تأثير الأزمات والكوارث على العلاقات الزوجيَّة

اقرأ في هذا المقال
  • ما هي التأثيرات المحتملة للأزمات والكوارث على الأسرة؟
  • هل تأثير الأزمات إيجابي أم سلبي على العلاقة الزوجيَّة؟
  • كيف يمكن مساعدة الزوجين على تعافي  العلاقة بعد الأزمة؟

يمرُّ العالم كله بفترة محتقنة، وسريعة الأحداث والتغيُّرات، ما بين كوارث طبيعيَّة مثل الزلازل  والأعاصير الأخيرة التي مرَّت بها عدد من الدول العربيَّة هذا العام، أو الأوبئة مثل جائحة كورونا التي قلبت موازين العالم كلّه، أو كورارث وأزمات أخرى مثل ما تعيشه غزة اليوم من عدوان هائل من قبل الكيان المحتلّ، وتعيشه معها كلُّ الأسر العربيَّة المتابعة بكثير من الحزن والتوتُّر والقلق. فهل تؤثِّر هذه الأزمات والكوارث على العلاقات الزوجيَّة؟ وما هي طبيعة تأثيرها على الزوجين؟ كيف يمكن أن تصمد الأسرة في وجه هذا النوع من الضغوط الخارج عن سيطرة الإنسان وقدرته على التحكُّم؟ 

أوَّلًا: ما هي التأثيرات المحتملة للأزمات والكوارث على الأسرة؟

  1. التأثير النفسي: تترك الأزمات بصماتها النفسيَّة على الأفراد وفقًا لكثير من العوامل، منها شدَّة الأزمة، وتوقّعها، والنتائج المترتبة عليها، والصلابة أو الهشاشة النفسيَّة للمتلقِّي، ووجود دوائر دعم، وغيرها الكثير. وبالتالي تختلف التبعات النفسيَّة في الشدَّة والنوع. ولكن نسبة كبيرة من الأفراد قد يعانون من اضطراب كرب ما بعد الصدمة أو PTSD  بدرجات متفاوتة من الشدَّة. وهذا الاضطراب النفسي يشمل مجموعة من الأعراض مثل القلق والحزن واسترجاع الأحداث المؤلمة طوال الوقت، وصعوبة النوم والكوابيس، وقد يؤثِّر على ممارسة الحياة الطبيعيَّة، أو يكون مصحوبا في بعض الحالات برغبة في الانتحار والتخلٌّص من الحياة. هذه التوابع النفسيَّة لا شكّ تؤثِّر على العلاقة بين الزوجين، وربَّما تعيد تشكيل العلاقة بينهما من جديد.
  2. التأثير الاقتصادي: كأن يفقد الزوج عمله ومصدر دخله نتيجة للإغلاق أو الركود الاقتصادي، وهو ما حدث في كثير من القطاعات أثناء جائحة الكورونا. أو تضطر الأسرة لمغادرة مقرّ إقامتها، والبحث عن مكان إقامة ومصدر دخل جديدين، مثلما حدث مع أعداد كبيرة في السنوات الأخيرة، أو تتعثَّر التجارات الخاصَّة مثلما حدث نتيجة التضخُّم في عدد من الدول العربيَّة مؤخّرًا. كلُّ هذه الأضرار تؤثِّر بشكل مباشر على قرارات وخطط الأسرة الاقتصاديَّة، وشعورها بالاستقرار والأمان المادِّي، وتترك تأثيرها أيضًا على العلاقات الزوجيَّة والأُسريَّة.
  3. التأثير الاجتماعي: كما ذكرنا، فإنَّ بعض الأزمات قد تتطلَّب من الأسرة تغيير مكان إقامتها أو تستدعي الهجرة، الأمر الذي يغيِّر تماما من خريطة الدعم ودوائر الأسرة الاجتماعيَّة. تتغيَّر أيضًا أبعاد الخريطة الاجتماعيَّة للأسرة إذا كان لهذه الأزمات ضحايا وشهداء ومفقودون، مثلما يحدث في حالات الحرب، وقصف العمارات والأحياء، أو في حالة الكوارث الطبيعيَّة التي تخلِّف ضحايا من الشهداء والمصابين. هذه التغييرات الكبرى -خاصَّة إذا كانت مفاجئة- تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل العلاقة بين الزوجين، بل ومستقبلها أيضا.
  4. التأثير الصحِّي والجسمي: سواء كان التأثير مباشرًا مثل أن تترك الأزمة أحد الزوجين مصابًا أو جريحًا، أو فاقدًا لأحد أعضائه الحيويَّة أو أطرافه. أو أن يكون التأثير غير مباشر نتيجة لغياب الرعاية الصحيَّة ونمط الحياة الصحِّي في فترات الأزمات خاصَّة لو كانت كوارث طبيعيَّة، أو حروب. هذه النتائج الصحيَّة تحتاج لرعاية الزوجين بعضهما لبعض ولتكثيف جهودهما للتغلُّب على المرحلة الصعبة.
  5. التأثير على الأطفال: الأطفال هم الحلقة الأضعف في مواجهة الأزمات، لأنَّهم بحاجة لمن يرعاهم ويوفِّر لهم الأمان، ويقوم على سدِّ النقص من احتياجاتهم الصحيَّة والجسديَّة والنفسيَّة. لذا فإنَّ تأثير الأزمات أو الكوارث أو الحروب على الأطفال سواء بالفقد أو بالمرض أو الإصابة أو غيرها من التأثيرات، تعتبر تحدّيًا كبيرًا أمام الزوجين، ينخلعان فيه من اهتمامهما بنجاحاتهما الشخصيَّة إلى مسؤوليَّة الوصول بقارب الأسرة كلّه إلى برِّ الأمان. هذه الرحلة قد تكون سببًا في تقوية العلاقات الزوجيَّة، كما أنَّها أيضًا قد تكون سببًا في تدميرها.

