البارافيليا أو الرغبات الجنسيَّة الغريبة، هل هي أمر طبيعي أم مرضي؟
يلعب الخيال دورًا كبيرًا في الحياة الجنسيَّة لكل شخص، عالم كبير تختلف فيه تفضيلات كل فرد وأحلامه ورغباته، ما يُسعده وما يُزعجه، ما يعتبره البعض عاديًّا، قد يعتبره البعض جنونًا. عالم مليء بالأسرار الشخصيَّة والأفكار المخفيَّة داخل رأس كل إنسان على هذه الأرض. فما الذي يجعل البعض يميل لرغبات جنسيَّة غير مُعتادة أو غريبة بالنسبة للمُتعارف عليه اجتماعيًّا؟ وهل هذا الأمر طبيعي؟ أم اضطراب بشكل أو بآخر يحتاج للمساعدة والعلاج؟ وهل يجب أن يشعر صاحبها بالخزي أو الذنب؟
ما هي الرغبات الجنسيَّة غير التقليديَّة؟
يطلق عليها علميا “البارافيليا”، وهي المُحفِّزات الجنسيَّة والرغبات المُتكرِّرة والمُختلفة عن المعايير والمُمارسات التقليديَّة المُتعارف عليها اجتماعيًّا وثقافيًّا، قد تكون مُحفِّزات مُعيَّنة، أو تخيُّلات، أو أفكار، أو حتى مواقف لا تَحمل معنىً جنسيًّا في ذاتها. ومن أمثال البارافيليا:
- الفتيشيَّة ومنها الشعور بالإثارة من أشياء غير حيَّة، أو أجزاء من الجسم غير معروفة بكونها مَحلّ إثارة.
- الفتيشيَّة التَحوليَّة: أو الشعور بالإثارة من ارتداء ملابس الجنس الآخر.
- التَلصُّص: أو التَجسُّس على الآخرين في مَواضع الحياة اليوميَّة التقليديَّة ومُراقبتها من أجل الشعور بالإثارة.
- الساديَّة ومُمارسة العنف مع الطرف الآخر والشعور بالمُتعة من إلحاق الألم أو الأذى النفسي أو البدني بالطرف الآخر.
- الماسوشيَّة أو المازوجيَّة: أو الخضوع لطرف مُسيطر، والشعور بالمُتعة والإثارة من التعامل بالعنف أو الشعور بالإهانة أو الألم من قِبل الطرف الآخر.
- الاستعراء: أو الشعور بالإثارة جرَّاء عرض الأجزاء التناسليَّة أو حكّها أوالتلميح بها أمام الغُرباء.
- البيدوفيليا: وتعني الانجذاب للأطفال في سنِّ ما قبل البلوغ.
هل “البارفيليا” اضطراب جنسي يَحتاج إلى العلاج؟
لا تُعتبر البارفيليا مرضًا أو اضطرابًا نفسيًّا في المطلق وفقًا للدليل التشخيصي الخامس للطبّ النفسي، ولكن من خِلاله تم التفريق بين الرغبات التي يمكن وصفها بالبارفيليا، وبين الاضطراب المرضي بنفس الاسم والذي يحتاج للعلاج الطبّي المتخصِّص، وفيه يتم تشخيص هذه النوعيَّة من الرغبات الشاذَّة أو غير التقليديَّة عند توفُّر الشروط الآتية:
- التكرار والشدَّة المُبالغ فيهم، واللذان يُؤثِّران على تفكير الشخص وقدرته على التركيز والإنجاز في مناحي الحياة المختلفة.
- التأثير النفسيّ لهذه الرغبات والأفكار على الشخص نفسه ومن حوله بشكل مؤذي، مثل ظهور أعراض القلق والضغط النفسي، أو التوتر الزائد، أو الوصول لدرجة الهوس التي لا يستطيع فيها الشخص القيام بوظائفه ومهامه اليوميَّة.
- تجاوز الحدود والتعرُّض بالأذى للآخرين، وعدم مراعاة خصوصيَّة المحيطين، أو حتى التعدِّي بالإجبار على شريك الحياة.
