هل يُهدِّد تفوُّق المرأة على الرجل ماديًّا ومهنيًّا نجاح الزواج؟

أصبح تعليم المرأة وعملها، وتحقيقها النجاح على المستويات الاجتماعيَّة والمهنيَّة والاقتصاديَّة المختلفة، أمرٌ شائعٌ وضروري ومن سمات العصر الحديث، حتى أنَّ نسبة عالية من الزوجات ينافسن أزواجهن في المناصب والتفوُّق العلمي، وفي كثير من الأسر أصبحت الزوجة تتفوُّق على الزوج في الدخل المادي والتقدُّم المهني. بعض الأساطير تقول إنَّ المرأة الناجحة مصيرها الطلاق، في إشارة إلى عدم قدرة الزوجة الناجحة في الأصعدة المهنيَّة والعمليَّة على النجاح كذلك، في تكوين حياة أسريَّة سعيدة ومستقرَّة، وفي إشارة أيضاً إلى أنَّ الكثير من الأزواج لا يقبلون البقاء مع زوجة تتفوَّق عليهم، وتكون أنجح أو أغنى أو ذات سلطة أكبر منهم. 

أشارت إحدى استطلاعات الرأي الأمريكيَّة عام 2020 إلى أنَّ حوالي 21% من السيِّدات يحصلن على دخل سنوي أكبر من أزواجهن، وذلك مقارنة بـ 3.8% فقط من السيِّدات عام 1960 اللاتي كن يحصلن على دخل أعلى. بينما 25% من السيِّدات أشرن إلى أنَّهن يحصلن تقريبًا على دخلٍ مساوٍ لدخل الزوج. فما هو تأثير تنافس المرأة ماديًّا ومهنيًّا على استقرار الحياة الزوجيَّة؟ وهل يعتبر هذا سبباً كافياً لإثارة الحقد أو الضغائن وتوتُّر العلاقة بين الزوجين؟ وهل يمكن أن يحافظا على اتِّزان علاقتهما في المنزل بمعزل عن الحياة العمليَّة؟

ما هي أسباب توتُّر الحياة الزوجيَّة عند تفوُّق الزوجة مهنيًّا ومادِّيًّا مقارنة بالزوج؟

  1. الغيرة واهتزاز الثقة بالنفس: أشارت إحدى الدراسات الأمريكيَّة في جامعة فلوريدا عام 2013، أنَّه بعمل استبيان على كل من الأزواج والزوجات لقياس ردود أفعالهم المختلفة تجاه نجاح أو فشل الطرف الآخر على عدَّة أصعدة، أظهر الأزواج درجات أعلى من الشعور باهتزاز الثقة بالنفس أو انخفاض تقدير الذات عندما تحقِّق الزوجة نجاحات على المستويات الاجتماعيَّة أو المهنيَّة أو الماديَّة، بعكس الزوجات اللاتي لم تتأثَّر درجات ثقتهن بأنفسهن وتقديرهن لذواتهن بتحقيق الأزواج للنجاحات على نفس الأصعدة. ومن علامات الشعور بالغيرة بسبب تفوُّق الزوجة:
  • التقليل أو التسفيه من أي نجاح تحقِّقه الزوجة.
  • عدم تشجيعها على الخطوات والطموحات المستقبليَّة التي تخطِّط لها من أجل مزيد من التقدُّم.
  • السخرية من إنجازات الزوجة أو أحلامها أو خططها، والمزج بين استخدام عبارات الاستهزاء والمزاح التي تبدي عدم الاحترام لما حقَّقته الزوجة.
  • التعامل العنيف السلبي أو الـ passive-aggressive وفيه يُستخدَم العنف تجاه الطرف الآخر ولكن بشكل غير مباشر، مثل التجاهل أو التهميش أو تعمُّد السخرية والتسفيه من كلام الطرف الآخر وتصرّفاته.
  • تَعمُّد إلقاء اللَّوم على الزوجة وإشعارها بالذنب، والتركيز على الجوانب التقصير أو النقص لديها، عوضًا عن التركيز على الإنجازات والنجاحات. 
  1. تخلخل الأدوار الاجتماعيَّة: تتوقَّع معظم المجتمعات في العصر الحديث من الرجل أن يكون هو الشخص الذي يعمل وينفق على أسرته، ويتَحمَّل مسؤوليِّتها ويتكفَّل باحتياجاتها بالكامل. حتى بعدما أصبحت المرأة شريكًا رئيسًا في معظم ميادين العمل والدراسة، ظلَّ الدور المتوقَّع منها تشاركيًّا، خاصَّة وأنَّ مسيرة المرأة المهنيَّة قد تتعطَّل لسنوات بسبب الحمل والولادة، وإعطاء نسبة كبيرة من الأمَّهات الأولويَّة لرعاية الأطفال خاصَّة في السنوات الأولى. لذا فإنَّ الكثير من الأزواج قد يشعرون بالتهديد الاجتماعي لأدوارهم عندما تُنافسهم الزوجة في معايير قوامتهم وتفوّقهم وفقًا للأدوار الاجتماعيَّة.
  2.  ضغط الأعباء المنزليَّة: حتى عندما تصبح العلاقات الزوجيَّة تشاركيَّة من الناحية الماديَّة كنتيجة لعمل المرأة وكسبها لدخل مساوٍ أو أكبر من دخل الزوج، فإنَّ الزوجة تظلّ هي القائمة بأعمال المنزل ومهامّ رعاية الأطفال ومسؤوليَّاتهم بشكلٍ أساسي. ففي دراسة إيطاليَّة على عدد من الدول الأوروبيَّة، وُجد أنَّ الأزواج الذين يعتمدون ماديًّا على زوجاتهم يكونون أقلّ تعاونًا وتحمُّلًا للمسؤوليَّات المنزليَّة، وأنَّه حتى الأزواج العاطلين تمامًا عن العمل، برغم قضائهم وقت أطول في المنزل، إلا أنَّهم يتوقعون من الزوجة القيام بالمهامّ المنزليَّة بعد الانتهاء من العمل، ولا يتوقعون مساءلة أكبر أو توقُّعًا لمشاركة أوسع منزليًّا، وذلك وفقاً لتقديرهم لطبيعة الأدوار الاجتماعيَّة المتوقَّعة من الرجل والمرأة.

