السياق ذاته، تحتاج أجهزة الجسم ألا تتجاوز درجة حرارته 37 درجة سيليزيَّة حتى تؤدِّي وظائفها بكفاءة، ومن ثمَّ عندما تتفاقم درجة الحرارة ومعها الرطوبة في فصل الصيف فإنَّ ذلك يتسبَّب في:
- اختلال مستويات بعض الهرمونات وفي مقدّمتها، هرمون الذكورة (التستوستيرون)، وكذلك هرموني الأنوثة (الإستروجين، والبروجسترون)، ما يقلِّل رغبة الزوجين الجنسيَّة تجاه بعضهما البعض.
- ضعف الانتصاب بسبب الجفاف؛ نظرًا لأنَّ الجسم يستهلك كميَّات أكبر من الماء في عمليَّات التكيُّف على ارتفاع درجة الحرارة، ما يزيد فرصة الإصابة بالجفاف فيبدأ الجسم في إنتاج بعض الإنزيمات بمعدَّلات أكبر، مثل إنزيم الأنجيوتينسين 2 (Angiotensin 2)، المسؤول عن:
- تضيُّق الأوعية الدمويَّة.
- ارتفاع في ضغط الدم.
- الشعور بالعطش.
وجميعها أمور تؤثِّر سلبًا في قوَّة الانتصاب، إذ يعتمد في الأصل على كميَّة الدم المتدفِّقة إلى العضو الذكري بعد الاستثارة أو المداعبة بين الزوجين.
هل تزيد الرومانسيَّة بحلول فصلي الخريف الشتاء؟
ارتبط فصلا الخريف والشتاء في أذهان الناس بزيادة الرومانسيَّة، الأمر الذي يحمل شيئًا من الصحَّة، إذ تميل درجات الحرارة في الشتاء -في الشرق الأوسط- إلى الدفء، ما يزيد الرغبة الجنسيَّة بين الأزواج ويعزِّز إقبالهم على العلاقة الحميمة.
تساهم أشعة الشمس الدافئة قبل الظهيرة وقبل الغروب في زيادة الرغبة الجنسيَّة عن طريق:
- زيادة إنتاج الهرمون المحفِّز للخلايا الصبغيَّة (melanocyte stimulating hormone) المعروف بتأثيره الإيجابي في الرغبة الجنسيَّة.
- رفع مستويات فيتامين د، والذي يلعب دورًا مهمًّا في عمليَّة تصنيع هرمون الذكورة بالجسم، ما يحفِّز الرغبة الجنسيَّة لدى الرجال.
لكن البلدان الأوروبيَّة، وغيرها ممَّا يقع بالقرب من القطبين الشمالي والجنوبي حيث تقاس درجات الحرارة شتاءً بالقيمة السالبة (تحت الصفر) يصعب فيها استمتاع الزوجين بالعلاقة الحميمة، إلا باستعمال وسائل التدفئة المختلفة.
كما تتزامن الإصابة بما يُعرف بالاضطراب العاطفي الفصلي (SAD – Seasonal affective disorder) مع حلول الأشهر التي تغيب فيها الشمس أو تظهر أشعتها خفيفة لبضع ساعات في النهار -خاصةً في الدول الأوروبيَّة-، وهو اضطراب يتَّسم بالاكتئاب وعدم الإقبال على الحياة بما فيها الإقبال على العلاقة الزوجيَّة.
التغيُّرات المناخيَّة| ليس مجرَّد تغيُّر في درجة الحرارة، بل تغيُّر في كلِّ شيء
أدَّى الاحتباس الحراري بدوره إلى ظهور مشكلات عديدة من شأنها أن تسلب الإنسان راحته وتخفِّض معدَّلات الخصوبة لدى الرجال والنساء، وهذا ما نتطرَّق إليه بالحديث فيما يلي.
العلاقة بين تلوُّث الهواء وزيادة معدَّلات تأخُّر الإنجاب
من التغيُّرات المناخيَّة، تراكمت الغازات الضارَّة في الغلاف الجوي كأحد تبعات الثورة الصناعيَّة -كما أشرنا سلفًا- ومن ثم تلوّث الغلاف الجوي، الأمر الذي لا شك أثَّر بدرجة ما في خصوبة الرجل والمرأة على حدٍّ سواء، إذ يمكن أن يتسبَّب استنشاق المركبات الكيميائيَّة مثل ثاني أكسيد النيتروجين بصورة مزمنة في:
- انخفاض جودة الحيوانات المنويَّة وقلَّة عددها لدى الرجال، علاوةً على بطء حركتها؛ ويرجع ذلك إلى ارتفاع درجة حرارة الخصيتين.
- تلف أجزاء الجهاز التناسلي لدى المرأة لا سيما المبيضين، ممَّا يؤدِّي إلى انخفاض نشاطهما وضعف جودة البويضات ومن ثمَّ مشاكل تأخُّر الإنجاب أو العقم.
