هل تلعب الزوجة دورًا بديلًا للأُمّ في حياة زوجها؟

اقرأ في هذا المقال
  • الشعرة الفاصلة بين الرعاية الزوجيَّة والأُمومة
  • كيف تعرف الزوجة أنَّها تقوم بدور الأُمّ في حياة زوجها؟
  • لماذا قد تقوم الزوجة بدور الأُمّ؟
  • لماذا لا يجب أن تقوم الزوجة بدور الأُمّ؟

في العلاقات الزوجيَّة يؤدِّي كل من الزوج والزوجة الكثير من الأدوار في حياة بعضهما البعض وفي حياة الأطفال من أجل تنظيم الأدوار وتوزيع المهامّ، ويُتَّفَق ضمنيًّا على التخصَّصات والمسؤوليَّات، وبعد فترة تستقرّ خارطة التوقُّعات والأدوار التي ينتظرها كل طرف من الآخر، هذه الأدوار والتوقُّعات قد تكون صحيَّة أو تكون مضطربة ومسيئة أو غير صحيَّة. أحد هذه الأدوار هو دور الأُم، الذي تقوم به بعض الزوجات في حياة أزواجهن، سواء بقصدٍ ووعي، أو بدون.

صحيح أنَّ العلاقة الزوجيَّة لا بد أن يغلِّف كل تفاصيلها الحبّ والرعاية والحنان المتبادل، إلا أنَّ هناك مسافة تفرِّق حُبّ ورعاية الأُمّ لأطفالها، عن الحبِّ والرعاية التي تقدِّمه الزوجة لزوجها، حيث إنَّ العلاقة الزوجيَّة هي علاقة تشاركيَّة مسؤولة وناضجة، يتبادل فيها الطرفان الرعاية والدعم والمشاركة في المهامِّ والمسؤوليَّات كل حسب قدرته، وأيضا وفقًا للكثير من العوامل الثقافيَّة والخلفيَّات الاجتماعيَّة، وغيرها من العوامل المحدِّدة لدور كل من الزوج والزوجة.

الشعرة الفاصلة بين الرعاية الزوجيَّة والأُمومة

تميل النساء بطبعها إلى سلوك الرعاية والاهتمام بمن حولها، ويقع على عاتقها ثقافيًّا واجتماعيًّا عبء العناية بالمنزل والأطفال، والاهتمام بالنظافة وإعداد الوجبات وعادةً ما تكون مسؤوليّتهن التأكُّد من أنَّ كل شيءٍ يحتاجه المنزل موجود في مكانه. بالإضافة إلى أنَّ العلاقة الزوجيَّة هي بالدرجة الأولى علاقة حبّ وعطاء وتضحية واهتمام متبادل، لذا فمن البديهي أن تعتني الزوجة بتفاصيل زوجها، وتهتمّ بأن تكون طلباته مُلبَّاة على أفضل وجه.

 لكن هناك شعرة فاصلة بين الاهتمام بالزوج كشريك حياة، والاهتمام به كطفل اعتمادي إضافي في البيت. فكيف يمكن التمييز بين الرعاية الزوجيَّة الصحَّيَّة، والرعاية غير الصحَّيَّة التي تقوم فيها الزوجة بدور الأُمّ؟