مع التأكيد على الآتي:
- أنَّ بعض هذه السلوكيَّات هي أفعال مُجرَّمة قانونيًّا ومُحرَّمة دينيًّا بالفعل، ممَّا يُشدّد من طريقة الفرد في تناولها والتعامل معها والسيطرة على آثارها. حيث إن التجرُّؤ عليها يضع الفرد تحت المُسائلة القانونيَّة، ويُعرّضه للعقاب المشدَّد. (مثال العلاقات الجنسيَّة مع الأطفال والتلصُّص).
- أنَّه إذا لم تتجاوز هذه الرغبات والتخيُّلات حدود الخيال والأفكار كل فترة فهو أمر وارد ويحدث لدى كثير من الناس ولا يصنَّف اضطراباً ما لم تسبب ضائقة للفرد أو أذى للآخرين .
- أنَّه توجد مساحة كبيرة من الحريَّة والقدرة على التجربة والاكتشاف بين الزوجين، إذ لا يوجد حدود للمتعة الجنسيَّة بين الزوجين طالما يتمّ الأمر برضا تام وموافقة صريحة من الطرفين.
فرق بين البارفيليا و اضطراب البارفيليا
وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5)، لا تُعتبر جميع أنواع البارفيليا اضطرابات نفسيَّة
البارفيليا هي مجرد وجود اهتمامات أو رغبات جنسيَّة غير تقليديَّة أو غير شائعة، مثل الانجذاب إلى أشياء أو مواقف معينة. هذه الاهتمامات بحد ذاتها ليست اضطراباً ولا تحتاج إلى علاج إذا لم تسبب ضائقة للفرد أو أذى للآخرين.
اضطراب البارفيليا: هو تشخيص نفسي يشير إلى حالة يكون فيها للشخص رغبات برافيليَّة تسبب له ضائقة نفسيَّة كبيرة، أو تسبب ضرراً أو خطراً على الآخرين. في هذه الحالة، يصبح الأمر اضطراباً نفسياً يحتاج إلى تدخل وعلاج طبي
باختصار، الفرق هو أن البارفيليا نفسها ليست مشكلة ما لم تتحول إلى اضطراب يسبب أذى للفرد أو للآخرين.
البارفيليا والاضطراب النفسي
على صعيد آخر وبالرغم من أن البارفيليا قد لا تُشخَّص في حدّ ذاتها كاضطراب نفسي يحتاج للعلاج، إلا أنها قد تكون عاملا مهمًّا أو مفجّرًا للاضطراب النفسي، إذ تكون في بعض الأحيان هي العامل المُستتر وراء بعض الاضطرابات النفسيَّة مثل القلق والاكتئاب والأرق واضطرابات النوم، بل وأحيانا قد يكون لها بصمات سلبيَّة في التأثير على العلاقات الزوجيَّة.وتحدث هذه الاضطرابات غالبا كنتيجة لعدَّة عوامل مثل:
- الشعور بالخجل والخزي من الرغبات الجنسيَّة الغريبة وعدم القدرة على التغلُّب عليها أو طردها من الذهن.
- عدم القدرة على الحديث عن هذه الرغبات الجنسيَّة ومشاركتها مع الآخرين، حتى شريك الحياة في كثير من الأوقات.
- الخوف من الأحكام والرفض إذا طلب الشخص المساعدة أو النصيحة بشأن أفكاره أو رغباته الجنسيَّة المزعجة، بل وحتى الخوف من المعالج أو المتخصِّص النفسي.
أسباب نشوء الرغبات الجنسيَّة غير التقليديَّة؟
النظريَّات التي تُحاول تفسيرها وتُرجعها لأسباب مختلفة يُرجَّح أنَّها تزيد من احتمالات التغيُّر والتشوُّه في الرغبات الجنسيَّة مثل:
الاضطراب النفسي: بعض التفسيرات تُشخِّص هذا النوع من الأفكار الجنسيَّة غير التقليديَّة بالوسواس القهري، حيث تشترك معه في كثير من الأعراض، خاصَّة إذا كانت شدة وتكرار الأفكار تعيق الشخص عن ممارسة حياته اليوميَّة، ولها طابع قهري فلا يستطيع السيطرة عليها أو الانشغال عنها. كما أن بعض النظريات تعطيها طابع إدماني وقد تدرجها في أحد فئات الإدمان الجنسي.