- اضطراب وظائف الغدد الصمَّاء واختلال التوازن الهرموني، ما يفسِّر انتشار شكاوى عدم انتظام الدورة الشهريَّة بين السيِّدات والفتيات.
- الإصابة بالتهابات الجهاز التناسلي مثل بطانة الرَّحم في النساء، والتهاب البروستاتا لدى الرجال.
كيف تؤثِّر الكوارث الطبيعيَّة في الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة؟
لم يخفَ على أحدٍ منّا -خاصَّةً في السنوات الأخيرة- ما تداولته كافة وسائل الإعلام حول تأثير التغيُّرات المناخيَّة الذي اتَّضح جليًّا فيما رأيناه من فيضانات، وجفاف بعض الأنهر، وكذلك حرائق الغابات في بعض البلدان.
تضع الكوارث الطبيعيَّة كثير من شعوب هذه الدول في مواجهة مباشرة أمام مجموعة من المخاطر الصحيَّة بصورة عامَّة لاسيما الصحَّة الجنسيَّة والقدرة الإنجابيَّة، إذ تتغيَّر حياة الناجين منها تغيُّرًا جذريًّا ويصبحون أكثر عُرضة للإصابة بالعدوى، بسبب تدمير البنية التحتيَّة، وانهيار الخدمات الصحيَّة بما فيها المستشفيات والعيادات ومراكز الرعاية الصحيَّة، فضلًا عن نقص الموارد الطبيَّة وصعوبة التنقُّل لتحصيل الخدمات المذكورة من الأماكن البعيدة.
ومن الأمثلة على الكوارث الطبيعيَّة التي حدثت في بلاد مختلفة ما يلي:
- إعصار هارفي
ضرب إعصار هارفي ولاية تكساس الأمريكيَّة عام 2017، ولم يهدأ إلا بعد أن ترك بصمته التي ظهرت في نقص خدمات رعاية الصحَّة الجنسيَّة والإنجابيَّة، بما فيها خدمات رعاية الحوامل قبل وبعد الولادة.
- الجفاف في الصومال
أدَّى الجفاف في الصومال عام 2011 إلى سوء التغذية على نطاق واسع، ممَّا أثَّر على صحَّة الحوامل، فزادت معدَّلات الولادة المبكِّرة، وانخفضت أوزان المواليد عن مستوياتها الطبيعيَّة، الأمر الذي فسَّر ارتفاع معدَّلات وفيَّات الأمَّهات والأطفال، إثر تدهور الرعاية الصحيَّة وكذلك سوء التغذية.
ولا يجد من تعرَّض لهذه الكوارث حلًّا أمام ما نزل به وذويه سوى النزوح، سواء لمناطق أخرى في نفس البلد، أو السفر خارجها؛ ما يعني انتقالهم إلى نطاق جغرافي ومن ثم مناخي مختلف يدفع بأجسامهم إلى التكيُّف مع طبيعة الطقس الجديدة، وهذا أيضًا أمر له تأثيره على الصحَّة بصورة عامَّة.
العلاقة بين التغيُّرات المناخيَّة ولعبة الدومينو
ما زالت سلسلة تأثيرات التغيُّرات المناخيَّة مستمرَّة، فنحن الآن نتحدَّث عن التهديدات التي يواجهها الأمن الغذائي إثر اضطرابات المناخ، مثلاً، تسبَّبت موجات الحرّ والجفاف في نقص بعض أنواع المحاصيل الزراعيَّة ما أدَّى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائيَّة، الأمر الذي ينتهي في حالة الطبقات المتوسّطة والفقيرة بسوء التغذية، خاصَّة بين النساء والأطفال، ممّا يُؤثِّر على صحّتهم الجنسيَّة والإنجابيَّة.
كما قد تؤدِّي السيول والفيضانات إلى غرق مساحات زراعيَّة كاملة واختفائها، الأمر الذي يضع العالم في نفس أزمة نقص الموارد الغذائيَّة وبنفس الكيفيَّة المذكورة سابقًا.
في النهاية، يبدو أنَّه لا يوجد حلّ لتخطِّي الأزمات الناجمة عن التغيُّرات المناخيَّة والاحتباس الحراري سوى العمل على زيادة الوعي الجمعي بأهميَّة الموضوع ومدى تأثيره على كافة جوانب حياتنا جميعًا، ويساعد مواجهة هذه الأزمات مجموعة من النصائح، منها التكاتف لخفض الانبعاثات الكربونيَّة من خلال استخدام وسائل النقل العام، وترشيد استهلاك الطاقة، ودعم مصادر الطاقة المتجدِّدة، وتقليل الاعتماد على الأسمدة والمبيدات الحشريَّة، والحرص على حماية التنوُّع البيولوجي في البيئة الواحدة والتعامل معه على نحو سليم.