  • تلبية احتياجات الطرفين: نمط الرعاية الصحَّي هو الذي يلبِّي احتياجات الطرفين، ويجدان عن طريقه راحتهما المشتركة وشعورهما المتبادل بالأمان والثقة، ويكون فيه كل منهما على طبيعته، فأيًّا كانت الطريقة التي يعبِّر بها الزوجين عن الاهتمام والحبَّ والرعاية، طالما كانت برضا ووعي وتفاهم من الطرفين دون ضغط أو ابتزاز أو استغلال أحدهم للآخر، فهي العلاقة المثاليَّة بالنسبة إليهما.
  • مرونة تبادل الأدوار: من علامات النضج أن يكون كلا الزوجين واعيين بالمسؤوليات الأُسريَّة، وقادرين على الإحلال محلّ بعضهما بمرونة وبساطة إذا استدعت الأمور ذلك. فحتَّى عندما يتوقَّع الزوج مزيدًا من الرعاية والتدلُّل والتنظيم من قِبل زوجته، يستطيع تبادل الدور في حال احتاجت الزوجة لتلقِّي الرعاية ولأن تصبح هي مُستقبل الاهتمام، خاصَّة إذا كانت تتعرَّض للضغوط، أو تمرّ بفترة مرض، أو غيرها من الظروف التي قد تمرّ بها وتفقُّدها القدرة على إعطاء الاهتمام المعتاد.
  • التراضي وعدم القهر: أن يكون الشكل الأخير الذي تتوزَّع به المسؤوليَّات والأدوار على كلا الزوجين مرضٍ لكلٍّ منهما، ولا يُرغَم فيه طرف على القيام بدور لا يريد القيام به أو أكبر من طاقته وقدرته على العطاء. وأن يكون بين الزوجين اتِّفاق صريح أو ضمنيّ على معنى العطاء، وأدوات إظهار الحبّ والاهتمام والرعاية يقبلها كل منهما ويجيد استخدامها واستقبالها أيضًا. 
  • تقديم وسط تربوي صحَّي: الأسرة هي الوسط التربوي الأوَّل، حيث يقدِّم الأبوان بقصد أو بدون قصد معنى الأسرة لأبنائهما، وما يقوم به الأب والأم من أدوار في حياة بعضهما البعض وفي حياة الأبناء هو المرجعيَّة التي تُبنى في العقل غير الواعي وتستمرّ معهم مدى الحياة.
  • احترام الخصوصيَّة والمساحات الشخصيَّة: الزواج لا يعني ذوبان الأشخاص في بعضهم البعض وفقدانهم لشخصيّاتهم وتفضيلاتهم وأصدقائهم، وإنَّما هو التحام ومشاركة لدوائر الزوجين، قائم على الاحترام والحبّ، لا يكون طرف وصيًّا على الآخر، ولا نائبًا عنه في قراراته، أو متحكِّمًا في علاقاته. 
  • عدم اللَّوم والتأنيب المستمرّ: وهما من سمات العلاقات الأبويَّة التي قد تمارسها الزوجة على زوجها أو العكس بالطبع. حيث يقوم كل طرف بمحاكمة ومحاسبة الآخر على الأخطاء أو حتَّى على التوقعات المثاليَّة له، فينتهي الأمر بالشعور بعبء وضغط كبير بسبب العلاقة، وعدم الشعور بالراحة والأمان في مصارحة الطرف الثاني في حال وجود مشكلة ما، بل وقد ينتهي الأمر بمحاولة طرف إخفاء ما يخصّه عن الآخر خوفًا من اللَّوم والتأنيب. والبديل هو إقامة حوار ونقاش صحَّيّ ومفتوح، يستطيع الزوجان من خلاله التعبير بحريَّة عن أنفسهما دون خجل أو شعور بالعار.

كيف تعرف الزوجة أنَّها تقوم بدور الأُمّ في حياة زوجها؟

هذه مجموعة من الأمثلة الحياتيَّة المختلفة التي قد تشير إلى أنَّ الزوجة تمارس في حياة زوجها دور الأُم، مع التأكيد على أنَّ كل هذه الأمثلة قد تقدَّم من منطلق المودَّة والحبّ والرعاية وبكلِّ حبٍّ ورضا، ولكن ما يجعل ممارسات دور الأمومة مختلفة عن ممارسات الحبّ والاهتمام هو المنطلق الذي تقدَّم منه، والقناعات القابعة خلف إصدار واستقبال هذه المعاملات اليوميَّة.