- التعرُّض للتحرُّش أو الاعتداء الجنسيّ خاصَّة في مرحلة الطفولة.
- التعرُّض المُبكِّر لمُحتوى جنسيّ. سواء عن طريق قنوات الميديا أو على أرض الواقع.
- عدم النُضج النفسي والدخول المبكِّر في علاقات عاطفيَّة غير واعية، مع عدم القدرة على التعرّف على المشاعر والتعبير عنها بشكل صحيح، والاعتماد على الآخرين في التهدئة وتعديل المزاج والحالة النفسيَّة.
- الحياة في أسرة غير مُستقرَّة وتعاني من الصراعات والإساءات المُتبادلة بين الوالدين.
- العامل الوراثي: هناك بعض الدراسات التي ترجِّح وجود عامل وراثي وجيني في توارث هذا النوع من الرغبات الجنسيَّة.
- الاضطراب النفسي: بعض التفسيرات تُشخِّص هذا النوع من الأفكار الجنسيَّة غير التقليديَّة بالوسواس القهري، حيث تشترك معه في كثير من الأعراض، خاصَّة إذا كانت شدة وتكرار الأفكار تعيق الشخص عن ممارسة حياته اليوميَّة، ولها طابع قهري فلا يستطيع السيطرة عليها أو الانشغال عنها. كما أن بعض النظريات تعطيها طابع إدماني وقد تدرجها في أحد فئات الإدمان الجنسي.
لماذا ترتبط الرغبات الجنسيَّة الغريبة بنوع من الإحساس بالذنب والخزي؟
توجد صعوبة كبيرة في تحديد مدى انتشار البارفيليا، أو الخيالات والرغبات والأفكار الجنسيَّة الغريبة وغير التقليديَّة، ويحدث ذلك بالدرجة الأولى لشعور أصحابها بالخزي أو الذنب، وتَكتُمهم الشديد على هذا النوع من الرغبات، وإحاطتها بالسريَّة التامة حتى على شريك الحياة في كثير جدا من الأحيان. وذلك لعدة أسباب:
- الخوف من الرفض والأحكام من شريك الحياة.
- التربيَّة المتشددة اجتماعيا: والتي يعتبر الجنس فيها من أكبر التابوهات المُحرم الحديث عنها.
- البُعد الدينيّ: والذي يلعب دورا كبيرا في خيارات الأشخاص وقراراتهم وتقييمهم الذاتي ودرجة رضاهم عن أنفسهم.
هل يمكن علاج البارافيليا؟
كما ذكرنا فإنه البارافيليا ليست مرضا يحتاج للعلاج في المُطلق، ولكن عند حدود معينة قد تصبح الرغبات الجنسيَّة الغريبة وغير التقليديَّة مرضا يستدعي التدخل الطبي وطلب المُساعدة المُتخصصة، خاصة عندما يبدأ في التأثير النفسي والبدني والاجتماعي على الشخص ومن حوله. ويُمكن للطبيب أو المعالج النفسي التدخل للتشخيص وتحديد مدى الاضطراب، وتحديد خطة العلاج المناسبة. ومن أهم الطرق التي يلجأ لها في العلاج:
- العلاج المعرفي السلوكي: والذي يعتمد على مناقشة أفكار الفرد وتبعاتها السلوكيَّة، وتتبع منشأها والعمل على تفنيدها وتحليلها وبناء سلسلة معرفيَّة جديدة تعيد إنتاج سلوكيات مختلفة.
- العلاج النفسي: ويقوم المعالج بتحديد خطة العلاج بناء على طبيعة الأعراض ودرجة تأثيرها على حياة الشخص النفسيَّة والاجتماعيَّة والعمليَّة.
- العلاج الدوائي: والذي عادة ما يعتمد على تحليل الهرمونات والتدخل الدوائي لضبطها في حال وجود أي خلل هرموني.
- جلسات العلاج الجمعي: والتي يتشارك فيها الأفراد من ذوي التجارب المتشابهة رحلتهم في التعرف على مشكلاتهم ومواجهتها والتغلب عليها.
- إعادة التأهيل الاجتماعي: خاصة عندما يكون هذا الاضطراب مصحوبا بمشكلات في الدمج الاجتماعي والتواصل المثمر مع البيئة المحيطة.