هل تأثير الأزمات إيجابي أم سلبي على العلاقة الزوجيَّة؟

تختلف نتائج البحوث والدراسات حول ما إذا كان تأثير الأزمات أو الكوارث أو الحروب إيجابي أم سلبي على العلاقات الزوجيَّة، فقد يكون هذا أو ذاك وفقًا لشبكة معقَّدة من العوامل.

فقد يكون التأثير إيجابيًّا حيث:

في أحد الدراسات التي اهتمَّت بالعلاقات الزوجيَّة أثناء جائحة الكورونا على سبيل المثال، أشارت إلى أنَّ 74% من المشاركين شعروا أنَّ الأزمة تزيد من قوَّة العلاقة بين الزوجين، وأنَّ 85% من المشاركين شعروا بالتقدير والامتنان لأزواجهم بعد الجائحة وبقيمة الحياة التي يتشاركونها.

ومن التأثيرات الإيجابيَّة للأزمات على العلاقات:

مقالات ذات صلة
  • يحتاج الزوجان إلى الشعور بالأمان ودعم كل منهما للآخر، كما أنّهما يشعران برغبة في التكاتف والتلاحم لمواجهة الأزمة بشكل أفضل، كما أنَّ الإنسان في أوقات الضغوط يزيد إحساسه بالتعاطف والتسامح ناحية من يحبّ، ويميل للغفران وتناسي المشاكل والصراعات القديمة.
  • يطوِّر بعض الأزواج من جودة التواصل من أجل حلِّ المشكلات واتِّخاذ القرارات، حيث يتناسى كل منهما رغبته في الانتصار أو إثبات أنَّ له الكلمة العليا من أجل المصلحة المشتركة وهي نجاة الأسرة.
  • زيادة الشعور بالمسؤوليَّة المشتركة، وتركيز الزوجين معًا على أهداف تجمعهما وتكون لها الأولويَّة بالنسبة لكلٍّ منهما.
  • الشعور بالامتنان والتقدير للحياة السابقة، حيث يميل الإنسان لتقدير ما يملكه إذا كان على وشك خسارته. لذا تعيد الأزمات للزوجين شعور كل منهما بقيمة وأهمّيَّة الآخر في حياته. 

أمَّا التأثيرات السلبيَّة للأزمات على العلاقات الزوجيَّة:

  • أن يعيق الاضطراب النفسي لدى أحدهما قدرة الآخر على التحمُّل والتأقلم والاستمرار، خاصَّة في الحالات المتطرِّفة من الإصابة باضطراب كرب ما بعد الصدمة، أو الاكتئاب، أو القلق الشديد.
  • أن يتعرَّضا لخسارات كبيرة لا يستطيعان تجاوزها، مثل خسارة أحد الأبناء، أو السكن، أو الأقارب، أو التعرُّض للاصابات الصحيَّة والجسديَّة التي تتطلَّب من الطرف الآخر رعاية وتضحية لا يستطيع تحمّلها.
  • أن يفشل الزوجان في التواصل واتِّخاذ القرارات المشتركة، ويرمي كل منهما باللَّوم على الآخر.

وتعتمد التأثيرات المحتملة للأزمات على الزوجين على العديد من العوامل المتشابكة، ولكن أهمّها قدرتهما على الوصول إلى لغة تفاهم وحوار مشتركة، والصبر، وتقديم الدعم والمساندة بدون شروط.

كيف يمكن مساعدة الزوجين على تعافي  العلاقة بعد الأزمة؟

  • برامج نفسيَّة مكثَّفة لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة وأعراض القلق والاكتئاب، وبرامج لإعادة التأهيل النفسي والتعامل مع الأعراض على المدى القريب والمتوسِّط والبعيد.
  • برامج إعادة تأهيل ودمج اجتماعي خاصَّة للفئات التي اضطرَّت للهجرة أو اللجوء، أو تغيير الدوائر الاجتماعيَّة المعتادة. 
  • خطط اقتصاديَّة لتجاوز الأزمة وتأثيراتها على الأوضاع الماديَّة للأسرة، سواء من خلال طلب الدعم والمساعدة مباشرة من الجهات المختصَّة أو من خلال الدوائر الاجتماعيَّة والأُسريَّة القريبة.
  • خطَّة للمتابعة والعناية الصحيَّة والاطمئنان على استقرار الأوضاع من الناحية الطبِّيَّة.
  • زيارة المعالج الأُسري أو طلب الإرشاد الزواجي، خاصَّة في حالة تعثُّر الأسرة في الوصول إلى نمط تواصل صحِّي وسلس، أو إذا كانت الضغوط تحول دون قدرة الزوجين على استكمال حياتهما بشكلٍ طبيعي.

المصدر
blogs.iu.eduncbi.nlm.nih.govwww.qld.gov.au
اظهر المزيد

أية خالد

إخصائية نفسية حاصلة ليسانس الآداب قسم علم النفس بجامعة القاهرة، وعلى الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، وكاتبة محتوى مهتمة برفع الوعي بالصحة النفسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: هذا المحتوى محمي بحقوق الملكية الفكرية