  • الإلحاح المتواصل على الزوج لإنجاز مسؤوليَّاته. قد يبدو الأمر كليشيهيًّا ومعتادًا، ولكن إنجاز المسؤوليَّات تحت وطأة الإلحاح والتذكير المستمرّ بقائمة المهامّ المنتظرة هو أحد سمات علاقة الأم بأطفالها.
  • الإفراط في اللَّوم والعتاب والتأنيب على أيِّ وكلِّ شيء.
  • سلبيَّة الزوج في تطوير خطواته المهنيَّة، واعتماده على أفكار الزوجة واقتراحاتها أو تدخُّلها من خلال الواسطة والمعارف المشتركة لتجد لزوجها فرص عمل أفضل، أو تبدأ برأس مالها تأسيس عمل خاصّ ليديره هو.
  • الزوجة هي من تذكِّر الزوج بأدويته إن كان منتظمًاعلى علاجٍ ما، وهي التي تحدِّد المسموح والمحظور في النظام الصحَّي والغذائي الخاصّ به، وتقوم بإخفاء الأكلات المضرَّة عنه، لأنَّه لا يستطيع السيطرة على نفسه أو الالتزام بقرارات صحيَّة لمصلحته.
  • عدم وجود مساحة شخصيَّة وتحكُّم الزوجة في دائرة زوجها من الأصدقاء والمعارف، فتقرّر من الذي يصلح ليكون في المحيط العائلي القريب، ومن الذي لا يصلح ليكون صديقًا مقرّبًا لزوجها وأسرتها. وتبدي رأيها طوال الوقت في أصدقائهِ وتقوم بتصنيفهم والحكم عليهم حتَّى رغم معرفتها الضعيفة بهم.
  • تتحمَّل الزوجة عواقب أفعال الزوج وأخطائه، ابتداءً من تنظيف ما أفسده، وانتهاءً بالدفاع عنه في العلاقات الاجتماعيَّة، وإصلاح أخطائه وسقطاته، والنيابة عنه في المناسبات والمجاملات العائليَّة، والحديث نيابة عنه في أي موقف قد يشعر فيه الزوج بالتورُّط أو الإحراج حتَّى ولو أمام الأبناء.
  • المرأة المعيلة التي تتولَّى بالكامل مسؤوليَّة الأسرة والإنفاق سواء عن طريق العمل أو من أي مصدر خاصّ للدخل.
  • ينتظر الزوج من الزوجة تجهيز الأكل في طبقه، مفصَّص بلا شوك أو عظم، أو ساخن في أي لحظة يقرِّر تناول الطعام فيها، متوقِّعًا معاملة الأُمّ لطفلها في تجهيز الوجبة والاحتفاء بتناوله إيّاها، أو عندما يكون الزوج معتمد بشكلٍ كلِّي على الزوجة في اختيار ملابسه وتنسيقها وشرائها وتجهيزها له قبل وقت احتياجه لها، بما في ذلك تفاصيل ما يحتاج للغسيل أو ما يحتاج للكيّ، أو ما آن أوان التخلِّي عنه لأيِّ سبب كان.
  • تشعر الزوجة بالقلق حول أنَّ الزوج في غيابها  لا يستطيع الاعتماد على نفسه في أبسط أمور حياته، مثل تجهيز وجباته أو ملابسه أو العثور على متعلّقاته أو العناية الأوَّليَّة بالمنزل.