ما هي التأثيرات المحتملة لتفوُّق الزوجة مهنيًّا وماديًّا على الحياة الزوجيَّة؟

  1. توتُّر العلاقات الزوجيَّة: على الرغم من أنَّ السنوات الأولى من الزواج قد تمرُّ بهدوء وسلام، ويدعم فيها كلا الزوجين بعضهما البعض من أجل الترقِّي المادّي والمهني والاجتماعي، إلا أنَّه بعد مرور الوقت وظهور فارق وظيفي ومالي لصالح الزوجة، تأخذ الأمور في التوتُّر والحساسيَّة. تُشير دراسة إنجليزيَّة عام 2019 إلى أنَّ الأزواج يختبرون أقلّ درجات الضغط والإحباط عندما تكون مشاركة الزوجة الماليَّة في الأسرة لا تتعدَّى ال 40%، بينما تزداد معدَّلات إحباط الزوج وتوتّره في العلاقة طرديًّا مع زيادة هذه النسبة، لتصل إلى قمّتها في حالة الأزواج العاطلين عن العمل الذين تتولَّى زوجاتهم مهمَّة الإنفاق على المنزل بالكامل. النتيجة نفسها تؤكِّدها دراسة سويديَّة أخرى تشير إلى أنَّ ترقِّي الزوجات الوظيفي خاصَّة في المناصب الرفيعة والمهمَّة، يجعل زواجها أكثر توتُّرًا وعُرضة للطلاق بدرجةٍ أكبر.
  2. ارتفاع نسب الطلاق: من المؤسف أنَّ أكثر الدراسات تُشير إلى أنَّ الزيجات التي تجني فيها الزوجة دخلًا أكبر من الزوج تنتهي بالطلاق. وفي دراسة أجرتها جامعة شيكاجو الأمريكيَّة اتَّضح أنَّ الطلاق هو النهاية في 50% من الحالات التي تتفوَّق فيها الزوجة ماديًّا على الزوج. كما أشارت نسبة كبيرة من الأزواج في الدراسة إلى انخفاض السعادة الزوجيَّة، ولزيادة الصراعات، ومناقشة قرار الانفصال أكثر من مرَّة.
  3. زيادة احتمالات الخيانة الزوجيَّة: تشير بعض الدراسات إلى أنَّ الأزواج الذين يحتلُّون مرتبة أقلّ في التفوُّق المادِّي والمهني يميلون بنسبة أكبر إلى خيانة زوجاتهم. بينما تقترح دراسة أخرى أنَّ قيام الأزواج بالخيانة في حالة تفوُّق زوجاتهم عليهم يكون بسبب شعورهم بفقدان الثقة واهتزاز تقدير الذات لديهم، وأنَّ العلاقات المتعدِّدة أو الخيانة الزوجيَّة تُعيد إليهم بعض الشعور بالقوَّة والسيطرة التي يَشعرون بتهديدها داخل العلاقة الزوجيَّة.