لماذا قد تقوم الزوجة بدور الأُمّ؟

  • زوج غير ناضج: أحيانًا تكون شخصيَّة الأبناء شديدة الاعتماديَّة على الأُمّ، وتكون الأُمّ مُتورِّطة في إدارة كلّ تفاصيل المنزل والأبناء حتَّى الناضجين والرجال منهم، فيتزوَّج الرجل وهو لم يستقل نفسيًّا بعده عن أُمّه ولم يجهّزه أبواه لحياة الراشدين ومسؤوليَّاتها، ويصبح متوقَّعًا من الزوجة القيام بدور الأُمّ البديلة وإحلال محلّها في العناية بأموره الشخصيَّة ومساعدته في اتِّخاذ القرارات، ويكون الزوج بمثابة طفل نفسيًّا، ولكن في جسد رجل بالغ كبير.
  • زوجة تميل للسيطرة والتحكُّم: تميل شخصيَّة بعض الزوجات للسيطرة والتحكُّم، والهوس بمتابعة كل التفاصيل واتِّخاذ القرار في كل صغيرة وكبيرة تخصّ أُسرتها وأفرادها، فتطوِّر علاقة غير صحيَّة بالزوج الذي قد يستسلم فيها بعد وقت لفكرة أنَّ الزوجة هي الشخص صاحب الخطَّة والقرار والرأي الأخير، أو يُفتح باب المشكلات والشجار على مصراعيه طوال الوقت.
  • الحالات الخاصَّة: بعض العلاقات لها ظروفها وسماتها الاستئثنائيَّة التي تُحتِّم على أصحابها لعب أدوار معيَّنة في العلاقة، مثل أن تكون الزوجة أكبر من الزوج بفرق سنٍّ كبير، في هذه الحالة تميل تلقائيًّا للعب دور أمومي في حياته. أو كأن يكون الزوج مريض مزمن بأحد الأمراض، أو يعاني إعاقة ما تجعل له احتياجات خاصَّة في المتابعة و الرعاية وتقديم اهتمام خاص، وغيرها من الحالات الخاصَّة التي يستطيع الزوجان وحدهما تقديرها ومعرفة نمط العلاقة الأنسب فيها وفقًا لاحتياجاتهما ولغة الحبّ المشتركة بينهما.
  • الزواج من شخص مستهتر أو غير مسؤول: لأنَّ إنهاء الزيجات ليس أمرًا بسيطًا خاصَّة في المجتمعات العربيَّة المحافظة، وبالذات بعد الإنجاب ووجود أطفال، فإنَّ بعض الزوجات يجدن أنفسهن متورِّطات مع أزواج غير مسؤولين لا يجيدون القيام بمهمَّاتهم والعناية بأسرهم، وتصبح الزوجة مسؤولة عن القيام بالدورين معًا، الأب والأُم، بل وأحيانًا بدور الأُمّ لهذا الطفل الكبير المعتمد عليها كليًّا.

لماذا لا يجب أن تقوم الزوجة بدور الأُمّ؟

ملحوظة: لا توجد في العلاقات قاعدة مثاليَّة قابلة للتعميم، ولا يوجد أبدا ما يمنع الزوجة من التعبير عن الحبِّ والاهتمام بزوجها بأيِّ طريقة كانت، طالما كما ذكرنا يرتضيها الطرفان، ويُعبِّران من خلالها عن أنفسهما، ولا يشعران خلالها بالقهر أو الابتزاز أو الاستغلال. ولكن إذا كان أحد الطرفين مضغوطًا ومضطرًا لممارسة هذا الدور، فما هي الأضرار التي قد تقع على الأُسرة جرَّاء هذا الأمر؟

  • مخاطر العلاقة الاعتماديَّة، وفيها يغذِّي كلا الطرفين الدور الاعتماديّ، فيزيد الطرف السلبي في سلبيته وتخلّيه عن مسؤوليَّاته اعتمادًا على أنَّ هناك من يحملها عنه، ويزيد الطرف الإيجابي في الاستئثار بالسلطة والقرار في الأسرة، متحمِّلًا ربما أكبر من طاقته من المسؤوليَّات والمهامّ.
  • تحوُّل العلاقة إلى شكل مسيء وغير سويّ، وانقسامها إلى طرفين غير متعادلين أحدهما يقدِّم الرعاية والآخر مجرَّد مُتلقٍّ لها.
  • اضطراب ميزان العلاقات وعدم تقديم نموذج سويّ للأسرة، وهو الأمر الذي يؤثِّر بدوره على تنشئة الأطفال نفسيًّا ومعنويًّا.
  • الاحتراق النفسي أو الوصول إلى نقطة لا يتحمَّل فيها أحد الطرفين أو كلاهما درجة الضغط التي تلقيها العلاقة على كاهله، فتزيد الصراعات لأتفه وأبسط الأسباب، وقد يصل الزوجان إلى عقدة غير قابلة للحلّ تدفعهما للتفكير في الهروب أو الخيانة أو الانفصال.

اظهر المزيد

أية خالد

إخصائية نفسية حاصلة ليسانس الآداب قسم علم النفس بجامعة القاهرة، وعلى الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، وكاتبة محتوى مهتمة برفع الوعي بالصحة النفسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: هذا المحتوى محمي بحقوق الملكية الفكرية