كيف يُمكن تجنُّب الحساسيَّة الناتجة عن تفوُّق الزوجة على الزوج؟

  1. الاختيار المناسب للزوج: يلعب الاختيار في المقام الأوَّل دورًا كبيرًا في التوافق الزوجي، إذا تمَّ بناءً على الصراحة والوضوح والاتِّفاق بشأن القيم ذات الأولوليَّة للطرفين، والمسارات المختلفة المحتملة للأسرة. إذ لا بد أن يتوافق الزوجان منذ البداية على القضايا الشائكة مثل عمل المرأة وترتيب أولويَّات الأسرة والمشاركة المتوقَّعة من كلا الزوجين على مستوى المسؤوليَّات الماديَّة والمنزليَّة ورعاية الأطفال وغيرها من المسؤوليَّات. وأن يكون كل منهما داعماً للآخر في مسيرة نضجه ومتفهِّمًا لطموحاته وأحلامه وخططه المستقبليَّة على جميع الأصعدة.
  2. التواصل الواضح بشأن المسؤوليَّات الماديَّة: بما أنَّه قد يكون أكثر الموضوعات حساسيَّة وإثارة للمشكلات والصراعات بين الزوجين العاملين واللذين يتنافسان في الدخل المادِّي والترقِّي المهني، فإنَّه لا بد للزوجين أن يتحدَّثا بشفافيَّة ووضوح لحسم خططهما وتوقُّعاتهما الماديَّة، مثل من المسؤول عن مصروفات المنزل، هل راتب الزوجة تشارك به في مصروفات الأسرة أم تحتفظ به لنفسها؟ هل من حقِّ الزوج مطالبة الزوجة بالمشاركة في الميزانيَّة الأسريَّة؟ هل استثمارات الأسرة وادِّخاراتها مشتركة أم ملك لصاحبها فقط؟ وغيرها من الأمور التي كلَّما كانت واضحة ومُتَّفق عليها بين الزوجين، كلَّما قَلَّ التوتُّر الناجم عنها.
  3. المشاركة وتجنُّب الأنانيَّة: لأنَّ الزواج مؤسَّسة تقوم على العطاء والتضحية، والتفكير في مصلحة الكلّ عوضًا عن مصلحة الفرد، لذا لا بد أن يفكِّر الزوجان فيما يحقِّق مصلحة الأسرة ككيان أكبر وأهمّ. يأتي ذلك من خلال مشاركة الخطط والأحلام العائليَّة المشتركة والعمل على تحقيقها معًا، الأمر الذي يستطيع تحويل الخطط الماليَّة عوضًا عن كونها مصدرًا للتوتُّر والصراع، إلى سببٍ إضافي لتقوية العلاقة ودعمها في الطريق إلى تحقيق الأحلام المشتركة. 
  4. الفصل بين العمل والمنزل: قد تبدو نصيحة كليشيهيَّة، ولكن إذا كان أحد الموضوعات هو مصدر حساسيَّة وتوتُّر في العلاقة، فالأفضل أن لا يكون الموضوع مطروحًا على الساحة طوال الوقت، وألا يكون محور الحديث والاهتمام بين الزوجين. وعوضًا عن ذلك يهتمّ الزوجان بقضاء وقت مشترك لتبادل الامتنان والتعبير عن المشاعر والتشارك في أعمال المنزل وأنشطة الأطفال بشكل هادئ وحميمي للحفاظ على العلاقة وتوطيدها.
اظهر المزيد

أية خالد

إخصائية نفسية حاصلة ليسانس الآداب قسم علم النفس بجامعة القاهرة، وعلى الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، وكاتبة محتوى مهتمة برفع الوعي بالصحة النفسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: هذا المحتوى محمي بحقوق الملكية الفكرية